رؤية عصرية تجمع بين البساطة والابداع... ساندرا منصور لـ"هي": احتفال بالأنوثة يضيء طريق الإبتكار
حوار: lynda ayyach
في هذا العدد الذي يسلط الضوء على مفهومي التحول والاحتفال، نتحدث مع المصممة اللبنانية ساندرا منصور التي بنت علامتها على رؤية تجمع بين الحرفية، والبحث المستمر، والهُوية الواضحة. منذ إطلاق دارها الخاصة، عملت ساندرا على تطوير لغة تصميم خاصة بها ترتكز على البساطة المدروسة، والتفاصيل الدقيقة، والقدرة على موازنة القوة والنعومة داخل كل قطعة.
في هذا الحوار، تتناول ساندرا أبرز محطات مسيرتها، وكيف أثرت الفنون والأدب والنساء على مخيلتها الإبداعية. كما تتحدث عن دورها في تمثيل الإبداع العربي عالميا، وعن الطريقة التي تظل بها بيروت مصدر إلهام بصريا في أعمالها، إضافة إلى رؤيتها للاحتفال، للمرأة العصرية، ولمستقبل الهوت كوتور في ظل التحولات التقنية والبيئية. إنه حوار يعكس مسيرة مصممة تعتمد التطور مسارا دائما، وتحافظ في الوقت نفسه على بصمة واضحة تميّز عملها.
مع استعداد ساندرا لمرحلة جديدة في مسيرتها، ترافقها رؤية أكثر نضجا لدور الموضة اليوم، باعتبارها مساحة للتعبير وسرد القصص التي تعكس واقع المرأة وطموحاتها، فهي تؤمن بأن التصميم لم يعد مجرد ابتكار جمالي، بل مسؤولية ثقافية تتطلب الوعي بالتغيير، واحترام الحرفية، وإيجاد توازن بين التراث والابتكار. تعكس أعمال ساندرا هذه المقاربة، لتصبح منصة فنية تتجدد باستمرار، وتفتح أبواب الحوار مع المستقبل، مع الحفاظ على جذورها الثابتة.

يحتفي هذا العدد بروح "التحول" وفن "أن نصبح"، كيف تفسرين هذا المفهوم من خلال رحلتك الشخصية والفنية؟
بالنسبة إلي، إن مبدأ "أن نصبح" هو حالة مستمرة وليست وجهة نهائية. رحلتي كانت دائما مبنية على السماح للفضول والشك والتجربة بأن تتعايش معا. كل مجموعة هي فصل جديد في ذلك التطور، فأبدأ من مكان شديد الخصوصية، غالبا لوحة، أو قصيدة، أو حكاية امرأة، ثم أحوّلها إلى شكل وحجم وتفاصيل. أما التحول، في حالتي، فهو القدرة على البقاء وفية لحساسية فنية معيّنة، مع تقبّل أنّني في حالة تغير دائم.
ما اللحظات أو المحطات التي تعتبرينها نقاط تحول رئيسة في تطورك كمصممة؟
هناك عدة لحظات تركت أثرا عميقا في مسيرتي. إطلاق داري الخاصة كان الخطوة الحاسمة الأولى، فكان تعبيرا عن التزامي بصوتي المستقل وهُويتي الإبداعية.. ثم جاء التوسع نحو فساتين الزفاف، حيث استطعت أن أدفع رؤيتي للرومانسية والقوة إلى مستوى جديد، وكانت تلك نقطة تحول أخرى. أما تعاوناتنا الدولية، مثل شراكتي مع H&M، فقد فتحت أعمالي أمام جمهور أوسع، ودفعتني للتفكير في فكرة الوصول من دون المساس بالهُوية الأساسية للعلامة. وبالطبع، فإن الأحداث التي هزت بيروت في السنوات الأخيرة أعادت تشكيل علاقتي بالمدينة، وبالهشاشة والصمود، وكل ذلك بات حاضرا اليوم في التصاميم.
تستمدين إلهامك من الفنون البصرية والأدب والنساء. كيف يتجلى الإبداع في عملك اليوم؟ وكيف تطورت رؤيتك مع مرور الوقت؟
الفن والأدب والنساء هي المحاور الثلاثة الثابتة لدي. غالبا ما أبدأ بلوحة أو نص، أو ألوان، أو خطوط، أو جملة تبقى في ذهني. من هناك، أبدأ التخطيط، وبناء الشكل الأولي، وتطوير التطريزات التي أشعر أحيانا بأنها تشبه ضربات الفرشاة.
ومع الوقت، أصبحت رؤيتي أكثر نقاء وتركيزا. لم أعد مهتمة بالزخرفة لأجل الزخرفة، بل أصبحت أركز على حالات معينة داخل القطعة نفسها من النعومة والقوّة، إلى العمق والشفافية، وصولا الى الهشاشة والقوة، فكلها تتعايش في التصميم الواحد.
في عالم سريع التغيّر، كيف تحافظين على توقيعك الفني الخاص مع الاستمرار في الابتكار ومفاجأة الجمهور؟
أحمي توقيعي من خلال مجموعة من الرموز، فمن طريقة استخدامنا للأقمشة الخفيفة إلى الحوار بين البنية والانسيابية، وصولا الى التفاصيل الحرفية المصنوعة يدويا والتي تحمل طابعا شبه حميم. حول هذه الثوابت، أسمح لنفسي بالكثير من الحرية، فأتبنّى مواد جديدة، وتعاونات جديدة، وتقنيات حديثة في التصميم والإنتاج. كما أن الإصغاء العميق للمرأة التي ترتدي قطعي يبقيني على أرض الواقع. فالابتكار بالنسبة إلي ليس ضجيجا، إنه تعديل دقيق لهذه العناصر كي أستمر في مفاجأتها من دون أن أفقد هُويتنا.



ماذا يعني لك مفهوم "الاحتفال" كامرأة وفنانة ومصممة لبنانية؟
الاحتفال، بالنسبة إلي بصفتي امرأة لبنانية ومصممة، لا ينفصل عن الصمود. إنه القدرة على خلق لحظات جمال حتى في سياقات غير مستقرة. الاحتفال ليس مجرد مبالغة أو لفتات كبيرة، بل هو تكريم للمحطات، للعلاقات، ولرفاهية الاجتماع نفسها. كما أنه شكل من أشكال الامتنان أيضا، للحرفيين الذين أعمل معهم، لفريقي، وللنساء اللواتي يخترن العلامة في أبرز لحظاتهن الشخصية.
كيف تترجمين فكرة الاحتفال في تصاميمك؟ هل تظهر من خلال القصات، والأقمشة، والألوان، أم عبر السرد البصري الخاص بك؟
في عملي، يظهر الاحتفال عبر الحركة والضوء. أفكر في فساتين ترافق الجسد بدل أن تقيده، وبقصات انسيابية، وشفافية خفيفة، وتطريزات تلتقط الضوء دون صخب. فتتحول أقمشة مثل التول والأورغانزا والدانتيل الناعم إلى تعبير عن الفرح. أما لوحة الألوان، فقد تكون حالمة أو قوية تبعا لقصة المجموعة؛ لكن ما يبقى ثابتا هو سردية تجعل المرأة مميزة بإطلالتها الخاصة.
بصفتك مصممة لبنانية ذات حضور عالمي، كيف ترين دورك في تقديم صورة جديدة للإبداع العربي على الساحة الدولية؟
بصفتي مصممة لبنانية، أشعر بمسؤولية تقديم صورة للإبداع العربي تكون عميقة ومعاصرة، وغنية. غالبا ما ينظر إلى الشرق الأوسط من خلال كليشيهات، بينما يسعى عملي لتسليط الضوء على واقعه المعقد والمتنوع. حين تسافر قطعي إلى عميلات ومنصات دولية، فهي تحمل معها بصمة خاصة، وطريقة معينة لقراءة الأنوثة، واحتراما كبيرا للحرفية المتجذرة في إرثنا.
إلى أي مدى لا يزال لمدينة بيروت، بكل تناقضاتها وقوّتها، تأثير مباشر في هُوية الدار وسردك البصري؟
بيروت جزء لا يتجزأ من هُوية الدار، فتناقضاتها التي تجمع الفوضى والأناقة، الهشاشة والقوة، الحزن والفكاهة تغذي السرديات، حتى حين أصمم في مكان آخر، تبقى بيروت الخلفية غير المرئية لكل شيء.
علامتك تحتفي دائما بالنساء المبدعات القويات. ما الصفات التي تعتقدين أنها تعرّف "المرأة العصرية" اليوم؟
المرأة المعاصرة فضولية، مطّلعة، وواعية لذاتها. يمكن أن تكون لطيفة وحازمة في الوقت نفسه. وتختار قطعا تعكس فرديتها بدل اتباع صيحة عابرة، وهي أيضا حساسة لطريقة صناعة الأشياء وللأخلاقيات، كما للاستدامة، والقصص وراء الملابس التي ترتديها.
ما الأثر أو الإلهام الذي تأملين أن تتركيه لدى النساء، خصوصا الجيل الجديد من المبدعات؟
آمل أن أبتكر للمرأة خزانة ترافق حقيقتها، لا مظهرا تتخفّى خلفه.. إن استطاع عملي أن يجعل المرأة تشعر بأنها أكثر ثقة، وأكثر شاعرية، وأكثر حضورا بشروطها الخاصة، عندها أكون قد نجحت. وللجيل الجديد خصوصا، أريد لرحلتي أن تقول إنه من الممكن بناء سردية عالمية من بيروت، والوثوق بالمراجع الذاتية، والتوفيق بين الرقة والطموح معا.


هل هناك درس أو إدراك معيّن من هذا العام سيؤثر في توجهك الإبداعي في العام المقبل؟
أدركت هذا العام أن البطء له قيمة. أخذ وقت أطول في البحث، والبروفات، والسرد، ينتج عنه قطع تعمّر أكثر، وتتحدث بوضوح أكبر. هذا سيؤثر في العام القادم من خلال تعزيز تركيزنا على مجموعات مدروسة، وكميات محدودة، وتعاونات أعمق بدل الضجيج المستمر.
برأيك، كيف سيتطور مستقبل الهوت كوتور والحرفية في ظل التكنولوجيا والاستدامة والأشكال الفنية الجديدة؟
أعتقد أن الهوت كوتور والحرفية سيبقيان أساسيين تحديدا، لأن التكنولوجيا تتقدم بسرعة. أما اليد البشرية، بما فيها من عدم كمال وحدس، فستصبح أثمن. فالتكنولوجيا بالنسبة إلي هي أداة تساعدنا على تطوير النماذج بذكاء وتقليل الهدر، والتواصل مع الزبائن بطرق جديدة، لذلك فإن الاستدامة لن تكون محورا منفصلا، بل معيارا مدمجا، من التوريد إلى حجم الإنتاج إلى عمر التصميم.
ما الإرث أو البصمة التي تطمحين إلى تركها في عالم الموضة والسرد الإبداعي؟
آمل أن يكون إرث الدار صوتا شاعريا وواقعيا في الموضة؛ فقد احتفت الدار بتعقيد النساء وقوتهن، وقدرت الجهود والمهارات التي أسهمت في تشكيل كل قطعة.. إذا نظر أحدهم بعد سنوات إلى فستان من تصميمي وشعر بالعاطفة والنزاهة معا، فهذه هي البصمة التي أتمنى أن أتركها.
ما مصادر الإلهام خارج عالم الموضة التي تغذي مخيلتك في الفترة الأخيرة؟
الكتب! بعضها يتناول الفن والعمارة، إلى جانب الموسيقى الكلاسيكية والسينما المستقلة. غالبا ما أعود إلى رسامين يلعبون بالضوء والظل، وإلى كُتّاب يستكشفون العوالم الداخلية برهافة. هذه المرجعيات لا تظهر حرفيا في الملابس، لكنها تشكّل الأجواء التي تبنى عليها كل مجموعة.