من بصمة Abadia إلى حضور الملكة رانيا في قطر … السدو بثوبه الحديث

من بصمة Abadia إلى حضور الملكة رانيا في قطر … السدو بثوبه الحديث

رهف القنيبط
25 نوفمبر 2025

منذ قرون، حمل السدو مكانة لا يمكن تجاهلها في ذاكرة شبه الجزيرة العربية. لم يكن مجرد نسيج، بل لغة كاملة تعبر عن البيئة المحيطة وأسلوب الحياة.

تشترك عدة دول في هذه الحرفة بوصفها جزءًا أصيلًا من تراثها، ولهذا كان طبيعيًا أن يُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي عام 2020، كملف مشترك بين السعودية والكويت، في اعتراف عالمي بحرفة تنتقل جيلًا بعد جيل، وبأن تختاره المملكة شعار لقمة العشرين G20 في عام 2020.

اليوم، لا يعود حضور السدو إلى الماضي فقط. ما يحدث الآن هو مرحلة جديدة تمامًا، حيث خرج السدو من مساحاته التقليدية، ودخل عالم الأزياء بطريقة مبتكرة تكسر الصورة النمطية عنه. لم يعد محصورًا بألوانه الأساسية أو تطبيقاته التقليدية، بل تحوّل إلى عنصر تصميمي قادر على التكيّف مع الصيحات العالمية دون فقد قيمته الرمزية. 

الملكة رانيا في قطر
الملكة رانيا في العشاء الخيري الذي أقيم في متحف الفن الإسلامي بالدوحة لدعم الأبحاث الطبية في مجال علم الجينوم الوقائي

وهذا تحديدًا ما رأيناه في إطلالة الملكة رانيا في زيارتها الأخيرة إلى قطر، حين اختارت تنورة مزينة بنقوش هندسية تبدو وكأنها مستوحاة من السدو، لكن بصياغة حديثة ترتب فيها الشريط الهندسي عند الخصر على شكل طبقات أفقية دقيقة تجمع بين خطوط مثلثية ووحدات تراثية صغيرة بألوان ترابية وذهبية. هذا المزج بين الرموز التراثية والتطريز المعدني أوجد توازناً نقل النقشة من إطارها التقليدي إلى تفاصيل فاخرة تناسب الإطلالة المسائية.

ولم يكن هذا التحول وليد الصدفة؛ فقد أسهم عدد من المصممين في الخليج وتحديداً السعودية في إبراز السدو داخل صياغات معاصرة، وفي مقدمتهم العلامة السعودية Abadia للمصممة شهد الشهيل التي أصبحت خلال السنوات الماضية، واحدة من أكثر العلامات التزامًا بإعادة تقديم التراث السعودي بلغة عصرية، حتى صارت تصاميم السدو بمثابة توقيعها الخاص.  

تدخل Abadia السدو في مجموعة واسعة من القطع الملبسية، كل منها بأسلوب مختلف يخدم القصة التصميمية. وعلى سبيل المثال لا الحصر أعادت العلامة تقديم المعطف العنابي "الفروه" بينما يزين السدو الأكمام عبر شرائط هندسية دقيقة بتدرجات ترابية وذهبية تضيف دفئًا بصريًا يوازن بين فخامة الخامة والهوية التقليدية. 

أباديا
من عرض أزياء Abadia في أسبوع الأزياء في الرياض 2025

أما في البنطال، يأتي السدو كعنصر بصري عند الخصر عبر شرائط رفيعة متتابعة، بينما يبقى القميص الأسود خاليًا من أي تفاصيل، ما يمنح الإطلالة توازنًا بين البساطة في الأعلى والرمزية التراثية في الأسفل.

أما الجاكيت بلا أكمام، فيقدّم السدو بشكل أوضح من خلال شرائط متعددة الطبقات تغطي مقدمة القطعة بالكامل. تمتزج فيها خامات المخمل والقطن والخيوط المعدنية لتشكيل إيقاع بصري مستوحى من النسيج التقليدي، لكن بملمس أكثر ثراءً وقصّة حديثة. 

Abadia
السدو كعنصر بصري عند الخصر عبر شرائط رفيعة متتابعة

ومع التوجه العالمي المتسارع نحو الموضة المستدامة، يصبح السدو اليوم أكثر حضورًا من أي وقت مضى. فهو أحد أشكال الحرف التقليدية الصديقة للبيئة بطبيعتها؛ يعتمد على مواد طبيعية مثل الصوف والوبر، ويُنسج يدويًا بالكامل، دون الحاجة إلى عمليات تصنيع كثيفة أو ملوّثة. 

ويأتي الاهتمام بالسدو اليوم متوافقًا مع إعلان عام الحرف اليدوية في السعودية، حيث يُعاد تركيز الضوء على الممارسات التي تعتمد على العمل اليدوي والمواد الطبيعية. والسدو واحد من أوضح أمثلة هذه الحرف؛ فهو يُغزَل يدويًا بخطوات متتابعة، وتنتقل تقنياته عبر الأجيال، ما يجعله جزءًا ثابتًا من الهوية الحرفية في المملكة. 

السدو اليوم لم يعد مجرد إرث محفوظ، بل ممارسة حيّة تتحرك مع الزمن. دخل عروض الأزياء، والقطع الجاهزة، والتصاميم الراقية، ووجد لنفسه صوتًا جديدًا دون أن يفقد صوته القديم. مثل وهذا ما يجعل قصته جزءًا من قصة السعودية الثقافية اليوم بلد يعرف كيف يقدم تراثه للعالم، لا كذكرى، بل كجمال قابل للعيش.