ما بعد الجمال: هل يمكن للسجادة الحمراء أن تكون منصة فكرية؟

ما بعد الجمال: هل يمكن للسجادة الحمراء أن تكون منصة فكرية؟

نورا البشر
10 ديسمبر 2025

في مهرجان البحر الأحمر 2025، بدا واضحًا أن السجادة الحمراء لم تعد مجرد مساحة لعرض الفساتين أو تنافس العلامات العالمية، ولا حتى لالتقاط لحظات عابرة تُستهلك على وسائل التواصل الإجتماعي. لقد تجاوزت هذا الدور. تحوّلت إلى منصة فكرية، منصة تُناقَش فيها الهوية، وتُختبر فيها مفاهيم القوة والأنوثة والانتماء، ويُعاد فيها تعريف الجمال نفسه.

فجأة، لم تعد الإطلالة “صورة” بل بيانًا و لم يعد الفستان اختيارًا جماليًا فحسب، وإنما موقفًا بصريًا.

ولم يعد الظهور فعلًا استعراضيًا، بل جزءًا من حوار ثقافي يتسع يومًا بعد يوم في المملكة والمنطقة.

كان الجمال حاضرًا بكل تفاصيله، الجمال الذي يتقنه المصممون العالميون، وتحمله دور كبرى مثل Dior، Lanvin، Louis Vuitton، Balenciaga و Ralph Lauren هذا الجمال منح السجادة الحمراء بريقها المعتاد، لكنه فتح أيضًا مساحة لأسئلة أعمق تتعلّق بالمشهد السعودي نفسه وكيف يعيد صياغة موقعه.

الممثلة "انا دي ارماس" بفستان من Jenny Packham
الممثلة "انا دي ارماس" بفستان من Jenny Packham. الصورة من موقع AFP 
الممثلة "كيرستن دنست" بإطلالة من Dior
الممثلة "كيرستن دنست" بإطلالة من Dior. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"فاي بيرايا" بإطلالة من Armani Prive. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"فاي بيرايا" بإطلالة من Armani Prive. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام

أسئلة ولّدتها اللحظة الثقافية التي تتحرّك تحت السطح:

ما الصورة التي نبنيها اليوم عن الحضور السعودي؟

وأي رواية نختار أن نُظهرها للعالم عبر الإطلالات، والرموز، والخيارات البصرية؟

وكيف يمكن لمهرجان دولي يُقام في جدة أن يقدّم قراءة جديدة للهوية الإقليمية وهي تتشكل عبر الموضة؟

على السجادة الحمراء في جدة، تجلّى هذا التحوّل بوضوح.

رأينا الرموز العربية تعود كهوية تُعاد صياغتها بوعي، حاضرة بمعناها وامتدادها الثقافي.

رأينا العباءة و الصور الظلية الشرقية تُهندَس من جديد لتقف جنبًا إلى جنب مع فساتين و إطلالات من علامات أزياء راقية في مشهد يجمع بين عمق التراث وانضباط الكوتور.

ورأينا النجمات العالميات يتبنّين القصّات الطويلة، المنسابة، الهادئة، انسجامًا مع روح المدينة ومع مفهوم جمالي يرتكز على الاتزان و الاحتشام ووضوح الخطوط وقوة الحضور.

"جولييت بيونش" بإطلالة من Gucci. تصوير Daniele Venturelli بواسطة Getty images
"جولييت بيونش" بإطلالة من Gucci. تصوير Daniele Venturelli بواسطة Getty images
إطلالة مميزة و محتشمة من Queen Latifah. الصورة من موقع AFP
إطلالة مميزة و محتشمة من Queen Latifah. الصورة من موقع AFP
إطلالة مميزة و محتشمة من Queen Latifah من تصميم Georges Hobeika . الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
إطلالة مميزة و محتشمة من "كوين لطيفة" من تصميم Georges Hobeika . الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
الممثلة "أوما ثيرمان" بتصميم من Ralph Lauren. الصورة من موقع AFP
الممثلة "أوما ثيرمان" بتصميم من Ralph Lauren. الصورة من موقع AFP
"كوين لطيفة" بتصميم مستوحاة من البشت. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"كوين لطيفة" بتصميم مستوحاة من البشت. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام

 

في مشهد تتزاحم فيه الإطلالات، برزت خيارات محددة بذكاء لافت، اختيارات فهم أصحابها أن السجادة الحمراء لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وهي تُضاء من جدة، تستحق حضورًا سعوديًا لا يقلّ قوة عن حضور السينما نفسها. كان من الواضح أن بعض منسّقي المظهر والنجمات امتلكوا هذا الحس، فاختاروا أن يخدموا الموقع واللحظة معًا عبر تصاميم سعودية جاءت في موقعها الصحيح.

من بين أفضل الإطلالات وأكثرها نضجًا ووقعًا، ظهرت جمانا الراشد، الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام و رئيسة مجلس أمناء مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي بتصميم خاص من Ashi Studio، معطف وفستان بلون بني غني، بخياطة حادة وبنية تحمل وضوحًا في الفكرة والأسلوب. إطلالة تعكس هوية الدار وتضع معيارًا راقيًا لكيفية حضور الأزياء السعودية في حدث دولي بهذا الثقل.

 

الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث و الإعلام جمانا الراشد بتصميم خاص من Ashi Studio
الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث و الإعلام جمانا الراشد بتصميم خاص من Ashi Studio. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث و الإعلام جمانا الراشد بتصميم خاص من Ashi Studio. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث و الإعلام جمانا الراشد بتصميم خاص من Ashi Studio. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام

ولعل أكثر اللحظات دلالة جاءت من اختيارات نجمات أدركن وزن الظهور بتوقيع سعودي. "ريتا أورا" ارتدت تصميمًا من تيما عابد، و "كارا بونو" اختارت إطلالة من عدنان أكبر، كلاهما من مجموعات عُرضت في أسبوع الأزياء في الرياض، وكلاهما قدّم قراءة معاصرة لما يعنيه أن تظهر في السعودية بما يشبهها. كما لفتت الأنظار إطلالتا ابنة وحفيدة الممثل الأسطوري "مايكل كاين" بتصاميم من عدنان أكبر، و "فاي بيرايا" بإطلالة من IKH Fashion من تصميم خديجة السنيدي، وإطلالة الممثلة خيرية ابولبن بتصميم راقي من مشاعل الفارس، في تأكيد إضافي على أن الأزياء السعودية حين تُقدَّم بوعي، تصبح خيارًا طبيعيًا على السجادة الحمراء، لا استثناءً.

"ريتا اورا" بتصميم من تيما عابد. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"ريتا اورا" بتصميم من تيما عابد. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"فاي بيرايا" بإطلالة من IKH Fashion. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"فاي بيرايا" بإطلالة من IKH Fashion. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
"كارا بوينو" بتصميم من عدنان أكبر. تصويرTim P. Whitby بواسطة Getty images
"كارا بونو" بتصميم من عدنان أكبر. تصويرTim P. Whitby بواسطة Getty images
حفيدة الممثل "مايكل كاين" بتصميم من عدنان أكبر. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
حفيدة الممثل "مايكل كاين" بتصميم من عدنان أكبر. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
خيرية ابولبن بتصميم من مشاعل الفارس. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
خيرية ابولبن بتصميم من مشاعل الفارس. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام

هذه اللحظات لم تكن تفاصيل عابرة، إنما إشارات واضحة إلى أن الذائقة السعودية بدأت تُفرض عبر الفِعل بإطلالة تروي مكانها، وتصميم يعكس لغته المحلية، ومنسّق مظهر يفهم أن أفضل طريقة لتشريف المهرجان هي الظهور بروح المكان وصناعته.

وهكذا، بدت السجادة الحمراء للمهرجان وكأنها مختبر للهوية، تجربة حيّة تُختبر فيها حدود الجمال، وحدود المعنى، وحدود ما يمكن للموضة أن تقوله حين تُمنح عمقًا ثقافيًا.

اللافت أن التناقضات بين المحافظة والجرأة، بين الشرق والغرب، بين البساطة والترف لم تُلغِ بعضها، بل صنعت لغة هجينة لا يمكن أن تنتمي إلا إلى السعودية اليوم. لغة تحترم المكان، وتفهم سياقها، وتخاطب العالم من موقع صاعد و قوي، تاريخياً و سينمائياً و ثقافياً.

إطلالة الممثلة أضوى فهد خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
إطلالة الممثلة أضوى فهد خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
زينة مكي بإطلالة من Georges Hobeika. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
زينة مكي بإطلالة من Georges Hobeika. الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
 الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام
 الصورة من حساب مجلة هيَ على الانستقرام

السؤال لم يعد: "ما أجمل فستان؟" 

السؤال أصبح: ماذا تحاول هذه الإطلالة أن تقول؟ وما الذي تكشفه عن لحظة ثقافية تتغيّر أمام أعيننا؟

في النهاية، السجادة الحمراء ليست سطحًا لالتقاط الصور، يمكن أن تكون مساحة تفكير. وفي جدة، تحوّلت إلى ذلك تمامًا.

عندما تعبر الموضة من الجمال إلى المعنى، تصبح سجلًا يُوثّق لحظة اجتماعية تتغيّر، ويوضح اتجاهًا ثقافيًا يتشكّل. وتكشف حضورًا جديدًا للمرأة العربية، وللتصاميم السعودية والعربية وهي تتقدّم بثبات على منصة تحمل عالميتها ومحليتها في الوقت نفسه.