
مجوهرات المستقبل: من بريق الحِرفة إلى وهج التقنية... رحلة قيس نصر الدين الذي يصوغ قطعاً تحكي قصة
في عالمٍ يلمع بالذهب ويزهو بالأحجار الكريمة، يطلّ الشاب السوري قيس نصر الدين كقصة إلهام حقيقية؛ فنانٌ جمع بين موهبة فطرية وصبرٍ صاغته التجارب، ليحوّل الحلم إلى حِرفة، والحِرفة إلى فنّ يحمل بصمته الخاصة. من ورش دمشق القديمة، حيث تعلّم احترام تفاصيل اليد الصانعة، إلى رؤيته العصرية التي تعيد للمجوهرات معناها العميق، يمضي قيس بخطى واثقة ليكتب فصلاً جديداً في تاريخ التصميم العربي.

رحلته ليست مجرد سعي وراء الفخامة، بل محاولة لإحياء جوهر المجوهرات كـ لغة تعبيرية تحمل هوية وذاكرة وإنسانية، بعيداً عن اختزالها في وزن الذهب أو ثمن الحجر. وفي كل قطعة يبدعها، يختبئ صدى الأساطير، ورمزية الأحجار، وصدق التجربة الإنسانية، في حوارٍ خفيّ بين المادة والمعنى.
كيف بدأت رحلتك في عالم التصميم والمجوهرات؟
بدأتُ العمل مع والدي، فكان معلّمي الأوّل وعرّفني إلى أسرار الذهب وفنونه: من إصلاحه إلى طرق صياغته الدقيقة، حتى حفظت عنه ما أعرفه اليوم. أحببت هذا العالم من النظرة الأولى، ووجدت فيه عالماً يعبّر عن المعاني العميقة ويخلّد الرموز والمشاعر عبر قطعة صغيرة من المجوهرات.

ما الذي جذبك أول مرة لهذا المجال؟ هل كان شغفاً منذ الطفولة أم جاء لاحقاً؟
ما شدّني هو طريقة تعبير الذهب عن المعاني، وتاريخه الطويل، وكيف يمكن لقطعة مجوهرات أن تمثّل الكثير من الرموز والمشاعر.
كيف أثّرت خلفيتك السورية وثقافتك على ذوقك الفني وأسلوبك في التصميم؟
جذوري السورية صاغت ذائقتي الفنية؛ فمن دمشق تعلّمت احترام الحِرَف اليدوية الأصيلة، ومن زخارفها الشامية وخطوطها العربية أخذت صرامة النِّسَب ونقاء التكوين. ثقافتنا تعلّمني أن الجمال ليس زينة فحسب، بل معنى وسياق وهوية. لهذا تحمل كل قطعة أبتكرها بصمةً واضحة ووقاراً هادئاً.

تصف أعمالك بأنها "قطع تحكي قصة".. كيف تترجم الفكرة إلى تصميم ملموس؟
أبدأ دائماً بتحويل الفكرة إلى رمز بصري: قصةٌ تتجسّد في خطّ أو قوس أو فراغ مدروس. بعدها أحدّد النِّسَب، وأختار المعادن والأحجار بما يخدم المعنى، ثم أرسم، وأصمّم النماذج ثلاثية الأبعاد، وأصنع نموذجاً أولياً لاختبار التوازن والراحة على الجسد. وفي المرحلة الأخيرة نُتقن اللمسات النهائية لتتنفّس القطعة قصتها دون حاجة إلى كلمات.

هل تبدأ القصة أولاً ثم تصمم القطعة، أم العكس؟
القصة تأتي أوّلاً؛ فهي ثمرة قراءة وتأمّل في تجارب البشر وحقائق الكون الخفيّة، قبل أن تتحوّل تلك البوصلة الفكرية إلى تصميم ينطق بالحقيقة كاملة. تماماً ككقصة المجموعة الاولى للدار "Infina" التي تحمل في طيّاتها رموزاً تخطّت حدود الزمن.
ما نوع القصص أو الرموز التي تلهمك أكثر؟ (ذكريات شخصية، تراث، حكايات حب، رموز دينية/ثقافية..)
تلهمني مفاهيم الإرث والأساطير والتيارات الفكرية التي أوشكت على الاندثار، فأحاول أن أعيدها إلى الحياة من جديد.

كيف تختار المواد والأحجار التي تستخدمها في التصاميم؟
أراقب وظيفة الحجر ورمزيته: فالعقيق الأسود يمتصّ الضوء ويعبّر عن العتمة والظل، والماس يبعثر الضوء ليرمز إلى كل ما يمنحنا النور، أما الياقوت الأحمر فيجسّد الحب والشغف. كما أستند أحياناً إلى ما يُنسب للأحجار من طاقات وخصائص اهتزازية في بعض الدراسات لأحدّد دورها في تكوين القطعة.
ما هو الجزء الأصعب في رحلتك من الفكرة إلى القطعة النهائية؟
لا صعوبة في العمل حين يكون شغفاً، ولا سيما حين أعلم أن النتيجة ستجعل صاحب القطعة يشعر بأنه مرئيّ ومفهوم، ومُعترف به في أعمق ما يعجز عن التعبير عنه بالكلمات.
هل تعتمد على الرسم اليدوي، التكنولوجيا الحديثة، أو المزج بينهما؟
لا صعوبة في العمل حين يكون شغفاً، ولا سيما حين أعلم أن النتيجة ستجعل صاحب القطعة يشعر بأنه مرئيّ ومفهوم، ومُعترف به في أعمق ما يعجز عن التعبير عنه بالكلمات.

ما أبرز التحديات التي واجهتك كمصمم شاب في هذا المجال؟
أكبر التحديات أمامي هو تغيير نظرة الناس إلى المجوهرات؛ إذ تُختزل قيمتها غالباً في سعر الغرام، بينما أسعى إلى إعادة الفن والمعنى إلى جوهرها. صحيح أن هذا التغيير صعب، لكنه آتٍ لا محالة.
هل هناك قطعة معينة تعتبرها الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟
أقرب القطع إلى قلبي هي تلك التي أطلقتُ عليها اسم «زَمان»، إذ تعبّر عن التحوّل من فحمٍ هو الألم والشدائد والصبر الطويل، إلى ماسٍ صلب لا يُكسر ولا يُطال، يزداد بريقه كلما اجتاز أصعب المراحل.
كيف كان رد فعل الناس على مجموعاتك الأولى؟
كان التفاعل مع أعمالي مدهشاً؛ أحبّ الناس تصاميمي لأنها تتحدث عنهم بصدق، وكثيرون وجدوا في القطع انعكاساً لهويتهم وتجسيداً عميقاً لما يشعرون به.

ما الرسالة التي تود أن تصل من خلال مجوهراتك؟
المجوهرات في جوهرها أكبر من المال؛ إنها لغة للتعبير عن الذات. أريد أن أعيد إليها معناها الذي حملته في الحضارات القديمة، وأن أغيّر نظرة الناس إليها إلى الأبد.

هل هناك حلم أو مشروع تعمل عليه حالياً وتود أن تشاركنا تفاصيله؟
أؤمن أن Ghassan Jewelry ستغدو أكبر دار مجوهرات عرفها هذا المجال، وأن سوق المجوهرات لن يبقى كما كان بعدها. وأرى نفسي المصمّم الخاص لأكبر العائلات في العالم؛ أصوغ للملوك والملكات قطعاً تحمل أثرهم، وأنحت الإرث الأبدي في الذهب.