المُصمّم السوري "مُثنى الحاج علي"

من رحلة اللجوء إلى منصات الموضة العالمية... مُثنى الحاج علي لـ"هي": كل قطعة أبتكرها تحكي قصّة

نادين منيّر
5 سبتمبر 2025

في عالم الموضة الذي يَعُجّ بالإبداع، تبرز قصصٌ استثنائية لا تقتصر فقط على الأناقة والجمال، بل على الصمود والشغف. اليوم، نغوص في رحلة مُلهمة مع المُصمّم السوري "مُثنى الحاج علي"، الذي لم تكن بداياته مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالتحديات التي صقلت موهبته ورؤيته. من شغف الطفولة بالرسم في سوريا، مرورًا بتجربة اللجوء القاسية، وصولاً إلى أروقة الخياطة الراقية في باريس، أثبت مُثنى لنفسه وللعالم أن الجمال يمكن أن يولد من الألم، وأن الهوية الحقيقية تُصنع من التجارب.

في هذه المقابلة الخاصة مع "هي"، نكتشف كيف حوّل المصمم قصة شخصية إلى رسالة إبداعية عالمية، وكيف أصبحت تصاميمه جسرًا يربط بين ثقافتين.

المُصمّم السوري "مُثنى الحاج علي"
المُصمّم السوري "مُثنى الحاج علي"

حدّثنا عن بداياتك مع الموضة، وكيف شققت طريقك كمصمم أزياء انطلاقًا من سوريا وصولاً إلى باريس؟

في سوريا، اكتشفت شغفي بالرسم منذ الصغر، وكانت موهبتي وسيلتي للتعبير عن مشاعري وأفكاري. أنا من مواليد 1996 في سوريا، وبعد الانتقال إلى الأردن حرصت على تطوير هذه الموهبة رغم الصعوبات، وكان حلمي الدائم أن أدرس تصميم الأزياء، لكن لم تكن هناك مدارس تلبي طموحي. لذلك، كانت أنظاري دائمًا متجهة نحو L’Institut Français de la Mode في باريس.

عند وصولي إلى فرنسا في نهاية عام 2017، درست لمدة عامين في مدرسة حكومية لصقل مهاراتي واكتساب الأساسيات، ومع الوقت تعلمت اللغة الفرنسية، حتى أصبحت مؤهلاً لدخول مدرسة أحلامي. بعد ذلك، حظيت بفرصة ثمينة للعمل في أتيليه المصمم العالمي Stéphane Rolland، حيث تعلمت أصول الخياطة الراقية التي تشتهر بها باريس، ما منحني خبرة عملية قيّمة وساعدني على صقل هويتي الإبداعية.

وبالتزامن مع عملي في دار ستيفان رولاند، بدأتُ العمل على إطلاق البراند الخاصة بي Mouthana، لأحوّل شغفي وتجربتي الشخصية إلى تصاميم فريدة تعكس عالمي ورؤيتي.

كونك عشت تجربة اللجوء، كيف انعكست هذه التجربة على هويتك الإبداعية ورؤيتك في التصميم؟

انتقالي من سوريا إلى الأردن، ثم إلى فرنسا، شكّل رحلة مليئة بالتحديات والصعوبات، من بينها السير عبر الصحراء للوصول إلى الأردن. وجوه الناس التي رأيتها تمشي في الصحراء وفي المخيمات، المتعبة والمليئة بالصمود، ألهمتني كثيرًا وعلّمتني قيمة القوة والإنسانية في أبسط صورها. من هنا، تحمل تصاميمي قصص القوة والحرية، وتجمع بين الألم والجمال، بين الإنسانية والشغف. هذه التجربة منحتني منظورًا فريدًا لا يمكن أن يشعر به إلا من عاشها، وجعلت كل قطعة أبتكرها تعكس جذور قصتي، وفي الوقت نفسه تتواصل مع العالم، مانحةً تصاميمي أصالةً وعمقًا إنسانيًا.

من تصاميم علامة Mouthana
من تصاميم علامة Mouthana

ما هي اللحظة أو التجربة المفصلية التي دفعتك لتختار تصميم الأزياء؟

منذ صغري كنت أرسم، وكانت عائلتي تشجعني دائمًا على التعبير عن مشاعري من خلال الفن. لكن كل شيء تغيّر في بدايات عام 2011، عندما سقطت أول قذيفة على مدينتي. هذه اللحظة كانت نقطة تحول في حياتي، وأصبحت الخطة المفصلية لاختيار مجال تصميم الأزياء واضحة لي، حيث بدأت أفكر بعمق في مستقبلي وكيف أستطيع مساعدة الآخرين وإعطاء معنى لتجربتي. أصبح تصميم الأزياء وسيلتي للتعبير عن نفسي، وتحويل الألم إلى إبداع وجمال يمكن للعالم أن يراه ويفهمه، ولتكون رسالتي من خلال الأزياء رسالة جميلة تصل للآخرين.

كيف تصف هوية تصاميمك؟ وما هي العناصر الأساسية التي تسعى دائمًا إلى إبرازها في كل مجموعة؟

تصاميمي تمثل مزيجًا متوازنًا بين القوة والأناقة، وبين التناقضات التي تعكس واقع حياتنا: الحياة والموت، الدم والماء، الأبيض والأسود. كنت محظوظًا بأن أعيش كلاجئ في فرنسا، ومن خلال هذه التجربة تعلمت ثقافة جديدة ساعدتني على دمج الثقافة العربية، وبالأخص السورية، مع الثقافة الفرنسية. هذا الدمج يمنح تصاميمي طابعًا كلاسيكيًا معاصرًا، ويجعل كل قطعة لغة تعبر عن قصة وتجربة إنسانية، مع الحفاظ على هويتي الخاصة وروحي الإبداعية.

ما الرسالة التي تود أن ينقلها عملك للجمهور العربي والعالمي من خلال الموضة؟

رسالتي أن الموضة ليست مجرد جمال، بل أداة للتعبير والتغيير. أريد أن يرى الناس أن وراء كل قطعة قصة، وأن الجمال يمكن أن يولد من الألم. كما أطمح لإظهار صورة جديدة عن المصمم العربي، وبالأخص اللاجئ، الذي يحمل هويته للعالم بفخر واعتزاز.

من تصاميم علامة Mouthana
من تصاميم علامة Mouthana

وصولك إلى نهائيات مسابقة Fashion World Arabia خطوة مهمة جدًا، ماذا تعني لك هذه المشاركة على الصعيد الشخصي والمهني؟

الوصول إلى نهائيات مسابقة Fashion World Arabia يمثّل اعترافًا مهمًا بمشواري وجهدي المستمر على مدار السنوات. على الصعيد الشخصي، أشعر وكأنني أقطف ثمار كل الجهد والصبر، تمامًا كما كان جدي يزرع أرضه طوال العام ليحصد في النهاية محصوله المثمر. بالنسبة لي، هذه اللحظة رمز للعمل الدؤوب والتحقيق التدريجي للأحلام، وهي تأكيد على أن المثابرة تصنع الفارق. أما مهنيًا، فهي فرصة لتعزيز حضور المصمم السوري على الساحة العالمية، وفتح أبواب جديدة للتعاون والابتكار، وإظهار قدرة المصمم السوري على المنافسة والتميز عالميًا.

هل ترى أن نجاحات مصممين مثل رامي العلي تفتح الطريق أمام جيل جديد من المصممين العرب لتحقيق حضور أقوى في العواصم العالمية للموضة؟

بالطبع. نجاح مصممين مثل رامي العلي يلهمنا ويثبت أن المصمم العربي قادر على التألق عالميًا. نحن جيل جديد نواصل الطريق، مع إضافة هويتنا وتجاربنا الخاصة، لنترك بصمتنا على خريطة الموضة العالمية.

من تصاميم علامة Mouthana
من تصاميم علامة Mouthana

كيف كان شعورك عندما بدأت ترى أعمالك على السجادة الحمراء أو في مناسبات عالمية؟

الشعور لا يوصف عندما أرى أحلامي تتحقق أمام عيني. كل لحظة على السجادة الحمراء أو رؤية أعمالي على مجلات عالمية تذكرني بأن بدايتي كانت صعبة ومليئة بالتحديات، ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم. هذا يمنحني سعادة كبيرة ويزيد من دافعي للاستمرار، للابتكار، ولتحقيق المزيد في مسيرتي الإبداعية.

هل هناك نجمة عربية أو عالمية تحلم أن تراها يومًا ما ترتدي إحدى قطعك؟ ولماذا؟

بصراحة، لا يوجد اسم محدد. أتمنى أن أرى تصاميمي على أي نجمة تحمل رسالة حقيقية ومبدأ وقيمة إنسانية. الأهم من الشهرة أن تكون الشخصية قادرة على إلهام العالم برسالة إنسانية، حينها سيكون شرفًا كبيرًا أن ترتدي إحدى قطع تصاميمي.

الممثلة والكاتبة السعودية سارة طيبة تتألق بفستان أحمر على السجادة الحمراء خلال مهرجان كان السينمائي
الممثلة والكاتبة السعودية سارة طيبة تتألق بفستان أحمر على السجادة الحمراء خلال مهرجان كان السينمائي

هل من خطط مستقبلية يمكنك أن تكشفها لنا؟

خطة العام القادم تركز على توسيع علامتي "mouthana" عربيًا وعالميًا. كما أعمل على مشروع إبداعي خاص مع البطلة الأولمبية "يسرى مارديني"، أتمنى أن يرى النور في أوائل العام المقبل، ليكون مشروعًا يجمع بين عالمينا بطريقة مبتكرة وفريدة.