عين الخوارزمية المكوّن الخفي في صياغة مستقبل الموضة

عين الخوارزمية المكوّن الخفي في صياغة مستقبل الموضة

نورا البشر
3 نوفمبر 2025

إعداد: Nora AlBesher

لم تعد الخوارزميات مجرّد خلفية رقمية تدير تدفق المحتوى على الشاشات. في المشهد الإبداعي الراهن، صارت أشبه بــ"المكوّن الرابع" في عملية صناعة الموضة: إلى جانب المصمم، والصانع، والناقد، تمثل الخوارزمية لاعبا أساسيا يحدّد كيف تُصمَّم القطع، وكيف تُقدَّم، وكيف تُستقبل.

عين الخوارزمية المكوّن الخفي في صياغة مستقبل الموضة

الخوارزمية أداة تصميم

اليوم، تدخل الخوارزميات الاستوديو ليس فقط كمصدر بيانات حول "ما يريده السوق"، بل كأداة لتوسيع أفق الخيال. من خلال الذكاء الاصطناعي، يمكن توليد آلاف التركيبات اللونية والقصّات والهياكل في دقائق. هي ليست بديلا عن العين البشرية، لكنها أصبحت بمنزلة مختبر أولي، يفتح أمام المصمم احتمالات لم يكن ليتخيلها وحده.

المستقبل يتجه إلى مرحلة تتقاطع فيها البرمجة مع الصنعة: أنماط تولِّدها الخوارزمية، وتترجَم على يد الخياط، أقمشة تستجيب للحرارة أو الحركة بناء على برمجيات دقيقة، وأشكال ثلاثية الأبعاد تُبنى خيوطها الأولى عبر خوارزمية، ثم تُخاط في واقع ملموس.

الخوارزمية استراتيجية إبداعية

ما يحدث على مستوى التصميم ينعكس أيضا على الاستراتيجية الإبداعية. الخوارزميات اليوم لا تكتفي بتحديد الاتجاهات، بل ترسم خريطة الانتباه: أي صورة ستنتشر، أي فيديو سيُعاد تداوله، وأي قطعة ستصبح "لحظة" ثقافية.

هذه المعرفة، إذا ما استُخدمت بوعي، فستسمح للمبدع باللعب داخل المنظومة لا الخضوع لها. بدلا من مطاردة الصيحات اللحظية، يمكن تحويل الخوارزمية إلى بوصلة تكشف أين يمكن إدخال لغة جديدة، وأين يمكن كسر النسق المعتاد.

من مجموعة "جي دبليو أندرسون" JW Anderson ربيع وصيف 3202 للملابس الجاهزة
من مجموعة "جي دبليو أندرسون" JW Anderson ربيع وصيف 3202 للملابس الجاهزة

الخوارزمية كخطة تسويقية

في التــسويــــق، تحـــوّلــــت الخــــوارزمــيــــة إلى أهـــــم منـــــدوبـــــــي المبيـــعـــات. هي التي تحدد ما يظهر في الصفحة الأولى، ومن يصل إليــــه الإعلان، وكيف يُعاد تشكيل صورة العلامة التجارية. لكنها أيضا تمنح أدوات لم تكن متاحة من قبل مثل تحليل سلوك المستهلك بدقة، وبناء قصص شخصية تتماشى مع ميول الأفراد، وتخطيط حملات قادرة على التكيّف مع الوقت الحقيقي.

في المستقبل القريب، قد تصبح الحملات التسويقية ذاتها كائنات حيّة: خوارزميات تتعلم من التفاعل المباشر، فتُعدل النصوص، والصور، وحتى توقيت النشر لحظة بلحظة.

تفكيك الحاضر واستشراف الغد

الحاضر واضح: لا تصميم، ولا عرض، ولا حملة تسويقية تخلو اليوم من أثر الخوارزميات والذكاء الاصطناعي. كل ما يُنتج، يُفلتر ويُقاس ويُعاد تشكيله وفق منطق البيانات. أما الغد، فيبدو أكثر تعقيدا.

في الاستوديو، ستتحول الخوارزمية من أداة مساعدة إلى شريك في اتخاذ القرار الإبداعي، تقدّم احتمالات أولية تُختبر وتُصقل بيد بشرية تعرف أين يبدأ الحس وأين تنتهي الحسابات. في السوق، لن تكتفي التقنية بتحديد ما يُعرض، بل ستؤثر في كيفية تشكّل الذوق الجمعي ذاته، وكيف تصاغ رمزية الموضة كلغة اجتماعية وثقافية تعبّر عن زمنها بقدر ما تعكسه. أما داخل العلامة التجارية، فالعلاقة مع الجمهور ستتبدّل جذريا، من خطاب جماهيري واسع إلى تجربة فردية دقيقة، حيث يرى كل مستهلك نسخته الخاصة من العلامة، ويعيشها وفق خوارزمية مصممة له وحده.

من مجموعة "كوبرني" Coperni خريف وشتاء 4202 للملابس الجاهزة.  تصوير Kristy Sparow بواسطة Getty images
من مجموعة "كوبرني" Coperni خريف وشتاء 4202 للملابس الجاهزة.
تصوير Kristy Sparow بواسطة Getty images

الخيال المؤطَّر بالبرمجة

الخوارزمية ليست عدوّا ولا مخلِّصا. هي ببساطة مكوّن جديد، تماما كما كان دخول ماكينة الخياطة ثورة في القرن التاسع عشر، أو دخول التصوير ثورة في القرن العشرين. ما يميّز هذا المكوّن أنه يتغلغل في كل الطبقات: التصميم، والإنتاج، والعرض، والتوزيع.

التحدي أمام المبدع اليوم ليس رفض الخوارزمية ولا الانصياع لها، بل إدماجها في العملية بوعي نقدي، كأن تتحول من أداة ضغط إلى أداة تحفيز، ومن قوة إملاء إلى شريك في صياغة خيال أكثر رحابة. عندها فقط يصبح المستقبل مساحة مشتركة بين العين البشرية وعين الآلة، بين الحدس والبرمجة، بين الذوق كفعل فردي والذوق كمعادلة كونية.