
تشارلز ليونغ لـ"هي": Chaumet تسير على درب التجدد وتروي حكايتها بطابع أكثر حداثة
ماربيا: Adnan Alkateb
خلال أمسية كانت تعيش فيها الطبيعة مراحل الانتقال الأخيرة من الربيع إلى الصيف، وفي فيلا تعبق بعطر الفنون الأندلسية في ماربيا الإسبانية، وبمناسبة إطلاق مجموعة المجوهرات الراقية الجديدة Jewels by Nature، التقيت القائد الشاب الناجح "تشارلز ليونغ"
Charles Leung الرئيس التنفيذي لدار "شوميه"، ليحدثني عن حكاية الدار مع الطبيعة، والتغيرات التي أحدثها منذ توليه منصبه ورؤيته لمستقبل هذه الدار العريقة المحمّلة بالرسائل والمتألقة في البريق اللامع.. والمعروف أن بين دار "شوميه" Chaumet والعالم الطبيعي، جذور شاعرية راسخة في قلب هُويتها، تنمو وتزهر منذ 245 عاما. وتكريما للحضور النباتي الثابت في معجم الدار الأسلوبي، تسلّط "شوميه" الضوء على هذا الإرث بشكل متكرّر في مجموعات مجوهراتها الراقية، وكأني بها تحية إلى مؤسس الدار "ماري إتيان نيتو" الذي كان يوقّع مراسلاته بعد فترة قصيرة من تأسيس مشغله في ثمانينيات القرن الثامن عشر بعبارة "الصائغ الطبيعي"، وأيضا إلى الإمبراطورة "جوزفين" التي كانت شغوفة جدا بعلم النبات.

الأمسية الساحرة التي حضرتها مجلتنا إلى جانب صديقتَي الدار النجمتين: "إميليا كلارك" و"يارا النملة" كانت بمناسبة إطلاق المجموعة الراقية التي تروي حكاية الطبيعة في ثلاثة فصول: الأول عن الطبيعة الخالدة مثل الورد البرّي والبرسيم والسرخس والشوفان، والثاني عن الطبيعة الزائلة مع أزهار مثل زهرة القرنفل وزنبق السيف، والثالث عن الطبيعة المتجددة مع أزهار الماغنوليا والسوسن والداليا وزنبق الماء التي كانت تقدرّها الإمبراطورة "جوزفين". وبين بتلات مجموعة Jewels by Nature وأوراقها وأغصانها، حيوانات وحشرات ترفرف فوقها، وتحط عليها وتسهم في تلقيحها وهي تبحث عن الرحيق بين الجوهرة والأخرى، مثل اليعسوب أو نحلة "شوميه" التي تلعب دورا جوهريا في النظام البيئي واستمرارية الحياة النباتية. تزخر المجموعة الجديدة بالأشكال النباتية والحيوانية التي تترجمها بإتقان للألوان والحركة وتعددية الأبعاد، وتفسّر جزءا كبيرا من رمزيتها في تصاميم عصرية قابلة للتحويل والاعتماد بطرق متعددة. وحفاظا منها على مستقبل الطبيعة، تحرص "شوميه" على استخدام مواد خام قابلة للتتبّع، وماسات وأحجار كريمة ملونة تلائم أعلى المعايير الأخلاقية.
أين دار "شوميه" اليوم؟
تسير "شوميه" على درب التجدد، وتكتب سطور حكايتها بأسلوب مختلف وطابع أكثر حداثة.
ما الذي تغيّر في "شوميه" منذ أن أصبحت رئيسها التنفيذي قبل سنة ونصف؟ وما أهم ما فعلته منذ توليك هذا المنصب؟
لقد حملت المزيد من الطاقة والديناميكية، واقترحت أساليب جديدة لسرد حكاية الدار. قبل أن أتولى الرئاسة التنفيذية هنا بعد دار "فرد"، كنت جزءا من فريق "شوميه" على مدى 12 عاما، ولذلك فإن هذا فعليا عامي الرابع عشر مع "شوميه".
أبرز ما فعلناه هو ترسيخ المكانة الأيقونية لمجموعة "بي دو شوميه" Bee de Chaumet التي كانت تُعرف قبل عودتي باسم "بي ماي لوف". قررت تغيير الاسم بعدما تأملت في أهمية الطبيعة كمصدر إلهام لدار "شوميه" عبر التاريخ، وبدأت أتساءل عن تأثيرنا الحقيقي في البيئة الطبيعية، وعن دورنا في صونها للأجيال المقبلة. صحيح أننا نترجم جمال الطبيعة في مجوهراتنا منذ أكثر من مئتي عام، لكن الطبيعة لم تَعُد كما كانت، ولا الزبون بقي كما كان. اليوم، يهتم عملاؤنا، وخصوصا الشباب منهم، بمستقبلهم؛ ومن مسؤوليتنا أن نسهم في التوعية بالعالم من حولنا ونحضّ على تقديره ومحبته.
وفي هذا النظام البيئي، هناك عنصر بالغ الأهمية: النحلة. رأيت أنه من المناسب تكريم هذا "البطل الصغير الجميل"، الذي يلعب دورا حيويا في استمرارية الحياة على كوكب الأرض، والذي لولاه، لما استطاعت البشرية الاستمرار لأكثر من أربع سنوات، بحسب بعض الدراسات العلمية. كل عناصر التوازن البيئي مترابطة، والنحلة تمثل محورا أساسيا في هذا الترابط. ومنذ عهد "نابليون"، نعتمد شكل النحلة في تصاميمنا، حتى باتت من أهم رموز عالم "شوميه".
من هنا جاء اسم "بي دو شوميه"، ومنذ أن أعدنا تسمية المجموعة، كرّسنا الكثير من مواردنا للتأكيد على وضوح رسالتنا. ما نودّ قوله من خلال هذه المجموعة هو عن الانتماء، والجماعة المترابطة، والقيم العائلية، والعودة إلى الجذور. في المجوهرات، كثيرا ما نتحدث عن الحب والعلاقات العاطفية، وهي طبعا موضوع رائع كلنا بحاجة إليه، ولكنه ليس كل شيء! لكي يكتمل الإنسان، لا بد أن يكون محاطا بالعائلة، والأصدقاء، والجماعة. وهذا بالضبط ما يمثّله رمز النحلة. ولهذا السبب، لا ترى في حملاتنا الإعلانية رجلا وامرأة فقط، بل سردية جديدة نابضة بالحياة، مع مجموعة من الرجال والنساء من مختلف الأعمار، يحتفلون معا بالحياة، وبالصداقة، وبالروابط التي تجمعنا.
حــــدثــنــــا عن مجـمــوعــــة المجـــوهرات الراقية الجديدة Jewels by Nature. كيف تتكامل مع عالم "شوميه" العاشق للطبيعة ورموزها؟
في الماضي، ومع مجموعاتنا السابقة المستوحاة من الطبيعة، كانت لدينا أزهار رائعة، لكنها كانت تفتقر أحيانا إلى بعض الحشرات الملقِّحة بينها، مثل النحلة والفراشة، وهي جزء أساسي من النظام البيئي. هذه المرة، نروي قصة المجموعة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول مكرّس للطبيعة الخالدة (Everlasting) التي تبقى موجـــــــودة مهــــما حدث، وهناك عنــاصر فيها قوية لا تـمـــوت، مثــــل الخيـــــــزران والبرسيــــــم والسرخس. نستلهم من هذه الرموز دعوة للإنسان إلى الصمود والبقاء، مهما كانت الظروف. الفصل الثاني مخصص للطبيعة الزائلة (Ephemeral) وهي التي تظهر فجأة لبضعة أيام لا أكثر، ثم تختفي. نذكّر من خلالها بالندرة، وبأن لا شيء يدوم إلى الأبد.
الفـــــصل الثالث والأخير يتناول الطبيعة المتجددة (Reviving) لنقول من خلالها إن الأمل في الطبيعة دائما موجود، فتستطيع أن تعود إلى الحياة، إذا ساعدها الإنسان ودعمها. لدينا تقليد راسخ في صياغة مجوهرات مستوحاة من الطبيعة. لكن ما نحاول قوله اليوم هو عن وجود وجوه مختلفة للطبيعة: الطبيعة التي لا تموت أبدا، والطبيعة الجميلة الهشّة التي تحتاج إلى العناية، والطبيعة التي تمنحنا الأمل ولو بدا ضئيلا، وتحتاج إلى الإصرار والحظ ومشيئة الله. لطالما افتخرنا بأشكال الطبيعة من سنابل وزهور رسمناها على مرّ العقود، لكن هذه الطريقة في سرد حكاية الطبيعة هي جديدة كلّيا على دار "شوميه".
ماذا عن العمل الحرفي اليدوي، وصعوبة العثور على الأحجار الكريمة اليوم في ظل الاتّجاه الكبير نحو الماس الاصطناعي؟
نصوغ كل شيء بأنامل حرفيينا، وهذا أمر نعتزّ به كثيرا، خصوصا في زمن تُصنع فيه أشياء كثيرة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. بعض الجمال لا يمكن أن تحقّقه سوى الأيدي البشرية!
أما بالنسبة إلى الأحجار الكريمة، فالعثور عليها أصعب من أي وقت مضى. السوق مجنونة، والجميع يتنافس بشراسة للحصول على الأحجار. لكن الجميل في "شوميه"، كما في بعض الدور العريقة الأخرى، هو السمعة التي نتمتع بها، والثقة التي منحنا إياها "نابليون"، واللجنة الأولمبية، وعملاؤنا الأوفياء في كل أنحاء العالم.
بالـــحــديث عن اللجــنــــة الأولمبــــيـــــة، صمّـــمــــت "شوميــــه" ميدالية أولمبياد باريس 2024، لكنكم لم تصنعوها. هل تملك الدار اليوم إحدى هذه الميداليات؟
لا نملك واحدة اليوم، لكنني أحبّ أن أشتري ميدالية للدار يوما ما، ربما في مزاد علني في المستقبل. لدينا القالب الأصلي، وربما نجد ميدالية في مزاد، أو يقدّمها لنا أحد ما. إنها في نظري أجمل قطعة مجوهرات في العالم، لأنك لا تستطيع شراءها. لا يمكنك الحصول عليها إلا إذا فزت بها، وتفوز بها بكل الوقت الذي تبذله، وبالجهد، والمثابرة، والتعب، والعزيمة، والفشل، والنجاح، والحب والدعم من عائلتك ومجتمعك ومنافسيك.. إنها تمثّل رحلة هذا الإنسان الفائز، وليست معروضة للبيع، وأنا أتفهم ذلك تماما. لكننا كنا محظوظين جدا بأن نكون جزءا من عملية ابتكار هذه القطعة، التي أراها أجمل مجوهرات العالم على الإطلاق، لأنها إنسانية للغاية.
على فكرة، حين صمّمنا الميدالية الأولمبية، حرصنا على أن تكون في وسط كل ميدالية قطعة من برج إيفل على شكل سداسي، في إشارة إلى خلية النحل، أي في تحية أخرى إلى هذا الحيوان الرمزي.

ماذا عن المجوهرات اليومية الرفيعة؟ وما الذي تفعله "شوميه" لجذب الجيل الجديد إلى مجوهراتها اليومية؟
نحقق نموا عاليا في فئة المجوهرات اليومية، بفضل حملاتنا وتواصلنا المستمر لنقل رسالة مفادها أن "شوميه" ليست فقط لحفلات الزفاف. إنها أيضا قطع للقاءات اليومية، للتنسيق والتكديس، وامتلاك القطع نفسها مثل صديقاتك. وهذا أمر مهم جدا اليوم. فبعد أن كنّا نضع قلادة واحدة مع أقراط مثلا، دون إضافة المزيد حتى لا نبالغ، لم نعد اليوم نعرف ما الذي يُعدّ مبالغة!
بكل بساطة، أصبح من الممكن اعتماد أكثر من 10 قطع من المجوهرات في إطلالة واحدة، وهذا بحدّ ذاته طريقة للتعبير عن الفردية والشخصية. وهي العنصر الوحيد في الإطلالة الذي يمكن أن يتراكم بحرية، فلا يمكنك حمل أكثر من حقيبة، أو ارتداء أكثر من فستان أو ساعة في الوقت نفسه، لكن يمكنك التزيّن بخمس قطع من "شوميه" معا.
ما هي حال السوق اليوم؟
معقّدة جدا. لدينا عملاء أوفياء، ولدينا أيضا عملاء جدد. السوق نفسها باتت أكثر تعقيدا، لكن ما علينا فعله هو التركيز على ما نجيده: نقل القيم. نحن نحرص على إيصال رسالة واضحة، وهي أن شراء قطعة من "شوميه" يعني الاستثمار في الجودة والحرفية المتفوقة، وامتلاك شيء سيكون من كلاسيكيات الغد. كل القطع التي ترونها في هذه المجموعة، نحن على يقين بأنها ستُعرض في المتاحف مستقبلا.
كيف ترى مستقبل دار "شوميه"، أقدم دار مجوهرات على ساحة "فاندوم" الباريسية الأيقونية؟
المستقبل مليء بالاحتمالات. أمامنا 250 سنة أخرى، وأكثر بكثير. نعم، نحن أقدم دار على ساحة "فاندوم"، الأكبر سنا، وسنبقى كذلك. إذ لن يأتي يوما أحد أقدم منّا. لكن يمكننا أن نكون الأكثر شبابا بين الأكبر سنّا، لأن المسألة كلّها تتعلق بطريقة التفكير والعقلية. العمر الجسدي لا يعني شيئا، لأن المهم هو الروح التي نحملها في الداخل. صحيح أننا موجودون جسديا منذ نحو 250 عاما، لكننا لا نزال نفكّر بروح متجددة، ونهتمّ بالطبيعة، ونسعى إلى التقدّم المسؤول، ونهيّئ الأجيال الشابة للغد من خلال التعليم والمشاركة.
على سبيل المثال، أقمنا العام الماضي معرضا كبيرا في الدوحة، ونظمنا مسابقة لتصميم التيجان بالتعاون مع طلاب ومصممين شباب من المنطقة. وصل ثلاثة مرشحين نهائيين إلى باريس في يناير، وخاضوا أسبوعا من التبادل المعرفي، شاركوا خلاله في دروس مع رئيس استوديو التصميم لدينا، وزاروا المشاغل والأرشيف، وتعرفوا عن كثب إلى كيفية صنع قطعة مجوهرات فرنسية راقية على أعلى مستوى. هذه هي طريقتنا في التواصل مع الجيل الجديد، مع من سيحمل الراية من بعدنا. وهي الطريقة التي نضمن بها استمرار "شوميه" في النمو والتطوّر. نعم، نحن علامة فرنسية بامتياز، لكن رئيسها التنفيذي اليوم من هونغ كونغ. ومن يدري؟ قريبا قد يكون لدينا رئيس تنفيذي عربي، أو مصمّم عربي. ولِمَ لا؟ "شوميه" إرث عالمي، وأعتقد أن هذا هو المستقبل الحقيقي.