LA QUETE DU TEMPS - MECANIQUE D'ART

تجربة فريدة مع "ڤاشرون كونستنتان"...بين اللوفر وجنيف

سهى حامد
23 أكتوبر 2025

رحلة إلى قلب الزمن مع "ڤاشرون كونستنتان" في احتفالاتها بالذكرى الـ270  لتأسيسها، بين باريس وجنيف، حيث تحول الوقت إلى فن نابض بالحياة.

عشاء ساهر في اللوفر
عشاء ساهر في اللوفر

بعد أسابيع من احتفالات الذكرى الـ270  لتأسيس دار "ڤاشرون كونستنتان" VACHERON CONSTANTIN، أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام التي جمعت بين الفن والعلم والدهشة في مشهد يصعب تكراره. كانت الرحلة تجربة حسية غامرة، رافقت الكشف عن تحفة ساعاتية فريدة حملت اسم LA QUÊTE DU TEMPS - MÉCANIQUE D'ART أو "رحلة البحث عن الوقت – هندسة الزمن الفنية"، والتي تعد من أبرز ما أبدعته الدار في تاريخها العريق. هذا المقال يأخذ القارىء في جولة عبر تلك الاحتفالات، من باريس إلى جنيف، ليتعرف على لجظات الإحتفاء بتراث الدار الغني والتي جمعت بين الفن والدقة والإبداع الإنساني.

خلال العشاء في اللوفر.. الرئيس التنفيذي للدار، لوران بيرفيس،وفرانسيس شتاينبوك المدير العام لمتحف اللوفر
خلال العشاء في اللوفر.. الرئيس التنفيذي للدار، لوران بيرفيس،وفرانسيس شتاينبوك المدير العام لمتحف اللوفر

باريس.. بداية الإحتفالات

كل شيء في تلك الرحلة كان محسوبا بدقة تليق بدار تحتفل بمرور 270 عاما من صناعة الساعات الراقية. من لحظة الوصول إلى باريس، كانت التفاصيل الصغيرة تنبض بروح "ڤاشرون كونستنتان" من اللافتة التي حملت شعار الدار في المطار، إلى الوشاح الأنيق التي يميّز الفريق المنسّق، وحتى قالب الحلوى من توقيع "ألان دوكاس" الذي كان في انتظارنا في غرف فندق "لو موريس"، على شكل زهرة يتوسطها شعار "ڤاشرون كونستنتان".

بعض أفراد الفريق الذي شارك في ابتكار   تحفة LA QUETE DU TEMPS - MECANIQUE D'ART
بعض أفراد الفريق الذي شارك في ابتكار   تحفة LA QUETE DU TEMPS - MECANIQUE D'ART

دعت "ڤاشرون كونستنتان" أكثر من 150 صحفيا وشريكا من مختلف أنحاء العالم للاحتفاء بانجاز غير مسبوق. وفي مساء اليوم الأول، دُعينا إلى قاعة PHILANTHRO-LAB الفسيحة، حيث عمّ المكان ضوء ناعمي وموسيقى عازفة تجاورها ابتسامات الحضور. في قاعة مجاورة، جلس فنانون يرسمون ملامح وجوهنا على بطاقات داكنة اللون تشبه سماء الليل، بخطوط دقيقة توحي بكوكبات نجمية. وعندما رفعنا أبصارنا إلى الأعلى، انعكست على القبة المضيئة صورة سماء جنيف كما بدت ليلة 17 سبتمبر 1755، التاريخ الذي تأسست فيه الدار. كانت تلك أول إشارة إلى الابتكار الذي سيكشف عنه في اليوم التالي في لقاء بين علم الفلك والفن والإرث الساعاتي العريق.

كانت الجولة في مقر الدار أقرب إلى عرض مسرحي مدهش
كانت الجولة في مقر الدار أقرب إلى عرض مسرحي مدهش

المعرض في متحف اللوفر

في صباح اليوم الثاني، عبرنا بوابات متحف اللوفر متجهين إلى جناح "ريشليو" حيث أقيم معرض "هندسة الزمن الفنية"، تحديدا في  غرفة رقم 602 التي عرض فيها 12 تحفة من المجموعة الدائمة للمتحف تحيط بتحفة "ڤاشرون كونستنتان" الجديدة. هناك، وسط الغرفة كان في انتظارنا LA QUÊTE DU TEMPS - MÉCANIQUE D'ART ، عمل ميكانيكي وفني يجسد عبقرية الإنسان وسحر الميكانيكا.

في قلب الغرفة، يعلو الأوتوماتون الفلكي داخل قبة زجاجية مرسوم عليها مشهد السماء فوق جنيف. يتحرك هذا الأتوماتون، المصنوع من البرونز المطلي بالذهب عيار 18 قيراط، ليشير إلى الوقت بحركاته الدقيقة. وهو أول أتوماتون في التاريخ يدل على الوقت من خلال الحركة. كانت كل إيماءة، من رفع الذراع إلى توجيه الرأس نحو النجوم، بمثابة لغة جديدة للوقت، وترجمة شعرية له تجمع بين الميكانيكا والفن.

خلال العرض، تحدث معنا بعض أفراد الفريق الذي شارك في ابتكار هذه التحفة، من "ألكسيا ستونو"، المصممة الرئيسية في قسم LES CABINOTIERS، و"كريستيان سلموني" مدير قسم التصميم والتراث، و"ساندرين دونغوي" مديرة المنتجات والابتكار، و"فرانسوا جونو" صانع الأتوماتا الأشهر في العالم، إلى جانب ممثلين من دار L'EPÉE 1839  المتخصصة في صناعة الساعات المكتبية، والموسيقار "وودكيد" الذي لحن الموسيقى التي ترافق حركة آلية الأتوماتون. سردوا لنا كيف استغرق المشروع سبع سنوات من العمل المتواصل، وكيف تعاون أكثر من مئة خبير بين صانعي ساعات، ومهندسين، وفنانين، وعلماء فلك، لإحياء هذا العمل الذي يجمع بين الإنسان والكون في حوار فني فريد.

الجدير بالذكر، أن عرض "رحلة البحث عن الوقت" في اللوفر لم يكن حدثا تجاريا، فالتحفة غير مخصصة للبيع، وإنما صنعت لتبقى في إرث الدار الثقافي. كما أنها تعد محطة مفصلية في الشراكة الممتدة بين دار "ڤاشرون كونستنتان" ومتحف اللوفر، والتي انطلقت قبل عدة سنوات، وتمثلت في دعم الدار لمشاريع ترميم كبرى مثل ساعة CRÉATION DU MONDE التي رممت عام 2016 بفضل مساهمتها. وقد بدأت الشراكة الرسمية عام 2019 وتضمنت مشاريع مشتركة مثل التعاون في المعارض ومزادات خيرية لصالح المتحف. وتعد هذه التحفة الجديدة أبرز انجاز في هذه الشراكة حتى الآن، فهي تتجاوز التعاون للحفاظ على الإرث لتقدم ابتكارا جديدا يعرض داخل أروقة المتحف في خطوة غير مسبوقة في تاريخ هذه الشراكة.

حفل العشاء في مقر الدار اختتم الإحتفالات
حفل العشاء في مقر الدار اختتم الإحتفالات

حفل العشاء في اللوفر...

في تلك الليلة، وتحت السقف الزجاجي لقسم "كور مارلي" في اللوفر، أقامت الدار عشاءها الإحتفالي الفاخر. كانت القاعة المهيبة تتلألأ بانعكاس الأضواء على الرخام الأبيض والتماثيل الكلاسيكية.

ألقى "لوران بيرفيس"، الرئيس التنفيذي للدار، كلمة مؤثرة تحدث فيها عن هذا المشروع الذي ولد من روح مشتركة بين الإبداع والعلوم، قائلا: " بعد سبع سنوات من العمل، أثمر هذا المشروع التعاوني غير المسبوق عن ابتكار مذهل، ميكانيكية فنية تجمع بين الإنسان والكون في تعبير ثقافي وفني لا مثيل له".

شاركه الكلمة "فرانسيس شتاينبوك"، المدير العام لمتحف اللوفر، الذي أشاد بالشراكة الثقافية الممتدة مع  "ڤاشرون كونستنتان" منذ عام 2019، والتي أثمرت عن ترميم قطع أثرية ودعم المعارض الفنية.

كان العشاء مزيجا من الفخامة والرمزية، حيث تحول المكان إلى احتفال يجمع بين فن الماضي الذي يسكن جدران اللوفر، والحاضر الذي يصنعه الإبداع.

كانت الجولة في مقر الدار أقرب إلى عرض مسرحي باهر
كانت الجولة في مقر الدار أقرب إلى عرض مسرحي باهر

جنيف.. حيث يتجسد الإبداه في قلب المصنع

في صباح اليوم الثالث، غادرنا باريس متجهين إلى جنيف على متن قطار حاملين تذاكر خاصة مطبوعة بشعار  "ڤاشرون كونستنتان". كانت مقاعدنا تحمل كتيبات مزدانة بصور نشاطات اليوم السابق، وألغاز مستوحاة من عالم الساعات والفلك. رحلة قصيرة نقلتنا من عاصمة الفن إلى مدينة الحرفة والدقة.

وصلنا مساء إلى مقر الدار في منطقة "بلان ليه وات"، المبنى المميز بتصميمه المعماري الذي يحمل شكل شعار مالطا، من توقيع المهندس المعماري "برنار تشومي". اصطف العاملون بزيّهم الأبيض على جانبي الطريق المؤدي إلى المدخل، يستقبلوننا بابتسامات تعبق بالفخر وكلمات الترحيب الحارة، في مشهد مؤثر مليئ بالرهبة.

بدأت جولتنا في أروقة المصنع المضاء بأضواء خافتة، وبين كل محطة وأخرى، شاهدنا صانعي الساعات والحرفيين في عملهم، إلى جانب عازفين وراقصين يقدمون عروضا فنية تعبر عن روح المهن التي تبني هذا العالم المدهش. كانت الجولة أقرب إلى عرض مسرحي مدهش، اختلط فيها الإيقاع بالحركة، ليعبر كل مشهد عن وجه من وجوه الدقة والابتكار.

وفي نهاية الجولة دُعينا إلى مبنى ضخم مؤقت شيّد خصيصا لهذه المناسبة، حيث استعرضت أبرز ابتكارات الدار قبل أن نصعد إلى الطابق العلوي لعشاء ختامي مطل على المصنع. ومع ختام الأمسية أضاء عرض ضوئي ضخم واجهة المبنى فتبدت عليه أشكال النجوم والعقارب المضيئة كأن الزمن ينبض بالحياة أمامنا.

خلال العشاء في اللوفر.. الرئيس التنفيذي للدار، لوران بيرفيس،وفرانسيس شتاينبوك المدير العام لمتحف اللوفر
خلال العشاء في اللوفر.. الرئيس التنفيذي للدار، لوران بيرفيس،وفرانسيس شتاينبوك المدير العام لمتحف اللوفر

في صباح اليوم التالي، غادرت جنيف حاملة ذكريات جميلة  وممتنة لهذه التجربة الفريدة. كانت فرصة لأعيش مع  "ڤاشرون كونستنتان" احتفالها بـ 270 عاما من الإبداع، ولأشارك القارئ هذا العالم الذي يمزج الفن بالدقة والحرفية المتميزة. وبينما تستعد الدار لعرض تحفة "رحلة البحث عن الوقت" في معرض "الساعات والعجائب" في العام المقبل، أتطلع لرؤيتها من جديد وقد أصبحت تجربة يشاركها عشاق الساعات حول العالم.