
خاص "هي": المصممة السعودية ديمة حفظي.. رؤية فريدة تدمج الفن التشكيلي والنحت في عالم تصميم المجوهرات
بشغف يجمع بين الفن التشكيلي والنحت وصياغة المجوهرات، استطاعت المصممة السعودية ديمة حفظي أن تصنع لنفسها مكانة مميزة في عالم التصميم، حيث تحوّل الأحجار والمعادن إلى قطع فنية تحمل قصصا وذكريات خالدة، من خلال رحلة ملهمة مليئة بالإصرار والإبداع.. كشفت عن تفاصيلها في حوارنا الخاص معها، مشيرة إلى فلسفتها في تصميم المجوهرات، والتحديات التي واجهتها، ومصادر إلهامها المستمدة من تراثها وهُويتها، وصولا إلى طموحاتها المستقبلية ورؤيتها لمكانة المرأة السعودية في هذا المجال..
عرفينا عن نفسك، وعن بداية شغفك في عالم تصميم المجوهرات.
أنا فنانة تشكيلية وصائغة مجوهرات ونحّاتة. عشقي للفن بدأ منذ طفولتي، وحظيت ولله الحمد بدعم وتشجيع من والديَّ، حفظهما الله، إذ كانا أكبر الداعمين لي، وكانت حياتي المدرسية كلها تدور حول الرسم، والتلوين، والنحت، وكذلك كان حبي للمجوهرات أيضا منذ الطفولة، حيث كنت أجمع الأحجار الكريمة في أسفاري مع عائلتي، خصوصا من المدينة المنورة، وأتخيل تصاميمها وأطلب تنفيذها.
ثم صقلت شغفي بالدراسة الأكاديمية، فقد درست في Academy of Art University أكاديمية الفنون في سان فرانسيسكو، حيث بدأت بدراسة فنون جميلة، وبعدها تــــــخـــصـــصت بالنـــحـــت fine art sculpture، ومن ثم تخــــصـــصـــت في فــــنون المــجــــوهرات والمعادن Jewellery and metal arts.
بعد التخرج عملت في "كارتييه"، وتدربت في فريق التصميم، وفي الوقت نفسه نشرت بعض أعمالي من مشاريع الجامعة من خلال مقابلة مع إحدى المجلات العربية، والتي كانت ثمرتها استقبالي طلبات تنفيذ تصاميم خاصة، فبدأت بتصميم وصياغة قطع خاصة لعملاء، ولم أستطع التوفيق بين وظيفتي وتصاميمي الخاصة، وهو ما دفعني لترك الوظيفة والرهان على نفسي، والعمل على مجموعتي الخاصة. وعلى الرغم من أنه كان مشوار طويل مليء بالتحديات مع جودة ودقة التفاصيل والصنعة، لكنني ولله الحمد نجحت في الوصول إلى النتيجة التي تشعرني بالفخر بها، ومنها أطلقت أول مجموعة تحمل اسمي.
كيف تصفـيــــن فلــسـفــتــــك الشخــصــيــــة في عـــالم تصمـــــــيم المجوهرات؟
المجوهرات بالنسبة لي فن مصوغ، وليست مجرد إكسسوار.. فهي قطعة فن تحكي قصة وتحمل معنى، أراها بمنزلة عمل فني مصوغ من أرقى المواد، أحب أصمّم القطع كمنحوتة كاملة من كل الزوايا، حتى التفاصيل الخفية التي لا يمكن مشاهدتها، والتي يمكن أن يكتشفها من يرتديها.
فلســفـتـــي تــقـــوم على الدمـــج بين التـــــراث والثقافة والحداثة، وكذلك الطبيعة، بحيث تحمل كل قطعة عمقا عاطفيا وقيمة فنية. وأؤمن بأن المجوهرات يجب أن تمثل شخصية من يرتديها، وألا تكون خاصة بحقبة زمانية معينة، بل أن تبقى خالدة تتوارثها الأجيال بعيدا عن صيحات الموضة العابرة.
أجمل القطع وأقربها إلى قلبي هي تلك الخاصة بأمي عندما كانت صغيرة أو من جدّاتي رحمهن الله. بالنسبة إلي، قيمة المجوهرات الحقيقية تكمن في قصتها وما تعكسه عن صاحبها، لا في مواكبة الموضة التي يتبعها الجميع. أؤمن بأن أروع القطع دائما فريدة، يختارها أشخاص يعرفون أنفسهم جيدا، ويقدّرون ما يناسب شخصياتهم، وغالبا ما تعبّر هذه القطع عن اهتماماتهم أو ارتباطهم بتراثهم وعائلاتهم، فتتحول إلى رمز شخصي يحمل معنى يتجاوز مجرد الزينة.
حدثينا عن رحلتك في عالم التصميم. وما أبرز المحطات المهمة خلال هذه الرحلة؟
رحلتي بدأت من الطفولة، الفن كان عالمي الآمن وشغفي. درست النحت أولا، وهذا منحني أساسا قويا في الشكل والتفاصيل والتعبير، وبعدها اتجهت للمجوهرات والمعادن، وهناك اكتشفت متعة تحويل الخامات إلى فن يُلبس، يحمل قصة وذاكرة.
كانت المحطة الفارقة بالنسبة إلي عملي في "كارتييه" بعد التخرج، فلقد تعرفت من خلالها إلى عالم المجوهرات الراقية ومعاييرها العالية، فهذه التجربة، مع خلفيتي السعودية والفنية، ساعدتني على بناء لغتي الخاصة في التصميم.
ما هي أصعب التحديات التي واجهتك خلال اقتحامك لهذا العالم؟
كان التحدي الأكبر أن أجد لنفسي موقعا في هذا المجال العالمي والتنافسي، فالمجوهرات لا تحتاج إلى إبداع فحسب، بل تحتاج أيضا خبرة تقنية وموارد وصنّاع ماهرين.
وكان أصعب ما واجهته إيجاد الفريق المناسب القادر على أن يترجم رؤيتي بأعلى جودة، فلقد درست الصنع وتعرفت إليه، إلا أن طموحي كان تنفيذ خطي الخاص بأعلى مستوى، وذلك لا يأتي إلا من خلال خبرات ممتدة لعشرات السنوات. وفي الحقيقة مررت بتجارب كثيرة مع صنّاع لم يلبّوا طموحي، حتى إنني شعرت بلحظات ما بأنني أرغب في التوقف، إلا أن دعم عائلتي كان له الفضل الأكبر في مواصلة مشواري، ونجحت في تحويل كل عقبة إلى تحدٍّ، فكانت كل عقبة تزيدني إصرارا وتمنحني دافعا لكي أطور عملي وأبتكر فيه أكثر.
ما بين النحت والفن التشكيلي والمجوهرات، أيها الأقرب إلى قلبك؟
كلها مترابطة في حياتي، لكن المجوهرات لها مكانة خاصة، لأنها تجمع بين الفن والتاريخ والثقافة وسرد القصص.. وبـطــريــقـــة يستـــطيــــع الأشخـــــاص حمــلـهــــا معهم أينما ذهبوا لأنـهم يرتدونها. ويمكن القول إن النحت منحني الانضباط والمهارة التقنية، والفن التشكيلي علّمني الحرية في التعبير، والمجوهرات صارت الجسر بين الاثنين، لتمثل: "فنا يرافق الناس يوميا".
تتـــمـيـــزيـــن بتقـــديــــم تصــامـيـــم مجـــوهـــرات متميزة بالهُوية السعودية، حدثينا عن ذلك.
بالفعل أستلهم كثيرا من تراثي السعودي، من الثقافة والتقاليد وحتى ذكريات الطفولة، ففي مجموعتي الأولى "نوماديو" Nomadeo، استوحيت من الحقبة الفيكتورية، وتخيلت كيف كان يمكن لأجدادنا أن يخلّدوا قصصهم إذا امتلكوا الأدوات والمواد نفسها؟ فلقد عملت على الكاميوهات والبورتريهات، وصغت فيها تفاصيل وجوه وتاريخ ولحظات، في جسر يربط بين الماضي والحاضر.
أنجذب دائما للأشياء التي تحمل ذاكرة، من قطع أثرية أو أوانٍ تاريخية فيها قصة. دخولي عالم المجوهرات كان امتدادا طبيعيا لهذا الشغف، وكأنني ربطت كل النقاط من طفولتي.. المجوهرات بالنسبة إلي وسيلة لحفظ القصص والذكريات، لكن بطريقة تُلبس وتعيش مع من يقتنيها.
كـانت لك مشاركة في معرض بتافوني في العلا.. كيف تصفين هذه التجربة؟
مثلت مشاركتي في معرض بتافوني في العلا تجربة ملهمة، فلقد كانت فرصة لأشارك مجموعتي، وأتواصل مع جمهور محلي وعالمي، فهذه التجارب مهمة بالنسبة لي، لأنها تمنحني انطباعات مباشرة وتفتح لي أبوابا للتبادل والتطور.
حدثينا عن أحدث مجموعاتك.
مجموعتي الثانية Oryxa استلهمتها من الوعل، بحضوره الفريد وقرونه الحلزونية. كل تصميم فيها يعكس خطوط الوعل الانسيابية ورشاقته وقوته، بشكل معاصر وفني.
المجموعة لا تنحصر في الجماليات فقط، بل هي تكريم لقصة بقاء الوعل، بعد ما كان مهددا بالانقراض، حيث عاد وصار رمزا للصمود والقوة والجمال.. فأحببت أن أترجم هذه الروح لأجسدها كمجوهرات خالدة، توازن بين القوة والنعومة.
ما المواد والأحجار التي تفضلين استخدامها في تصاميمك؟
أحب الذهب كثيرا، لدفئه ومرونته التي لا تتكرر. كما أمتلك حبا كبيرا للأحجار الكريمة، فمنذ طفولتي وأنا أجمع أحجارا شبه كريمة من المدينة، وأتخيل تصاميمها، ولدي شغف كبير بالأحجار المنحوتة، وأي حجر له طابع تاريخي أو إحساس أثري.. في الحقيقة تفتنني كل الأحجار، بألوانها وطاقتها وملمسها، وبدأت مؤخرا بتجربة "ألماس القيصومة"، وهو نوع من الكوارتز موجود في صحاري السعودية.
من خـــلال تجـــربــتـــك في هذا العـــالــــم، كيـــف تقيــمـــين تجربة المرأة السعودية في هذا المجال؟
أعتقد أنه وقت رائع ومميز، فاليوم، المرأة السعودية أثبتت حضورها في مجالات كثيرة كانت محدودة سابقا، ومنها عالم المجوهرات خصوصا، فوجودنا أضاف زوايا جديدة وقصصا مختلفة، لأن المرأة بطبيعتها أكثر ملامسة لعالم المجوهرات، حيث نعيد تعريف معنى التصميم في منطقتنا، وخاصة أن هذا المجال كان سابقا حكرا على الرجال في الأغلب، الذين توارثوا هذا المجال من آبائهم وأجدادهم.
ما طموحاتك المستقلبلية؟
أطمح إلى أن استمر في شغفي، وأتابع مشواري في استخدام الرموز والمواد من منطقتنا، ولكن بجذور أصيلة وهُوية واضحة.. وأحلم بأن أرى قطعي تُعرض في متاحف كأعمال فنية ومنحوتات صغيرة تُلبس ومصنوعة من أجمل وأثمن المواد، وأتطلع إلى أن أفتح أبواب التعاون مع مصممين من مجالات أخرى، وأبتكر أعمالا خارج إطار المجوهرات.. كما أتمنى أن أكون مصدر إلهام للفنانين السعوديين الشباب ليلاحقوا شغفهم بلا تردد أو خوف.
كلمة أخيرة..
كان الفن دائما وسيلتي للتواصل مع العالم، والمجوهرات صارت لغتي أو صوتي كفنانة.. فكل قطعة أصممها تحمل جزءا من قصتي ومن تراثي. وأتمنى أن يشعر من يقتنيها بهذا الرابط، ويجد فيها جزءا من نفسه وقصته.