نادين لبكي نجمة عدد نوفمبر من "هي": الفن ليس هروباً بل مواجهة صادقة بين القلب والعالم
الفخامة ليست مظهرا بل إحساس يصنعه الضوء داخل الروح
الحواس لغتي بها أرى الإنسان بجماله ووجعه
أصنع أفلامي كما أشعر لا كما يُفترض أن تُصنع
أظن أن الحرب أسهمت في اختياري صناعة الأفلام فكنت أبحث عن وسيلة للهروب وأريد أن أخلق عالما مختلفا وأجمّل الحياة بطريقتي الخاصة
حين أثق بحدسي أعرف أنني أسير نحو الحقيقة مهما كانت قاسية
الفخامة الحقيقية لحظةُ صدق نسمة ضوء ومشهد يلامس الروح قبل العين
كل فيلم صنعته كان بحثا عن إنسانٍ يختبئ خلف تفاصيل صغيرة لا يراها إلا القلب
أؤمن أن الجمال يعيش في الصمت والنظرة.. في اللمسة وفيما لا يُقال لكننا نشعره
بعد "كفر ناحوم" شعرت بأنني لا أملك الحق في عيش حياة طبيعية واحتجت وقتا طويلا لأستعيد قوتي وأستطيع التفكير بعمل جديد
الحواس الخمس عنصر أساسي في الإخراج لأنني أعيش اللحظة بكل تفاصيلها أثناء التصوير حتى إنني أحيانا أتمنى لو كان بإمكان المشاهد أن يشمّ رائحة المكان
في علاقتي مع "كارتييه" الكثير من التفاهم والاحترام والحب وفي كل ما يقدّمونه الكثير من الرقي
في السعودية نهضة حقيقية تجري بخطى سريعة ومدروسة وبالنسبة لصناعة سينمائية لا تزال في بداياتها فإن ما تحقق حتى الآن مدهش
يبقى في داخل المرأة جزء يحبّ أن يشعر بأنه ما زال جميلا وقادرا على لفت الأنظار

خواتم LOVE UNLIMITED بالذهب الأبيض وبالذهب الأصفر وبالذهب الوردي
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
بذلة رسمية من "بالنسياغا" Balenciaga
مع نادين لبكي، تحوّل موقع تصوير غلاف "هي" الجديد إلى مسرح لطاقة إبداعية لامحدودة تعبّر عن موهبتها وهي تتحرّك أمام عدسة الكاميرا وكأنها ترافق نغمة داخلية لا يسمعها سواها. بروح واحدة وانسجام حقيقي، تضافرت جهود فريق العمل، حتى بدا كأننا جميعا جزء من مشهد سينمائي حيّ. جلسة تصوير ستبقى في ذاكرتي كواحدة من أجمل التجارب المهنية في مسيرتي، وقد بدأت "نادين" حديثها عنها حين جلسنا معا لأجل هذا الحوار، فقالت بابتسامة تشع بالرقيّ: "لا أعرف كيف أعمل إلا حين تكون الأجواء على هذا النحو، حينها أرتاح وأكون سعيدة. لا بدّ أن يستمتع الإنسان بعمله، فحين يصبح العمل مجرّد عمل، تفقد التجربة جزءا من لذّتها“.

"نادين" النجمة المبدعة الشفافة والمخرجة المثقفة التي تنظر بعين ثالثة لما حولها تعيدنا هذا الشهر إلى سنوات طفولتها وبدايات مسيرتها، إلى الشغف الذي ورثته عن والدها والحرب التي دفعتها إلى رسم عالم أجمل. وبين الفنّ والفكر، تكشف "نادين" رؤيتها العميقة للسينما، للفنّ الذي لا يعيش في الخوف، وللإنسان الذي تسعى أفلامها إلى فهمه. تؤمن بأن الإبداع فعل إنساني يقوم على الإحساس والرغبة الحقيقية في التغيير، وأن الحواس الخمس هي أدوات المخرج في التقاط الحقيقة. وتتحدّث عن الانبهار كأجمل ما يمكن أن يشعر به الإنسان، وعن الفخامة بوصفها أسلوب حياة متوازن بين البساطة والطبيعة والانفتاح على العالم، وعن الأناقة بوصفها صدقا مع الذات قبل أن تكون مظهرا.. امرأة راقية، وصادقة، ومتواضعة، تجسّد معنى الجمال العابر للزمن والأناقة الهادئة، وتحوّل الوجع الإنساني إلى جمال خالد فيما تحمل السينما العربية إلى آفاق جديدة في كل عمل.

أساور LOVE UNLIMITED بالذهب الأصفر وبالذهب الوردي وبالذهب الأبيض
أساور LOVE بالذهب الوردي والماس وبالذهب الأبيض والماس
خواتم LOVE UNLIMITED بالذهب الأبيض وبالذهب الأصفر
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
فستان باللون الأحمر من "ماغدا بوتريم" Magda Butrym
من هنا بدأت الحكاية
لنبدأ بالعودة إلى نادين الطفلة، من أين بدأت الحكاية؟ وكيف كانت ملامح بيتك الأول، وبيئتك التي زرعت فيك شغف الفن؟
ولدتُ ونشأت في قرية لبنانية تدعى بعبدات، في منطقة جبل لبنان. كانت طفولتي بسيطة جدا، يغمرها دفء القرية وجوّها. التحقت بمدرسة القرية حتى عمر تسع أو عشر سنوات تقريبا، وكانت تلك السنوات مليئة بالبساطة والسعادة، وسط عائلة متماسكة تحيطني بالمحبّة والرعاية. على الرغم من أن الحرب كانت حاضرة وتصلنا أخبارها كأطفال، جعلنا وجودنا في القرية، بعيدا عن بيروت، نشعر بنوع من الأمان. سعى والداي دائما إلى تجميل الواقع وإخفاء القسوة عنّا قدر الإمكان، كي لا نشعر بالخوف أو القلق. ومع ذلك، كنا نعيش فترات طويلة بلا مدرسة، وأحيانا لا نخرج من البيت للّعب بسبب الخوف. فكان هناك ملل في الوقت نفسه، إذ كنا محرومين من اللعب في الخارج، وكانت النوافذ مغطاة بأكياس الرمل. في تلك الأجواء، أصبح التلفزيون نافذتي إلى العالم وأجمل محطة في يومي. كنت أنا وأختي "كارولين" ننتظر عودة الكهرباء كي نشاهد شاشته. الأفلام التي كنا نشاهدها كانت شيئا مهمّا جدا في حياتنا، وكنّا محظوظين بأننا نسكن فوق محل صغير يؤجّر أشرطة الفيديو المنزلية، فعبرنا دهاليز أكياس الرمل لنصل إليه، ونستأجر الأفلام، ونشاهدها مرارا وتكرارا.
كانت الأفلام جزءا كبيرا من طفولتي، خصوصا لأن والدي أيضا كان شغوفا بهذا العالم، وكان يروي لي أن جدي امتلك صالة سينما، وأنه كان يقضي ساعات طويلة في غرفة العرض، وأحبّ مشاهدة الأفلام والسفر في خياله من خلالها وحتى رائحتها! كان يحلم بأن يصبح مخرجا، لكن الظروف المادية لم تسمح له بتحقيق ذلك. ومع ذلك، بقي الحلم يسكنه، حتى إنه بأول راتب تقاضاه، اشترى لنفسه كاميرا. لذا، يمكن القول إن حب الصورة والسينما ورثناه عنه. وكان والدي دائما يحمل الكاميرا، يلتقط الصور لنا، ويجرّب آلات تصوير جديدة. تلك البيئة المليئة بالحب للفن والصورة جعلتني أشعر منذ الصغر بأن السينما ستكون جزءا أكيدا من حياتي ومن حياة أختي.

ولا أنسى خال والدي، الذي كان "حكواتي" القرية؛ يجتمع الناس كل مساء في بيته ليستمعوا إلى قصصه ونكاته. كنت أراقبه مأخوذة بطريقة سرده، وكيف يختلق الحكايات، ويجعل الناس يعيشونها معه، وذلك أثّر طبعا في إعجابي بفن سرد القصص وبطريقة إخراجها. كبرت في هذه الأجواء حتى انتقلنا لاحقا إلى المدينة، متأخرين نسبيا. تغيّر الأصدقاء، وتبدّلت البيئة، لكنني بقيت لوقت طويل في القرية.
هل تتذكرين اللحظة الأولى التي أمسكتِ فيها الكاميرا أو فكرتِ أن تكوني خلفها؟ كيف كانت تلك التجربة؟
في طفولتنا، كنّا أنا وأختي دائما نلعب ألعابا لها علاقة بالتمثيل والسينما. كانت "كارولين" تتولّى دور الشخص الذي يقرع لوحة التصوير في بداية المشهد، بينما كنت أنا أمثّل وأتظاهر بأنني المخرجة التي تمسك الكاميرا. هذه هي الذكرى الأولى التي أحتفظ بها، ومن هناك بدأ كل شيء. كنا حتى نكتب خطابات الفوز بجائزة الأوسكار، مقتنعتين تماما بأننا في يوم من الأيام سنصنع أفلاما وسيشاهدها الناس حول العالم. على الرغم من أن الظروف حينها لم تكن تبشّر بشيء، فلبنان كان يعيش الحرب، والبلد كان شبه معزول، لا تصوير ولا إنتاج سينمائيا، إلا أنّنا آمنّا إيمانا قويا بأن هذا الحلم سيتحقق يوما ما.

أساور LOVE بالذهب الأبيض والماس
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
فستان طويل وجزمة عالية الساق من "علية" Alaia
قيعة واسعة من "كريستينا فيديلسكايا" Kristina Fidelskaya
كيف أثّرت الحرب اللبنانية في نظرتك إلى الحياة والإنسان؟ وفي تلك الطفلة التي تبحث عن النور وسط العتمة؟
المرة الأولى التي فهمت فيها معنى الموت كانت خلال الحرب. توفيت جارتي في انفجار حافلة، وكانت تكبرني بثلاث سنوات تقريبا، وكنت أراها مثالي الأعلى في الجمال والهدوء، شقراء وعيناها زرقاوان، تشبه الملاك. عندما رحلت فجأة، كانت تلك الصدمة الأولى التي جعلتني أعي معنى الفقد، وأن يدرك الإنسان أن من يحبّه قد يرحل إلى الأبد.
لكنّ والديّ وجدا دائما طريقة ليحميانا من قسوة الواقع ويجمّلا لنا الحياة. حتى الملاجئ التي كنا نختبئ فيها أثناء القصف، حاولا جعلها تبدو كأنها لعبة "بيت بيوت". نزيّن الملجأ بشراشف ملوّنة ووسائد وأقمشة، ونشارك نحن الأطفال في تزيينه. كانت الحرب حاضرة في حياتنا، حضورا مخيفا، لكن والديّ عرفا كيف يخففان من وقعها علينا. وأظن أن الحرب أسهمت في اختياري صناعة الأفلام. فكنت أبحث عن وسيلة للهروب من روتين الحياة الذي تفرضه الحرب، ومن الملل، ومن العجز عن الذهاب إلى المدرسة أو اللعب في الخارج. كنت أريد أن أخلق عالما مختلفا، أن أصنع أفلاما تتيح لي أن أجمّل الحياة بطريقتي الخاصة.
ثم عندما كبرنا قليلا، واشتدّ الخطر في بعبدات، اضطررنا إلى السفر إلى كندا، حيث عشنا ثلاث سنوات قبل أن نعود إلى لبنان. عشت التجربة نفسها التي عاشها أبناء جيلي: الهجرة، والخوف، والإحساس الدائم بأن الحياة هشّة، وأنه لا يمكن التخطيط للمستقبل، ولا شيء في الحياة ثابت.

درست السمعي-البصري في جامعة القديس يوسف، ثم بدأت خطواتك الأولى في الإخراج عبر الإعلانات والفيديو كليبات. ما أهم ما تعلمته من تلك المرحلة؟ وما الذي صقل شخصيتك المهنية والفنية؟
تعلّمت الكثير من تلك المرحلة، وأدركت منذ البداية أنّ عملي في مجال الإعلانات والفيديو كليبات سيكون بمنزلة حقل التجارب الخاص بي. قررت أن أستغل كل فرصة لأتعلم وأجرب، لأننا، بصراحة، عندما تخرجنا في الجامعة، لم نكن نمتلك خبرة كافية. كنا لا نزال نعيش آثار الحرب في لبنان، ولم تتوافر لنا الفرص الكافية للتعلّم العملي أو للعمل مع مخرجين آخرين نكتسب منهم الخبرة ونفهم كيف تُصنع الأفلام فعليا. لذلك، تعاملت مع كل مشروع، سواء كان إعلانا أو فيديو كليبا أو فيلما قصيرا، كمساحة للتجربة والاكتشاف. كنت أختبر نفسي في كل مرة، أحاول أن أتجاوز قلّة الخبرة، وأن أتعلم من الأخطاء. أعتقد أنني كنت جريئة جدا، حين قلت إنني قادرة على الإخراج على الرغم من معرفتي بأن خبرتي محدودة. كان في ذلك شيء من الجرأة الممزوجة بالوقاحة: أن أقود فريقا كاملا، وأتعامل مع منتجين وميزانيات، بينما كنت في الحقيقة أختبر نفسي وأحاول اكتشاف قدرتي على خوض هذا المجال.
ومن خلال هذه التجارب المتتالية، بدأت أبني خبرتي شيئا فشيئا عبر الإعلانات والكليبات، إلى أن وصلت إلى لحظة شعرت فيها بأن الوقت حان للانتقال إلى المرحلة التالية، إلى الحلم الأكبر الذي رافقني منذ طفولتي: السينما.

كيف دعمتك عائلتك في خياراتك الإبداعية؟ وهل كان هناك من آمن بحلمك في بداياتك حين كان يبدو بعيد المنال؟
عائلتي كلّها كانت داعمة لي، وخصوصا والدي ووالدتي، لكن والدي كان صاحب التأثير الأكبر. كنت أقول له دائما: "ستراني يوما ما أصنع فيلما، وسيدور حول العالم، وسيراه الجميع". كان في قرارة نفسه ربما غير مصدّق تماما، لكنّه كان يشجّعني، ويجعلني أشعر بأن من حقي أن أحلم، وأن أفكّر بحرية. لم يضع أي حدود لطموحي، ولم يوقفني عن شيء. عندما أخبرته بأنني اخترت الدراسات السمعية-البصرية، تعامل مع الأمر كأنه خيار طبيعي تماما، من دون أي تساؤل أو تردّد. وأنا أعتبر نفسي محظوظة جدا بأنني عرفت ما أريده منذ صغري، لأنني أرى اليوم كم يعاني الكثير من الشباب بعد إنهاء المدرسة وهم لا يعرفون ما الطريق الذي يريدون سلوكه.
عندما بدأت، كان وجود امرأة في موقع المخرجة نادرا في العالم العربي، كيف خضت تلك التجربة بثقة؟ وهل واجهت من حاول أن يطفئ نورك أو يشكك برؤيتك؟
طبعا، خلال مسيرتي التقيت بأشخاص كانت الشكوك واضحة في عيونهم، ينظرون إلي بطريقة توحي بأنهم لا يصدقون أنني قادرة على الإخراج، أو يحاولون وضع الحواجز في طريقي كي لا أصل. نعم، واجهت هذا النوع من الناس، لكن الجميل في الأمر أنّهم كانوا بمنزلة دافع إضافي لي. شعرت بأن علي أن أتجاوز تلك النظرة، وأن أبرهن لهم، ولنفسي، أنني أستطيع. وفعلا، تمكنت من ذلك، ونجحت في أن أُثبت لمن شكّ بي أنني قادرة على إنجاز ما أؤمن به.

خواتم LOVE UNLIMITED بالذهب الأصفر وبالذهب الوردي
أساور LOVE UNLIMITED بالذهب الأصفر وبالذهب الوردي، أساور LOVE بالذهب الوردي والماس
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
إطلالة مكونة من قميص وسروال من "ماغدا بوتريم" Magda Butrym
هناك من يقول إن الفن يولد من الجرح، هل هناك جرح قديم كان نقطة انطلاقك نحو الإبداع؟
لا أعرف إن كان هناك جرح واحد محدّد. بالتأكيد هناك جروح لا أعلم ما هي تماما، ولكن ربما منها تولّدت تلك القوة، والعنفوان، والإرادة في تجاوز الذات، والرغبة في إثبات القدرة على الوصول وتحقيق ما أطمح إليه. لا أذكر تفاصيل تلك الجروح، لكنني متأكدة من أن كثيرا من الأمور السلبية التي مررت بها كانت الدافع لأن أحولها إلى طاقة إيجابية وإبداعية.
أنا مهتمة كثيرا بالإنسان، وشديدة الحساسية تجاه الظلم تحديدا. عندما أرى شيئا غير عادل، أو شخصا يُظلم، أشعر باستفزاز داخلي يدفعني إلى الفعل. لا أستطيع أن أكتفي بالغضب، بل أبحث عن طريقة لأغيّر، لأعبّر، لأحول هذا الغضب إلى شيء له معنى. وهنا تأتي السينما لتكون وسيلة للتعبير والتأثير، لأنني أؤمن بمسؤولية السينما، وبقدرتها على إحداث التغيير. كم من مرة غيّر مشهد واحد في فيلم نظرتي إلى الحياة أو فتح داخلي وعيا جديدا. لا يحتاج الأمر إلى فيلم كامل؛ أحيانا لحظة أو جملة أو موقف تكون كفيلة بأن تترك أثرا. السينما تخاطب المشاعر والعقل معا، وعندما يلتقي الاثنان، يحدث التحول الحقيقي. من هنا، كلما واجهت موقفا يستفزني أو يثير غضبي، أحاول أن أحوله إلى عمل فني، إلى فيلم، إلى مشهد أو قصة تعبّر عن هذا الشعور.

قلادة صلبة LOVE بالذهب الأصفر خواتم LOVE UNLIMITED بالذهب الأصفر وبالذهب الأبيض
أساور LOVE UNLIMITED بالذهب الأصفر وبالذهب الوردي وبالذهب الأبيض
أساور LOVE بالذهب الأصفر والماس
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
فستان منسدل الأكتاف من "ماغدا بوتريم" Magda Butrym
ما أكثر ما تفتقدينه في "نادين" الطفلة؟
أفتــقـــد الـحـــريــــة. نـــشـــأت في عــــائــــلـــــة ليـــســــت متشددة، لكنها محافظة وكانت تحمل صورة محددة للفتاة المثالية: تلك التي لا تخطئ، التي تفعل دائما ما هو صائب في الوقت والمكان المناسبين، والتي تحاول ألا تخيّب صورة العائلة والمجتمع عنها. مع الوقت، أدركت أنني فقدت جزءا من حريتي. كنت أتمنى أن أختبر الحياة أكثر، أن أعيشها بحرية أكبر، وأن أكتشف جسدي وتعبيري عن نفسي بلا خوف أو خجل. كنت خجولة جدا في طفولتي ولم أحب أن أكون في الواجهة، على الرغم من أن الفرص كانت تُقدَّم لي دائما. في رقص الباليه مثلا كنت غالبا من ترقص وحدها، وعلى المسرح كنت البطلة، لكنني لم أكن أرغب فعلا في أن أكون هناك. وما افتقده فعلا في صغري وأيضا في مراحل النضوج، هو الجرأة. جرأة أن أكون نفسي من دون خوف من نظرة الآخرين، أن أختبر، أن أجنّ أكثر، أن أسمح لنفسي بالمغامرة. ومع أنني حاولت استعادة هذه الجرأة مع مرور السنوات، أشعر أحيانا بأنني تأخرت قليلا، وقد فات الأوان.
هل تشجّعين طفليك، وتحاولين منحهما هذه الحرّية التي تتحدثين عنها؟
الآن ألاحظ هذا الفرق من خلال ابنتي. أحاول قدر ما أستطيع ألّا أجعلها تشعر أبدا بثقل نظرة الآخرين، أو أن تسمح لتلك النظرة بأن تقيّدها أو تخيفها، سواء من جسدها، أو من طريقة تفكيرها، أو من أي جانب من شخصيتها. أحاول بكل طاقتي أن أمنحها تلك الحرية.

الحاسّة والإحساس
هذا العــــدد يتمحور حول الإبداع والحواس، كيف تلهمك الــــحـــواس في أعـــمـــالك الفنـــيـــــة في الــصـــورة، والمـــوسيـــقـــى، والضوء، وحتى الصمت؟
الحواس الخمس عنصر أساسي في الإخراج بالنسبة إلي، لأنني أعيش اللحظة بكل تفاصيلها أثناء التصوير. حتى إنني أحيانا أتمنى لو كان بإمكان المشاهد أن يشمّ رائحة المكان الذي أصوّر فيه. كل الحواس مهمة. ولهذا أحب كثيرا تجربة مشاهدة الأفلام في صالة السينما، لأنك هناك تعيشين الفيلم بكل حواسك، من دون أن يلهيك شيء. تجلسين في عتمة الصالة، تركزين على الشاشة الكبيرة، ومعظم حواسك تعمل. وأتمنى لو كانت حاسة الشم جزءا منها أيضا، لأنني أريد أن تكون التجربة غامرة في كل عمل أشاهده.
ما الحاسة التي تعتمدين عليها أكثر في الإبداع؟ السمع؟ البصر؟ أم الإحساس الداخلي الذي يتجاوز الحواس الخمس؟
الإحساس الداخلي مهم جدا في عملي، على الرغم من أن البصر والسمع هما الركيزتان الأساسيتان في السينما. حين أكون بصدد تنفيذ مشهد ظل في رأسي لسنوات، كتبته وعدت إلى كتابته مرارا، ثم أراه يتحقق أمامي، أشعر برجفة في قلبي. تلك اللحظة هي التي تخبرني أنني على الطريق الصحيح، وأن ما أفعله حقيقي وصادق، وأن الإحساس الذي أعيشه سيصل إلى من يشاهد الفيلم. وبصراحة، إن لم أشعر بذلك، فلا أستطيع أن أنهي المشهد. أظل أبحث عن هذا الشعور وأنا أصور، لأن غيابه يعني أن هناك خطأ ما، وأن لا فائدة من هذا المشهد. لذلك أعيد المحاولة حتى أصل إلى تلك اللحظة وذلك الإحساس.
لــو اختـــصــــرت نــــاديـــن لبــكي في "إحـــســـاس واحـــــد"، فماذا سيكون؟ ولماذا؟
الانبهار. أحب شعور الانبهار، أيّا كان ما أفعله أو أينما كنت: أن أرى شيئا يمنحني إحساسا أكبر من الحياة نفسها. أتمسّك بهذا الإحساس فمع مرور الوقت، ومع ما نواجهه من خيبات أمل وقسوة في هذا العالم، يبدأ يضمحل شيئا فشيئا. لذلك أتمنى أن يبقى هذا الإحساس حيّا بداخلي، لأنه يمنحني الشغف، شغف الإبداع. إذا اختفى الانبهار، أشعر بأن كل شيء يتوقف، وأنني لم أعد قادرة على صنع أي شيء.

البصمة والتميز
في كل ظهور لك، تجسّدين الأناقة العابرة للزمن والأنوثة الراقية. ماذا تعني لك الأنوثة الراقية اليوم في عالم سريع الإيقاع ومتشابه الملامح؟
المهم أن يمتلك الإنسان بصمته الخاصة، وأن يبقى وفيّا لذاته ولإحساسه الحقيقي. الأهم هو ألا يفعل شيئا لمجرد أنه رائج أو لأن الجميع يفعله. أنا أحاول دائما، في أي مناسبة كانت، أن أكون صادقة مع نفسي قدر الإمكان، وأن أعبّر عن شخصيتي كما هي.
السينما اللبنانية قبل نادين لبكي وبعدها، كثيرون يرون أن بصمتك وتجربتك غيّرت مفهوم الفيلم العربي. ما السر وراء هذا التميز؟
لا أعتقد أن هناك سرّا بالمعنى الحرفي، لكن ما يمكنني قوله هو أنني أعمل دائما انطلاقا من إحساسي الداخلي. أعرف تماما لماذا أختار أن أروي قصة معينة، كما في فيلم "سكر بنات" مثلا. هناك دائما دافع أعمق من مجرد سرد قصة؛ في كل عمل أحاول أن أشفي شيئا داخليا، أو أن أفهم أمرا ما، أو أن أعبر عن غضب أو تساؤل يعيش في داخلي. ربما هذا هو السر: أن الجمهور يشعر بصدق هذا الإحساس. يصلهم ما أشعر به فعلا، ويعيشون التجربة معي. ليس لأنهم يشاهدون فيلما أعجبهم فحسب، بل لأنهم يشاركونني رحلة البحث، والتساؤل، والعاطفة. لذلك، يتفاعل الناس مع أفلامي بطريقة شخصية جدا، وتصلني قصص مؤثرة من أشخاص يخبرونني كيف غيّر الفيلم شيئا فيهم.
كل فيلم صنعته كان مرتبطا بلحظة أو حالة أعيشها في حياتي. حين أنجزت "سكر بنات"، كنت أعيش تساؤلات مشابهة لتلك التي يطرحها الفيلم. وعندما قدّمت "وهلأ لوين" كنت حاملا وأفكر في ابني الذي سيولد، وأتساءل: ماذا لو وجد نفسه يوما مضطرا أن يوجّه السلاح نحو أخيه اللبناني؟ ماذا سأفعل كأم؟ أما "كفر ناحوم"، فكان بدافع القلق الكبير تجاه الأطفال في الشوارع، وتجاه قدرتنا نحن الكبار على التعايش مع هذا المشهد كأنه طبيعي. كان هناك هاجس، وغضب، وألم أردت أن أعبّر عنه من خلال الفيلم.

أفلامك تحول الألم الإنساني إلى قصيدة على الشاشة، وتمنح صوتا لمن لا صوت لهم، أو بالأحرى لمن لا يُسمع صوتهم.. هل شعرت يوما بأن هذا التعاطف بات يثقل كاهلك؟
بكل تأكيد. خصوصا بعد فيلم "كفر ناحوم"، شعرت بإرهاق نفسي كبير. ربما لهذا السبب ابتعدت فترة طويلة عن الإخراج، لأنني احتجت وقتا طويلا لأستعيد قوتي وأستطيع التفكير بعمل جديد. حتى اليوم، لا أشعر بأن صفحة "كفر ناحوم" قد طُويت تماما. ما زلت أفكر بالفيلم وبكل ما حمله من وجع. لا أستطيع حتى مشاهدته من جديد؛ أراه أحيانا على منصات العرض، لكنني لا أضغط على زر المشاهدة. اقتربت كثيرا من قصص الأشخاص الذين تناولهم الفيلم، وعشت تفاصيلهم إلى درجة أنني بعد التصوير بدأت أشعر بأنني لا أملك الحق في عيش حياة طبيعية. كأنني فقدت شرعيتي في أن أعود إلى بيتي، أن أنام على سرير نظيف، أن آكل طعاما جيدا، أن أسافر أو أستمتع بوقتي مع أولادي. كانت تلك الحياة اليومية تبدو لي امتيازا لا أستحقه أمام ما رأيته من معاناة. تحوّل الأمر إلى هاجس دائم: ماذا يمكنني أن أفعل؟ كيف يمكنني أن أحدث فرقا؟ ورافقني إحساس عميق بالفشل، أي بأن ما قدمته لم يكن كافيا لتغيير واقعهم. هذه المشاعر كانت ثقيلة جدا، وخاصة بعد "كفر ناحوم". أما في "وهلا لوين" و"سكر بنات"، فكان التعب أقل، لأن القصص كانت أخفّ وطأة.
كيف تعيشين تلك المسافة بين عمل وآخر؟ ومن أين تستمدين الوعي والإلهام لتبدئي من جديد؟
من الصعب أن أقول إنني أستطيع ببساطة أن أغلق صفحة فيلم وأبدأ أخرى. هناك دائما قلق، وإحساس بالذنب، كأنني لا أملك الحق في العودة إلى حياة طبيعية بعد ما عشته من خلال أفلامي. لكن ما يحدث هو ظهور هاجس جديد. فجأة أجد نفسي أفكر في موضوع معيّن باستمرار يهمّني كثيرا، ويشغلني من دون وعي. أي فيلم أو مقال أو بحث يتعلق به يجذبني فورا، وحتى أحاديثي اليومية تدور حوله من غير قصد. هكذا أدرك أن هذا هو الموضوع الذي سيصبح فيلمي التالي.
في زمن يريد من النساء أن يكنّ قويات، تذكّرنا أفلامك بأن الضعف هو أيضا شكل من أشكال القوة. ماذا يعني لك هذا التوازن الإنساني؟
بالنسبة إلي، هذا التوازن يعني الحقيقة. في النهاية، لا أحد يمكنه أن يكون قويا طوال الوقت أو ضعيفا طوال الوقت. نحن مزيج من كل تلك الحالات، نتغيّر بحسب ما نمرّ به في حياتنا، وهذه ميزة موجودة في كل إنسان. حين أعمل على فيلم، يهمّني أن أضيء على الجانبين معا، القوة والضعف، وأن أقدّم الشخصية بطريقة تجعل المشاهد يفهمها، ولو لم يحبّها. لا يهمّ أن نتعاطف معها بقدر ما يهمّ أن نفهم طبيعتها الإنسانية.
أنا مهووسة بالسلوك الإنساني، وأحب دراسة النفس البشرية وما يدفع الناس إلى التصرف بطريقة معينة. لذلك أحاول دائما أن أظهر الشخصيات كما هي، فيفهم المشاهد لماذا تتصرف الشخصية بهذه الطريقة، وما البيئة التي أتت منها، وما الظروف التي مرّت بها، وما الذي يدفعها لفعل ما تفعله.

خواتم LOVE UNLIMITED بالذهب الأبيض وبالذهب الأصفر وبالذهب الوردي
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
بذلة رسمية من "بالنسياغا" Balenciaga
ما أكثر ما يخيفك اليوم؟
أكثر ما يخيفني اليوم هو الأذى. أشعر بخيبة أمل كبيرة من الإنسان، لأنني أدركت أن هناك شرا مطلقا، أذى يمارَس بلا سبب، بلا مبرر. هذا ما يرعبني فعلا، خصوصا اليوم، مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. في الماضي، كان بإمكان شخص أن يتأذى من فرد أو عشرة أشخاص، عشرين على الأكثر. أما اليوم، فقد يصبح الإنسان هدفا لآلاف أو مئات الآلاف من الأشخاص، والطبيعة البشرية لا تحتمل هذا الكم من الأذى. كم من أشخاص تحطموا نفسيا، أو انتحروا، أو انسحبوا من الحياة بسبب موجة من التنمر أو القسوة الإلكترونية، أحيانا حتى بسبب خطأ بسيط أو زلة غير مقصودة. الإنسان له الحق في أن يخطئ، في أن يجهل، في أن يتعلّم، لكننا أصبحنا نعيش في عالم لا يرحم. وهذا يؤلمني كثيرا.
وما يقلقني أكثر هو انعكاس هذا الواقع على الفن. أصبح الفن مقيدا، خائفا. لم يعد الفنان قادرا على أن يعبر بعفوية أو يقول ما يشعر به بصدق. صار عليه أن يغلف كلماته، أن يصوغها بحذر، وأن يحسب ردود الفعل قبل أن ينطق. الفن الحقيقي لا يعيش في الخوف، ولا يزدهر في بيئة معلّبة. وهذا، بالنسبة إلي، أخطر ما يمكن أن نصل إليه: أن نفقد صدق الفن.

قلادة صلبة LOVE بالذهب الأصفر
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
معطف من "ماكس مارا" Max Mara
الحب والعائلة
الأذن تعشق قبل العين أحيانا، هكذا أسمعهم يقولون عن بداية علاقتك بـخالد مزنّر، حيث سبقت الموسيقى النظرة الأولى. كيف تتذكرين تلك البداية؟
صحيح تماما، الموسيقى سبقت النظرة الأولى. كنت أعرف "خالد" من قبل، لكن لم تكن بيننا معرفة قريبة. في أحد الأيام، كنا في المكان نفسه نشاهد فيلما قصيرا للمخرج "هاني تامبا"، وكان "خالد" قد ألف موسيقاه. كان الفيلم يُعرض على محطة فرنسية، وصدف أن جلسنا معا نشاهده. أتذكر أنني نظرت إليه وفكرت في قلبي: هل يعقل أن تكون هذه الموهبة جالسة إلى جانبي الآن؟ لم أستطع تصديق أن من يتحدث معي هو الشخص الذي أبدع تلك الموسيقى التي أثرت بي إلى هذا الحدّ. في تلك اللحظة سألته إن كان يوافق على أن يعمل على موسيقى فيلمي "سكر بنات"، الذي كنت أكتبه حينها. أجابني فورا بالموافقة، ومن هنا بدأت قصتنا. بدأنا بالعمل معا، ثم تحوّلت الموسيقى إلى رسالة حب منه إليّ. وبعد صدور الفيلم في لبنان بيومين فقط، تزوجنا.
كانت موهبة "خالد" هي أول ما أسرني، وكنت أعلم دائما أنني لا يمكن أن أختار شريك حياتي إلا إذا كانت موهبته تبهرني.
كيف تكون تجربة التعاون الفنّي بينكما؟ هل تتشاجران أحيانا؟
نتشاجر كثيرا! هناك دائما نقاشات حادّة وخلافات، وأحيانا نتوقف عن الكلام لبعض الوقت. "خالد" حساس جدا، وكل منا يرى الأمور من زاوية مختلفة. لكن في النهاية، نصل دائما إلى النقطة التي تقنعنا نحن الاثنين وإلى الخيار الذي نشعر بأنه يرضينا. على الرغم من الصعوبة، أشعر بأنني محظوظة جدا بوجوده إلى جانبي منذ المراحل الأولى لأي مشروع. "خالد" يكون حاضرا من لحظة الكتابة، يسمع النقاشات، ويبدأ بتأليف الموسيقى منذ اللحظات الأولى لولادة الفيلم. لذلك تأتي موسيقاه كأنها جزء حيّ من العمل، بل شخصية قائمة بحد ذاتها.
شقيقتك "كارولين" كانت دوما إلى جانبك، تشاركك الشغف وتؤمن برؤيتك. كيف تصفين هذه العلاقة الفريدة بينكما؟
علاقتنا قوية جدا. تبقى "كارولين" دائما أختي الصغيرة، مهما كبرت، وما زلت أشعر بالخوف عليها كأنها طفلة. هذه الحماية غريزية بيننا، وهي أيضا تخاف عليّ. كبرنا ونحن نعمل معا، وكانت من أوائل الأشخاص الذين دعموني في بداياتي. عندما بدأت بإخراج الفيديو كليبات، كانت هي المنتجة لكل تلك الأعمال، وكانت دائما إلى جانبي تؤمن بي وتساندني. فشعرت دائما بأنني محاطة بالحب، وبالحماية أيضا. لاحقا، في "سكر بنات" و"وهلأ لوين"، كانت هي المسؤولة عن الأزياء، فبقيت علاقتنا مرتبطة أيضا بالسينما. اليوم، تعيش أغلب الوقت في أميركا، وهذا يبعدنا جسديا، لكنه لا يغيّر شيئا في تقارب قلبينا. علاقتنا ما زالت عميقة جدا.

أساور LOVE بالذهب الوردي والماس وبالذهب الأبيض والماس
أساور LOVE UNLIMITED بالذهب الأبيض وبالذهب الوردي
جميع المجوهرات من "كارتييه" CARTIER
معطف من "علية" ALAÏA
كيف تتعاملين مع ابنك "وليد" وابنتك "ميرون" في مرحلة المراهقة وما قبل المراهقة، وسط عالم يتغير بسرعة؟ وما الذي يقلقك أو يدهشك فيهما؟
"وليد" اليوم في السابعة عشرة من عمره، و"ميرون" تقترب من العاشرة. شخصيّتاهما مختلفتان تماما، على الرغم من أننا نربيهما بالطريقة نفسها. "وليد" شاب رصين ومسؤول إلى أبعد حد، يمكنني الوثوق به بالكامل. لا أشعر بالقلق تجاه قراراته، لأنني أعلم أنه يعرف كيف يختار الصواب دائما. في هذه السن الحرجة، أشعر بفخر كبير تجاه نضجه ووعيه وذكائه، وهو أيضا شديد الحماية لأخته، ويهتمّ بها كثيرا. أما "ميرون"، فهي فنانة بكل ما للكلمة من معنى. فيها كل ما كنت أتمنّى أن أكونه في طفولتي، لا بل هو مضاعف آلاف المرات. موهوبة، وحرّة، وجريئة، وتعبّر عن نفسها بلا خوف، تغنّي، وترقص، وتمثّل، وتقلّد، وأشجعها بكل قلبي.

الأناقة والفخامة
ماذا تعني لك الفخامة في عالم اليوم؟ وهل تعتبرينها أسلوب حياة أكثر من كونها مظهرا؟
هي قبل كل شيء أسلوب حياة. أعتقد أننا بحاجة اليوم إلى إعادة تعريف كلمة "فخامة"، لأن معناها الحقيقي بالنسبة إلي ليس مرتبطا بالمال أو بالمظاهر أبدا. كما أراها، هي أن تعيشي في الطبيعة، أن تكوني قادرة على أن تقطفي مما تزرعين لتأكليه، وفي الوقت نفسه أن تكوني متّصلة بالعالم، قادرة على السفر، والعمل، وتحقيق ذاتك، كل ذلك وأنت محاطة بالشجر والهواء النقي. هذه الحياة البسيطة، الصافية، هي قمة الرفاه بالنسبة إلي، لأن الطبيعة تمنح سعادة وهدوءا لا يمكن لأي شيء آخر أن يوفّرهما. نحن اليوم نعيش هذا النمط، ولدينا ماعز ودجاج، نصنع جبنتنا ولبننا ولبنتنا بأيدينا، ونحصل على البيض والعسل والسماق وزيت الزيتون من أرضنا. أصبحنا مكتفين ذاتيا تقريبا.
ما الدور الذي تلعبه الموضة في التعبير عن ذاتك؟
الموضة بالنسبة إلي أشبه بلعب دور، وكأنني أؤدي دورا في فيلم، لكن على مسرح الحياة. أستمتع بذلك من وقت إلى آخر، وأحبّ أن أدلّل نفسي أحيانا وأعتني بمظهري وأضع الماكياج وأرتدي ما يجعلني أشعر بالجمال والأناقة. هذا الإحساس جميل ومهمّ لنا نحن النساء، فحتى لو قلنا أحيانا إننا لا نهتمّ بالمظاهر أو نميل إلى البساطة، يبقى في داخلنا جزء يحب أن يشعر بأنه ما زال جميلا، وما زال قادرا على لفت الأنظار. هذه التفاصيل الصغيرة تلامس المشاعر النسائية. أحب أن ألعب هذه اللعبة أحيانا، ليس طوال الوقت، لكن عندما يحين دورها، أؤديه حتى النهاية.
هل تلعبينها مع ابنتك أيضا؟
طبعا! حتى إنها في مناسبات كثيرة هي من يضع لي الماكياج، وهي ماهرة جدا في تطبيقه.
كيف تصفين علاقتك بدار "كارتييه"؟ وماذا تعني لك؟
علاقــتي مع دار "كارتيـــيـــــه" هي عــــلاقـــــــة تـــعـــــاون حقيقي، وليست مـــجـــرد ارتـــبـــاط بالمظـــهـــــر أو المـــجــــوهــــــرات. أتـــعـــامــــــل مع الـــــدار منذ سنوات طويلة، وصار أعضاء فريقهم أشبه بعائلتي. عملت معها في أكثر من مشروع، ومنها مشاريع اجتماعية، من خلال مشاركتي في جلسات نقاش وتقديم أفلام خاصة. أذكر مثلا الفيلم الذي قدّمناه خلال إكسبو 2020 عن نساء من مختلف أنحــــاء العــــالـــــم استــــطــعــــن إحـــداث تغيير في محيطهن. بيني وبين الدار علاقة طبيعية، وسلسة. ويحترمون شخصيتي وطريقتي في التعبير واختياري للمجوهرات. في علاقتنا الكثير من التفاهم والاحترام والحب، وفي كل ما يقدّمونه الكثير من الرقي.
من هي أيقونة الزمن الجميل التي تعتبرينها قدوة؟
هناك الكثير من النساء اللواتي أعتبرهنّ قدوة. في الحقيقة، أي امرأة تستطيع أن تلهمني في لحظة معينة تصبح بالنسبة إلي نموذجا يحتذى به. لكن إن أردت أن أذكر أسماء محددة، فأنا أحبّ كثيرا "فريدا كاهلو" و"نيكي دو سان فال". هما امرأتان قويتان عبّرتا عن نفسيهما بشجاعة لافتة، ومع ذلك احتفظتا بقدر كبير من البراءة والهشاشة في داخلهما. فيهما ذلك المزيج الإنساني الذي أحبّه، القوّة والضعف معا، والجرح العميق الذي يتحوّل إلى إلهام.

السينما السعودية
كيف تنــظـــريــــن إلى مستـــقــبــــل الـــدرامــــا السعـــوديـــــة في ظل النهضة الثقافية والفنية التي تشهدها المملكة؟
هناك نهضة حقيقية تجري بخطى سريعة ومدروسة في الوقت نفسه. من الواضح أن ما يُنجز ليس عشوائيا، بل يستند إلى رؤية واضحة للمستقبل وإلى عمل جادّ على كل المستويات. ما يلفتني تحديدا هو ما يحدث في مجال السينما، من عدد الأفلام التي تصوَّر اليوم، إلى الأسماء الجديدة التي نسمع عنها من مخرجين ومخرجات سعوديين، والمستوى الفني العالي الذي يقدّمونه. بالنسبة إلى صناعة سينمائية لا تزال في بداياتها، فإن ما تحقق حتى الآن مدهش، وخصوصا في مستوى الأفلام.
المهرجانات السينمائية العالمية باتت تلتفت أكثر نحو الشرق الأوسط، ومنها"مهرجان البحر الأحمر السينمائي". هل تفكرين في إنتاج أو دعم مشروع فني تنتجه المملكة؟
ولمَ لا؟ بالتأكيد، إذا كان هناك اهتمام من جانبهم، فأنا منفتحة جدا على ذلك. حتى الآن لم نتحدث في هذا الموضوع بالنسبة لمشروعي الجديد، لكن طبعا لماذا لا؟
هل تودّين أن تختمي بشيء لم يعرفه الناس من قبل عنك؟
ربما أنني أكثر رقّة وضعفا ممّا يظنّه الناس. الكثيرون يعتقدون أنني قوية جدا، وأحيانا يقسون عليّ بسبب هذه الصورة التي رسموها عني، كأن جلدي سميك لا يتأثر بشيء. لكن في الحقيقة، أنا أكثر رقّة مما يتخيّلون.

