
خاص "هي": صُنع بأيدي نساء حرفيات... سليم عزّام يمكّن المرأة بتصاميم تنبض إبداعاً
في قلب جبال لبنان، ينسج سليم عزّام قصصا من التراث والحرفية، ليعيد إحياء تقاليد بطابع يدمج بين الفخامة والبساطة. منذ تأسيس علامته التجارية من 9 سنوات، ركز عزام على دعم النساء الحرفيات، مانحا إياهن منصة لعرض مواهبهن الاستثنائية وتحقيق الاستقلالية المادية. التزامه بتمكين المرأة وتكريم التراث الثقافي يتجلى في كل قطعة تصنع بحب وشغف، محققة رابطا فريدا بين الأصالة والحداثة. في هذا الحوار، نغوص بعالم سليم عزّام الذي ينبض قيما وسحرا وإبداعا!
تصاميمك متجذرة في السرد القصصي والتراث. ما الذي ألهمك للعمل مع النساء الحرفيات وجعلهن جزءا أساسيا من هوية علامتك التجارية؟
الدار مستوحاة من النساء الحرفيات ومهداة لهن. شعرت بــأن عليّ أن أكــــون ذلك الشخــــص الذي يمـــنــــح الفــــرصة للنساء اللواتي يتمتعن بمهارات استثنائية كانت منسية. أردت تسليط الضوء على النساء الموهوبات اللواتي يعبّرن عن أنفسهن وعن حبّهن لعائلاتهن في مختلف المناسبات، سواء في الزواج أو الولادات. هذه الحرف، بسبب الظروف الاقتصادية والتطور التقني، أصبحت تقليدية بمعنى غير إيجــــابي، لذا أردت أن أبــــعــــث فيها الحيـــــــاة مجـــــددا بشكل جديد.
كيف أثـــرت الحـــرف اليـــدوية التي نشأت حولها في القرى الجبلية اللبنانية على رحلتك الإبداعية؟
منذ صغري، نشأت وأنا أرى النساء يطرزن ويغزلن الجوارب الصوفية التي كانت جدتي تحيكها. عمتي رحمها الله كانت تملك وسائد مطرزة بعبارة "صباح الخير"، وكنت أستيقظ على وسادة وردية مزينة بالكشكش ومطرزة بطاووس. أذكر الهدايا المطرزة التي تلقتها أختي بمناسبة زواجها. هذه الذكريات تشكل جزءا لا يتجزأ من طفولتي، وأثرت بشكل كبير في اهتمامي بالتطريز اليدوي.
كيف توازن بين الحــفاظ على التقنيات التقليدية ودمجها في عالم الموضة الحديثة؟
أدرك تماما أن البيئة التي أعمل فيها محافظة وتقليدية، ولدي احترام كبير لهذا المجتمع وللحرف اليدوية. لا أدفع النساء لتغيير تقنياتهن، بل أشجعــــــــهــن على توظيف هذه التقــنــــيـات بقــــالـــــب عصـــــري من خلال الرسومات والألوان. واجهت صعـــــوبات في الــبــــداية بتحــــويـــل الحرف من قطع منزلية إلى أزياء، لكننا نجحنا معا، يدا بيد.
ما الجزء الأكثر إرضاء في منح النساء الحرفيات منصة ودورا في صناعة الأزياء اليوم؟
الأزياء هي الوسيلة التي جمعتني بالسيدات الحرفيات. لم أدرس تصميم الأزياء، بل اخترت هذا المجال لأنه الدرب الأسرع لنشر الحرف اليدوية. بالنسبة لي، الموضة ليست الغاية بل الوسيلة. دار سليم عزّام مكان يلتقي فيه الحلم بالتعبير الحر من دون أحكام أو قيود اجتماعية. نحن عائلة نتكاتف في الأوقات الصعبة.
في عــالــــم يمـــجّـــد الشبــــاب، كيف تــتــحــــدى تــصــــورات الشيخوخة من خلال عملك مع الحرفيات المتقدمات في السن؟
عند تأسيس الدار، كانت أغلبية الحرفيات من كبار السن، ومع تـزايد الإقبال، انضمت نساء شابات، بمن فيهنّ طالبات جامعيات. السنّ مجرد رقم، والأتولييه يجمع شخصيات متنوعة من مختلف الأعمار. أحرص على تمكين الشابات من العمل الحرفي، ونكرم باستمرار الحرفيات الكبيرات في السن، وآخر تكريم كان لحرفية تبلغ من العمر 75 عاما. هناك دائما مناسبة للاحتفال ببعضنا.
هل يمكنك مشاركة قصة عن إحدى الحرفيات التي تغيرت حياتها بشكل كبير من خلال العمل مع علامتك التجارية؟
تغيّرت حياتنا جميعا من خلال هذه المؤسسة. لم أركز فقط على دعم النساء، بل نحن ندعم بعضنا البعض. لدينا نساء ينضممن إلينا لدعم أسرهن، وأخريات لانجذابهن للفن الحرفي. إحدى الحرفيات كسرت يدها مؤخرا، وكانت تخشى ألا تتمكن من التطريز مجددا، لكن الدعم من فريق العمل وعلى مواقع التواصل أعاد لها الثقة. من اليوم الأول، حرصت على تسليط الضوء على الحرفيات، لأن النجاح لا ينسب لشخص واحد، بل للفريق بأكمله، وأستغرب كيف أن الكثير من المصممين لا يسلطون الضوء على الحرفيات اللاتي يلعبن دورا جوهريا في نجاح أي دار.
تلعب دورا كبيرا في تمكين هؤلاء النساء ليس فقط ماليا، ولكن أيضا من خلال تسليط الضوء على أعمالهن ودورهن الكبير في التصاميم. ماذا يعني لك هذا الأمر؟
هذا الأمر يعني لي الكثير. الجمال فيه سحر، والإبداع نعمة. عندما تمنح الإبداع هدفا، يبدأ السحر. أشعر بامتنان كبير لاكتشاف هدفي وشغفي في سن مبكرة، وهذا ما يسعدني حقا.
كيف تسهم أعمالك في إعادة تعريف الفخامة في عالم الموضة؟
ولدت في أسرة متواضعة؛ والدي عاش في الغربة لتأمين لقــمـــة العــيـــش. لم نكـــن نــفـهــــم الفــخــامــــة بمعناها المادي. عندما بدأت بالتصميم، أدركت قيمة الحرفية وأهمية أن يأخذ الحرفي حقه ماديا ومعنويا. فالفخامة بالنسبة لي هي أن تضع جزءا من روحك في القطعة، لا أن تقاس بقيمتها المادية.
الكثيـــر من الـــحــــرف التــقـلــيـــديــــة مهــــددة بالاندثار. ما التحـــديــــات الــتي تــواجــهـهـــا في الحــفــــاظ على هذا الإرث؟ وكيف تتعامل معها؟
أعمل على إحـيــــاء هذه الحرف بتــشـجــيـــــع النساء الشابات للانضمام إلى فريق العمل. وأسعى لتأسيس مدرسة لتعليم التطريز اليدوي للجيل الجديد، وقد بدأنا بالفعل داخل المـؤســســـة. كـمــا أحـــافــــظ على أرشـــيــــف غــنـــــي يوثــــــق الحرف اليدوية.
ما الخطوات التي تتخذها لضمان انتقال هذه الحرفة إلى الأجيال المقبلة؟ وكيف ترى مستقبل دار سليم عزّام؟
إضـــافــــة إلى الــمـــدرســــة، أطـــمــــح إلى تـــأسيـــــس متحفا الحرف اليدوية في منطقة الشوف اللبنانية، ومركز أرشيف يوثق تاريخ الحرف في المنطقة. أرى مستقبل الدار مكانا يلتقي فيه الناس من جميع أنحاء العالم، ومشروعا وطنيا يعكس إرث لبنان. حلمي أن تبقى الدار محلية بجذورها، وعالمية بتأثيرها.