كارتييه والأساطير... حوار فني بين المجوهرات والتماثيل القديمة في روما
تشهد روما ابتداءً من 14 نوفمبر 2025 حتى 15 مارس 2026 أول معرض مؤقت يُقام في قصر بالاتزو نوفو التاريخي، أحد أهم مباني متاحف الكابيتولين وأكثرها رمزية. وللمرة الأولى، تُفتح قاعات القصر العريق لاحتضان حوار بصري بين عالمين يفصل بينهما آلاف السنين: عالم الأساطير الإغريقية والرومانية الذي يتجسّد في التماثيل الرخامية الخالدة، وعالم المجوهرات المعاصرة الذي تقدمه دار كارتييه بلمسة فنية تحمل إرثًا يمتد لأكثر من 170 عامًا.
المعرض، الذي يأتي تحت عنوان "Cartier & Myths كارتييه والأساطير"، لا يعرض المجوهرات بمعناها التقليدي، بل يضعها ضمن سياق ثقافي وجمالي يربطها مباشرة بالجذور الفنية والرمزية التي ألهمت صاغة الدار منذ القرن التاسع عشر. إنّها المرة الأولى التي يدخل فيها الذهب والأحجار الكريمة في حوار مباشر مع الرخام الأبيض داخل متحف لطالما مثّل حجر أساس في ذاكرة الفن الأوروبي.
رحلة عبر الزمن: من الأساطير القديمة إلى مجوهرات الحاضر

منذ نشأتها في منتصف القرن التاسع عشر، أدركت دار كارتييه القوة الجمالية الكامنة في رموز الحضارتين الإغريقية والرومانية. فقد كان للصروح الكلاسيكية، والآلهة القديمة، والزخارف الأسطورية تأثير عميق على مخيلة صاغة المجوهرات في الدار. وفي هذا المعرض، تتجلى تلك العلاقة في مجموعة مختارة من القطع التي استعادت أنماط الأعمدة الإغريقية، وأجنحة الآلهة، وأكاليل الغار، والرموز الديونيسية، لتحوّلها إلى مجوهرات تحمل توقيعًا معاصرًا، لكن بروح تنبض بعبق الماضي.

يشعر الزائر، وهو يتجوّل بين القاعات، أنه يقطع مسارًا تاريخيًا يبدأ من القرن الثالث قبل الميلاد ويمتد حتى القرن الحادي والعشرين. فهنا تتجاور مثلاً قصة أفروديت، آلهة الجمال، مع قطعة من الياقوت والماس تستوحي انسيابية جسدها وتعبّر عن رموز الخصوبة والأنوثة. وهناك قطعة أخرى مستوحاة من هرقل، حيث تظهر خطوط القوة في تصميمات هندسية صارمة تعكس مفهوم البطولة.

يتخطى هذا التفاعل كونه مجرد مقارنة بصرية، ليعيد قراءة فنية لكيفية بقاء الأسطورة حيّة عبر الزمن، وكيف يمكن للجواهر، على رغم صِغر حجمها، أن تحمل رمزية لا تقل أهمية عن تمثال ضخم من الرخام.
تنظيم بمستوى عالمي ورؤية سينمائية للعرض

يقف خلف هذا المشروع طاقم متميز يجمع بين التاريخ والفن وعلم الآثار. فقد أشرفت مؤرخة المجوهرات بيانكا كابييلو على الجانب التاريخي والجمالي للقطع، فيما قدّم عالم الآثار ستيفان فيرجيه رؤية بحثية تربط بين القطع القديمة ونظيراتها المعاصرة. أما كلوديو باريسي بريسيكيه، فقد أدار إذابة هذا المزيج ضمن إطار متاحف الكابيتولين.

هندسة المعرض صمّمها سيلفان روكا بشكل يتيح للزائر اختبار تفاعل عضوي بين الضوء والظل، بين السطوح اللامعة للمجوهرات والملمس العريق للرخام. وتكتمل التجربة بتوقيع سينمائي مميّز من أسطورة تصميم الديكور السينمائي دانتي فيريتي، الحائز على ثلاث جوائز أوسكار، الذي منح القاعات مسرحية بصرية تُحوّل كل قطعة إلى مشهد مستقل.
تجربة حسية متعددة الأبعاد: حين تأخذ الأسطورة شكلًا ورائحة وصوتًا

لا يقتصر المعرض على العرض البصري فحسب، بل يقدّم تجربة غامرة تمتد إلى الحواس كافة. فقد ابتكرت عطرية كارتييه ماتيلد لوران تركيبات عطرية ترافق الزائر أثناء جولته، حيث يستلهم كل عطر عالم إله أو أسطورة معينة. تتناغم هذه الروائح مع الموسيقى الهادئة والإضاءة الدافئة لتعزز الطابع الخيالي للمعرض.
كما يضمّ المعرض قطعًا من الأحجار الصلبة المنقوشة من محترف الجيبتِك في كارتييه، وهي أحجار تحمل نقوشًا دقيقة تستعيد ملامح الآلهة القديمة، في تفاعل مذهل بين التقنية الحديثة ونقوش الحضارات العريقة.
متاحف الكابيتولين: قلب الفن الكلاسيكي وذاكرة التمثال الأوروبي

يحمل قصر بالاتزو نوفو تاريخًا طويلًا، إذ تأسّس عام 1733 في عهد البابا كليمنت الثاني عشر. وتضم قاعاته مجموعة ضخمة من التماثيل الرخامية التي لعبت دورًا جوهريًا في تشكيل الذائقة الفنية الأوروبية عبر العصور.
ويُعد هذا المعرض فرصة فريدة لإعادة النظر في تلك القطع القديمة من زاوية جديدة؛ فبدل النظر إليها كرموز الماضي، يقدم المعرض قراءة معاصرة لها من خلال مجوهرات صنعت بعد آلاف السنين، لكنها لا تزال تنبض بالمعنى ذاته، وتستمد قوتها من الجذور الكلاسيكية ذاتها.
إن juxtaposition الذي يخلقه المعرض بين الذهب والرخام، بين الأسطورة وتقنية الصياغة الحديثة، يطرح سؤالًا فلسفيًا عميقًا: هل تغيّر معنى الجمال؟ أم أنّ الإنسان، عبر العصور، يبحث دائمًا عن الطريقة الأمثل لالتقاط لحظة خالدة؟
مجموعة كارتييه التراثية: أرشيف حي لفنون الزخرفة

تأسست مجموعة كارتييه رسميًا عام 1983 بهدف جمع القطع التي صنعتها الدار عبر تاريخها. ومع الوقت، تحوّلت هذه المجموعة إلى أرشيف بصري يوثّق تحوّلات أسلوب الدار وعلاقتها بتغيرات المجتمع.
تضم المجموعة اليوم حوالي 3500 قطعة تعود إلى فترات زمنية مختلفة، من ستينيات القرن التاسع عشر إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، وهي بمثابة "ذاكرة حيّة" لفنون الصياغة عبر تاريخه الحديث، ومرجع أساسي للباحثين في تاريخ الزخرفة والمجوهرات.
معلومات للزوّار
- Cartier & Myths at the Capitoline Museums
- المكان: متاحف الكابيتولين – قصر بالاتزو نوفو، الطابق الأول
- العنوان: Piazza del Campidoglio 1, Rome
- أوقات الزيارة: يوميًا من 9:30 صباحًا حتى 7:30 مساءً (آخر دخول قبل الإغلاق بساعة)
- الهاتف: 060608
- الموقع الإلكتروني: museicapitolini.org