"سارة جيسيكا باركر" لـ"هي": استلهمت المجموعة الأولى للمجوهرات مع Astrea London من قطع أملكها وأحبّها وقيمتها جوهرية لا مادّية
حوار: Mai Badr
لا يمكن لظهور "سارة جيسيكا باركر" أن يكون حدثا عابرا. وصلت إلى دبي كما هي دائما: خفيفة، واثقة، وتحمل معها تلك الشعلة الداخلية التي جعلتها، على مدى سنوات طويلة، واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرا في الثقافة المعاصرة. في هذه الزيارة، افتتحت الممثلة والمنتجة والناشطة الخيرية وأيقونة الأناقة العالمية فصلا جديدا في مسيرتها الإبداعية، بكشف مجموعة المجوهرات الأولى من تصميمها لدار "أستريا لندن" Astrea London واحتفائها بافتتاح متجر العلامة داخل فندق "ماندارين أورينتال جميرا".
انضمّت "سارة جيسيكا" حديثا إلى دار المجوهرات الفاخرة لتتولّى منصب مديرتها الإبداعية العالمية، في تجربة تعكس علاقتها الطويلة بالتصميم، وفضولها الدائم تجاه الجمال والمعنى، وشغفها بالاستدامة للبيئة والإنسان. وما يميّز "أستريا لندن" ليس فقط اعتمادها على أحدث التقنيات في مجال الماس المصنّع مخبريا، بل فلسفتها القائمة على فخامة واعية، وتصاميم أنيقة، وحرفية تعيد التفكير في العلاقة بين الجمال والاستدامة.
في الليلة السابقة لحوارنا، دعت "باركر" ضيوفها إلى رحلة عشاء حصرية على متن "ليدي نارا" في جميرا. كانت أمسية دافئة وهادئة لمستُ فيها قوّة العلاقة بينها وبين مؤسسة الدار ورئيستها التنفيذية "ناتالي موريسون"، وهي علاقة تقوم على انسجام طبيعي، وتفاهم سريع، وطريقة سلسة في بناء فكرة واحدة من زاويتين مختلفتين. نرافق في هذا الحوار "سارة جيسيكا باركر" وهي تخوض تجربة إبداعية جديدة وتنقل أكثر من رسالة إلى المرأة المعاصرة.
ما أوّل ما جذبك إلى "أستريا لندن": جماليات العلامة أو قيمها أو إعادة تفكيرها في مفهوم الماس أو شيء مختلف تماما؟
عندما تواصلت الشركة معي للمرة الأولى، وصلني كمّ كبير من المعلومات. قرأت كل ما استطعت، واطلعت على كل التفاصيل. بعدها أتيحت لي الفرصة للقاء "ناتالي" خلال مكالمة عبر "زوم"، وأتذكّر أنها كانت وقتها خارج لندن، ثم قامت بخطوة لطيفة جدا حين أتت إلى نيويورك، فجلسنا معا مباشرة، وأمضينا وقتا رائعا. أخبرتني أكثر عن الجوانب العملية التي تهمّها، والأسس التي تقوم عليها العلامة، والدور الذي تخيّلت أن أؤديه أنا. كل ما قالته لي أسرني بالفعل، خصوصا لأنني لم أكن أعرف الكثير عن هذا المجال. شعرت بحماس كبير، ووجدت الكثير من الإلهام في طاقة "ناتالي" وشغفها ومعرفتها وأيضا فيما سأسميه "تفاؤلها الواثق". والمضحك أنها تقول اليوم إنني أكثر تفاؤلا وثقة واندفاعا منها؛ الأمر أشبه بفيروس معدٍ ولكن جميل للغاية!
كيف استطاعت "ناتالي موريسون" برأيك تحقيق النجاح مع "أستريا لندن" في سنتين فقط؟
أكثر ما يميّز "ناتالي" هو ذكاؤها. تملك مشاريع في مجالات أخرى، ليست مرتبطة مباشرة بالإبداع، لكنها مهمة جدا وهادفة. مسيرتها الطويلة في عالم المال، وكيفية التفكير في إدارة الأموال ووضع استراتيجيات ذكية، هذا مزيج رائع حين يدخل مجالا إبداعيا، لأن هذين الجانبين نادرا ما يجتمعان في مكان واحد. قلّما نجد من يملك الحسّ الإبداعي والقدرة على التخطيط المالي معا، وهذا ما يتيح التحرك بسرعة وثقة. إن الثقة بالطريقة التي ترى بها العمل وتتصوّر مستقبله تصنع فرقا كبيرا.
هل يمكن أن تخبرينا عن المرحلة الإبداعية خلف مجموعتك الأولى مع "أستريا": من أين جاءت الفكرة؟ وما الأجواء أو الحكاية التي رغبت في التعبير عنها؟
الأمر بسيط في الحقيقة. ما من طبقات أو تعقيدات لأنها المجموعة الأولى. كان الهدف أن نضع فكرة عن الإلهام: ما القطع التي أملكها وأحبها. لا تلك التي تملك قيمة مادية، بل التي لها معنى وأثر عاطفي أو ذكرى معينة. ومعظم ما شاركته مع "ناتالي" كان قطعا عثرت عليها على مر السنين من محلات "فينتج"، ومتاجر الأشياء المستعملة. لا تملك قيمة مالية، لكن قيمتها جوهرية بالنسبة إلي. كما حرصت على ألا تكون مستوحاة بشكل مباشر من قطع موجودة، فهذا سهل، لكنه سهل أكثر من اللازم، ولا يضيف شيئا.
وكانت "ناتالي" مشجعة جدا. فطلبت مني أن أرسل "كل شيء"، وفعلت ذلك كي نتمكن من فهم الأمور العملية: هل نفكر بالحجم الصحيح؟ بالألوان المناسبة؟ ما الذي يمكن تنفيذه في أول مجموعة، وما الذي يجب أن نؤجله لوقت آخر؟ والرائع أن "ناتالي" تعمل مع مصممَّي مجوهرات مذهلَين، هما مختلفان تماما عن بعضهما، لكن لكل منهما موهبة فنّية حقيقية ومهارات هائلة. وقد كان ذلك مفيدا للغاية، لأن هناك جانبا وظيفيا وتقنيا ما زلت لا أعرفه جيّدا وأتعلمه يوما بعد يوم. التجربة كانت ممتعة ومشوّقة ومليئة بالاكتشافات. وأظن أننا نشعر معا برضى كبير تجاه هذه المجموعة الأولى.
نلاحظ في مجموعتك الأولى بروز شكل "ماركيز" في تقطيع الماس. لماذا؟
أحبّ قصّة "ماركيز" لأنها خرجت عن نطاق الموضة لفترة، وصارت تُعتبر قديمة الطراز. ربما لهذا السبب ازداد حبّي لها، وأميل إلى هذا التقطيع لأن كثيرين ترددوا حياله لسنوات طويلة، بينما أنا أراه جميلا ومميزا. لدينا الكثير من هذا الشكل في المجموعة، ونستخدمه بطرق غير تقليدية، فنضعه مثلا بشكل جانبي. هناك خاتم بقصّة "ماركيز" يتحرك ويغيّر اتّجاهه أكثر من مرّة!
تضع "أستريا" الاستدامة في صميم رؤيتها مع الماس المصنّع مخبريا. كيف ينسجم ذلك اليوم مع مفهومك الشخصي للفخامة والمسؤولية؟
لا أفكّر كثيرا في الفخامة ولست من الأشخاص الذين يتسوقون كثيرا، والترف ليس حاضرا في ذهني دائما. ما يشغلني أكثر هو الاستدامة، وأعلم أن هذين العالمين يلتقيان اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكن الموضة السريعة كانت وما زالت مصدر قلق كبيرا بالنسبة إلي، من حيث تأثيرها ومن حيث حجم المنتجات التي تُضخ في العالم بلا توقف. تعلّمت من "ناتالي" أن هذا الجانب مهم للغاية بالنسبة إليها أيضا، وأن الماس المصنّع مخبريا يوفّر مساحة جميلة لهذا التلاقي: علاقته بالأرض، وبالإنسان، وبالأثر أو غياب الأثر على البيئة. يسعدني أن يكون هذا الموضوع بهذه الأهمية بالنسبة إليها، وأن بوسعنا التحدث عنه بثقة ومواصلة العمل على تحسينه.
كيف ترين تغيّر أنماط شراء المجوهرات اليوم؟
أكبر تغيير هو أن المرأة لم تعد تنتظر زوجا أو شريكا يهديها. ولا يعني ذلك أنك قادرة دائما على شراء القطعة فورا. لكن الجميل هو وجود شيء تتطلعين إليه، وتعملين لاقتنائه، وترغبين فيه بشدة، فتأتي القطعة منك أنت ومن تعبك وجهدك. ذلك يحمل معنى كبيرا ومميزا.
سبق أن زرت الإمارات ومناطق عربية أخرى، مثل مدينة جدة خلال مشاركتك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي. كيف ترين نهضة المشهد الإبداعي في المنطقة؟
نعم، كنت في السعودية قبل عام لحضور المهرجان، وكانت زيارة مثيرة جدا للاهتمام، فقد أتيحت لي فرصة زيارة جدة التاريخية. خلال الجولة، صادفنا شابا يملك ورشة لأعمال الخشب داخل البلد القديمة. واكتشفنا أنه يلعب دورا مهمّا في جمع الفنانين هناك، ويعمل منذ فترة على تحويل المنطقة إلى مساحة مخصّصة للفنانين ومجتمعهم. اللافت أن أغلب الفنانين هناك نساء، ولكل واحدة منهن مساحة خاصة داخل جدة التاريخية. التقينا مجموعة رائعة من الفنانين، وكانت تجربة بالفعل مشوّقة جعلتني أفكّر أن كثيرين ربما لا يسمعون بما يحدث في المشهد الإبداعي السعودي، لكن كل هذه المشاريع تحدث فرقا كبيرا. كانت زيارة ملهمة وجميلة جدا.
هل بقي معك شيء مميز من أسلوب حياة المرأة العربية أو أناقتها؟
قابلت نساء رائعات هناك، ومن مختلف الأعمار. لقاء الشابات كان لافتا، وكثيرات منهنّ في بداية مسيراتهن المهنية، وهذا كان مشوّقا جدا بالنسبة إلي. أتذكر شابة كانت عائدة من المملكة المتحدة إلى جدة للعمل في تخطيط المدن. كانت معي على الطائرة نفسها، وقلت في نفسي: كم هو مدهش ما يحدث هنا! وبالنسبة إلى الأناقة، تعلّمت هنا فكرة مزج العطور المختلفة، وأحرص على شراء العطور من المنطقة. عندما غادرت جدة مثلا، توقفت في متجر العطور في المطار، وكان جميلا فعلا. أكثر ما أحببته هو وجود العود الرائع الذي لا يمكننا الحصول عليه بهذه الجودة في أمريكا. أنا أعشق روائح العود.
لطالما احتفى أسلوبك بالهُوية الفردية والتعبير الجريء عن الذات. كيف ينعكس ذلك على علاقتك بالمجوهرات، سواء في ما تعتمدينه أو ما تصممينه؟
أنا أحبّ المجوهرات، بكل أنواعها. لم أخصّص جزءا كبيرا من ميزانيتي لاقتناء القطع الباهظة، لكنني أحب الأشياء التي تبدو لي مميزة ومختلفة. وقد تعلّمت خلال جلسات القياس مع المصممة والمنسّقة "بات فيلد" فكرة مهمّة جدا: لا توجد قواعد. لحظة إدراكك أن ما ينطبق على غيرك لا يجب أن ينطبق عليك في ما يتعلّق بالمظهر والجماليات، تصبحين أكثر حرية. ولكن طبعا من ناحية الانخراط الاجتماعي، إن اللطف مع الآخرين هو قاعدة ذهبية بالنسبة إلي، أما في كل شيء آخر، فعليك أن تفكّري في شعورك حين تخرجين من المنزل، وفي ما يجعلك أنت، والهدف من هذا الاختيار اليوم. وسواء كنت ذاهبة إلى اجتماع عمل مهمّ، أو إلى مؤتمر أهالي المدرسة، أو إلى حضور عرض باليه، أو المكتبة، أو حتى متجر البقالة، تتخذين خيارات طوال اليوم. ودائما ما يستوقفني الأشخاص الذين يشبهون أنفسهم تماما في إطلالاتهم. هذا ما تعلّمته: لا يهمّني ما يقوله الآخرون. أحبّ ما أحبّه، وهذا يكفيني. ولحسن الحظ، نعيش في مجتمع لا يملي عليّ كيف أضع قلادتي. فربما بدأت أضعها بطريقة مائلة بعد أن كانت ترافقني أثناء غسل الصحون، أو الانحناء فوق طفل، أو في جلسات القياس… ومع الوقت، أدركت أنني أحببت شكلها بهذه الطريقة، وهي طريقة تريحني أنا.
من التمثيل إلى الإنتاج وصولا إلى التصميم، ما الخيط الإبداعي الذي يجمع بين كل هذه الأشكال المختلفة من التعبير بالنسبة إليك؟
الفضول.. ما هذا؟ كيف وُجد؟ كيف يمكن أن ينجح؟ كيف يمكن أن يصبح أفضل؟ كيف يصنع أحدهم هذا الشيء؟ كيف يكـتـــب تــــلك الجـــمــلـــــة؟ كيف يــــصـــــوغ ذلك الـبـــــــــروش؟ ولماذا انـــتــــهــــى شكـــلـــــه بــــهــــــذه الــطــــريـــقـــــــة؟ ما أصله؟ من ألهــــــــمــه؟ لماذا بدأنا عام 1780 استخدام ذاك النوع من المجوهرات، أو ربط المريول بهذه الطريقة، أو ارتداء الملابس بتلك الطريقة، أو الحديث بهذا الأسلوب؟ بالنسبة إلي، كل شيء يبدأ بالفضول.