العودة إلى جوهر الحرفة في "جيجرـ لوكولتر"... الرئيس التنفيذي للدار "جيروم لامبير" في حديث لـ"هي"

تعد دار "جيجرـ لوكولتر" JAEGER-LECOULTRE أحد الأعمدة الراسخة في عالم صناعة الساعات السويسرية الفاخرة، إذ حافظت منذ تأسيسها عام 1833 على حضورها المميز بفضل الجمع بين الابتكار والدقة الحرفية في مصنعها التاريخي في "فاليه دو جو"، الذي يحتضن أكثر من 180 حرفة متخصصة تحت سقف واحد.  اليوم، يعود "جيروم لامبير"  JEROME LAMBERT إلى الدار التي شغل فيها سابقا منصب الرئيس التنفيذي بين عامي 2002 و2013، قبل أن يتولى منصب المدير التنفيذي للعمليات في مجموعة "ريشمونت". تمثل عودته إلى رئاسة الدار استمرارا لمسيرة يعرفها جيدا، وبداية جديدة تعيد وصل الحاضر بجذور الدار، إذ يجمع "لامبير" بين خبرته الإدارية العالمية وفهمه العميق لهُوية "جيجرـ لوكولتر" الداخلية. في حوار خاص مع "هي"، يستعيد إحساسه بالعودة إلى المكان الذي يعرفه جيدا، متحدثا عن فلسفة التصنيع المتكامل التي تميز الدار، وعن رؤيته للابتكار الذي يجمع بين الحرفية اليدوية والإبداع التقني في كل ساعة تبتكرها، وعن احتفاء الدار بمئوية أسلوب الآرت ديكو الذي ألهم تصميم أيقونتها الخالدة "ريفيرسو" REVERSO.

يــصـــف "جيــــروم لامبـــير" عــــودتـــــه إلى دار "جيــجـــرـ لوكولتر" بأنها لقاء عائلي يعود فيه إلى وجوه مألوفة وأخرى جديدة تمثل الجيل الجديد من الحرفيين. يقول: "تشعر بأنك في منزلك، لكنك في الوقت نفسه مندهش بما تحقق في غيابك". ويرى أن أهم ما يميز الدار هو فلسفة التصنيع المتكامل، وهو المفهوم الذي أسسه "أنطوان لوكولتر" في القرن التاسع عشر. يضيف: "هذا النموذج يمنحنا حرية الإبداع من الداخل، لأن كل خطوة من تطوير العيار إلى زخرفة الميناء والترصيع تُنجز داخل الدار. فلا نعتمد على شركاء خارجيين في أي مرحلة من مراحل التصنيع، وهذا ما يجعلنا قادرين على تحقيق مستويات من الإتقان يصعب مقارنتها".

بين الحرفية والابتكار

اكتسب "لامبير"، من خلال خبرته الطويلة في مجموعة "ريشمونت"، منظورا أوسع لصناعة الساعات الفاخرة. ويرى أن قوة "جيجر ـ لوكولتر" تكمن في تنوع مجموعاتها. يقول: "نصنع كل شيء تحت سقف واحد، من ساعة أتموس الشعرية إلى "ريفيرسو" بتعقيداتها الميكانيكية. وهذا التنوع هو لغة كاملة للتعبير عن الوقت". ويشير إلى أن الدار طورت أكثر من ضعف عدد العيارات التي طورتها العلامة الثانية في الترتيب عالميا، وهو رقم يعكس عمقها التقني وقدرتها على الابتكار المستقل.

في معرض "الساعات والعجائب" 2025، ركزت الدار على إعادة إبراز روح "ريفيرسو" بصفتها رمزا للجمال الوظيفي. فقد ولد التصميم عام 1931 من حاجة عملية لحماية الميناء أثناء مباريات البولو، لكنه سرعان ما تحول إلى أيقونة تصميمية تـــجـــســــد التــــوازن الهــنـــدســـــــي. يقول: "ما يجعل "ريفيرسو" خالدة هو هذا التوازن بين الوظيفة والجمال. إنها مسرح كلاسيكي نعيد إخراجه كل مرة بطريقة مختلفة".

تعبير عن الدقة والجمال

تـــبـــــرز في مجـــمـــوعـــة هذا العام، ساعة REVERSO TRIBUTE MINUTE REPEATER، المـــــــزودة بالعــــيــــار الـجــــديــــــد 953 الحــــائز 7 براءات اختراع، والذي يعيد تعريف دقة الصوت داخل هيكل مربـــع. يقول: "ما يثير إعجابي هو انسجام كل تفـــــصيل في هذه الحــــركـــــــة. الأجــــراس مصـــمــمـــــة بانحناءات دقيقة لتوزيع الصـــوت بوضوح ودفء، وقد استثمرنا سنوات لتطوير هذا التوازن بين الصوت والتصميم". بالنسبة له، هذا النوع من التعقيدات يعتمد على التقنية وفي الآن ذاته يعكس أخلاقـيات صناعة الساعات الراقية المتمثلة في بناء كل حركة من الصفر، كوحدة متكاملة وليس كـــــــوحدات نمطية يضاف إليــــهــــــا طبقــات. فهي لا تعتمد على البنية المعيارية في التصنيع، بل تبني الحركة كوحدة متكاملة تتناغم مكوناتها من الداخل.

وعن تطوير أيقونة مثل "ريفيرسو" يلفت إلى أنه لا يوجد الكثير من الساعات الأيقونية في عالم الساعات، أي تلك التي ولدت قبل أربعينيات القرن الماضي، وما زالت حاضرة حتى اليوم، ويحددها بمجموعات "ريفيرسو" و"تانك" و"سانتوس" و"كالترافا". ويؤكد أن التحديث يجب أن يحترم التوازن الأصلي، وأن يستمر في كتابة قصتها وليس بتكرارها. ويضيف: "كل تعديل نجريه يجب أن يحافظ على النسبة وعلى روح التصميم، مع ابتكارات مختلفة في الحرف الفنية أو الميناء أو التعقيدات الساعاتية".

جسر بين الأجيال

لا يـقــــل الـــجــــانـــب الفـــــــني أهـــمــيــــــة عن الجانب الميكانيكي في فلسفة الدار. فإلى جانب "ريفيرسو"، تستمر "جيجر ـ لوكولتر" في تطوير ساعة المكتب "أتموس"، التي تعمل بتغيرات درجة الحرارة والضغط الجوي، وتعبر عن التقاء العلم بالتعبير الشعري. تعرض، في "غاليري دو باتريموان"، آلاف القطع التاريخية المنقوشة بأسماء وشعارات، تروي قصص من امتلكها. يقول "نحب أن نذكر الناس أن ساعاتنا عاشت معهم، وأنها كانت جزءا من حياتهم اليومية". وفي الإصدارات الفنية مثل "ريفيرسو تريبيوت إنامل شاهنامه"، التي قدمتها الدار هذا العام، تتحول الساعة إلى لوحة فنية تروي قصة ثقافية من خلال الطلاء بالمينا والرسم المصغّر على خلفيتها، مؤكدة أن الساعة يمكن أن تكون عملا فنيا.

تخاطب الدار الجيل الشاب من خلال برنامج "ما أبدعته يد الصانع"، الذي يجمع بين عالم صناعة الساعات وفنانين من مجالات مختلفة مثل النحت والفن وحتى الطهي وعالم الشوكولاته. الهدف هو التواصل مع جيل جديد من المهتمين بالتصميم والابتكار. ويشير إلى أن هذا البرنامج هو وسيلة لجذب اهتمام الجيل الجديد ومخاطبته بلغة معاصرة تجمع بين المعرفة والتجربة، ليكتشف من خلالها جمال الوقت وجاذبية الإبداع الإنساني الذي يقف وراء كل تفصيل.

حوار بين التقنية والعاطفة

بين الحديث عن الميكانيكا والفن، يؤكد "لامبير" شغفه الشخصي بالساعات. يرتدي ساعة "جيوغرافيك" التي يعتبرها الأقرب إلى قلبه. ويشير إلى إعجابه بتدرج اللون الأزرق العميق على الميناء ونافذة التاريخ الكبيرة. يقول:"أكثر ما يعجبني هو عنصر المفاجأة في الجهة الخلفية مع وظيفة التوقيت العالمي. يدل عنصر المفاجأة في الساعة على أنه تفصيل يوقظ المشاعر في تفسير عصري جميل من حيث الحجم والشكل".

يلخص "لامبير" رؤيته للمستقبل بجملة بسيطة: "هدفنا ليس تكرار التاريخ، بل الاستمرار بكتابته". وتجسد كلماته جوهر فلسفة "جيجر ـ لوكولتر"، التي تصنع الساعات بدقة المهندس وحس الفنان.