اطلالة ستريت ستايل

هل نحتاج حقًا إلى كل هذه الأزياء في خزائننا؟

هلا جرجورة

دعونا نأخذ لحظة لننظر في خزائننا، كم من الفساتين أو البناطيل أو الأحذية أو حقائب اليد لم نرتديها منذ شهورأو حتى من قبل؟ في زمن تتغير فيه صيحات الموضة بسرعة غير مسبوقة، وتُغذي فيه وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار الرغبة في مواكبة هذه الصيحات، نجد أنفسنا عالقين في دوامة الاستهلاك غير الضروري. ولكن هل نحتاج حقاً إلى كل هذه الأشياء في حياتنا؟ هل التسوق الذي نقوم به مدفوع بالحاجة الفعلية، أم أننا وقعنا تدريجياً في فخ الإفراط في شراء الملابس والإكسسوارات لمجرد مواكبة الموضة أو ملء الفراغ العاطفي؟

تطور الأزياء في عالم الموضة من الغرض الوظيفي إلى وسيلة للتعبير

صنع البشر الأوائل الملابس من جلود الحيوانات وأوراق الشجر والمواد الطبيعية لحماية أنفسهم من العوامل الجوية، وعلى مر القرون كان للملابس غرض عملي بحت وهو الحماية من الطقس والبيئة، لكن ومع تطور المجتمعات، بدأت الملابس تتطور إلى ما هو أبعد من مجرد ضرورة. فأصبحت الأقمشة أنعم، والخياطة أكثر تقدماً، والملابس أكثر ملاءمة للوظيفة والمناخ.

ابتكرت الملابس كنوع من الحماية من عوامل البيئة والطبيعة
ابتكرت الملابس كنوع من الحماية من عوامل البيئة والطبيعة

مع ازدهار حضارات مثل مصر القديمة وروما والصين، بدأت الملابس تعكس المكانة الاجتماعية والوظيفة والطبقة. ومع ذلك، ظلت الفكرة الأساسية قائمة على أن الملابس في المقام الأول للحماية.

الموضة كهوية وأداة التعبير عن الذات

مع الوقت، تجاوزت الملابس دورها الوظيفي وتحولت إلى ما يشبه الهوية  الشخصية وأداة للتعبير عن الذات. وقد ساهم ظهور دور الأزياء في القرنين التاسع عشر والعشرين  مثل شانيل CHANEL وديور Dior وإيف سان لوران Yves Saint Laurent في تعزيز هذه التغيرات، حيث عبرت الملابس عن الشخصية والذوق وحتى المكانة الاجتماعية. أصدرت هذه الدور العالمية في البداية مجموعات صغيرة مختارة بعناية، عملية وأنيقة في آن واحد، تلبي احتياجات نمط حياة الزبائن في ذلك الوقت.

كريستيان ديور في ورشته يقوم بتصميم الأزياء
كريستيان ديور في ورشته يقوم بتصميم الأزياء

لكن مع ازدياد الطلب، أصبحت الموضة أكثر تجارية. وظهر مفهوم "المجموعة الموسمية"  ربيع/صيف وخريف/شتاء - والتي توسعت تدريجياً لتشمل بعد ذلك مجموعات الريزورت، وما قبل الخريف، والهوت كوتور، وأيضاً مجموعات الكبسولات خارج الموسم. واليوم، تُطلق علامات الأزياء السريعة تصاميم جديدة أسبوعيًا، وأحياناً أسرع من ذلك.  ولكن وسط هذه الانتاج الضخم الدائم التغير، لا بد من التساؤل هل نرتدي حقاً ونستعمل كل هذه الملابس أم أننا ببساطة نقتنيها لنُخزّنها؟

من عرض دار شانيل لموسم ربيع وصيف 2025
من عرض دار شانيل لموسم ربيع وصيف 2025

عصر الاستهلاك المفرط.. لماذا نشتري كل هذا الكم؟

تحولت عادات التسوق في المجتمع الحديث من الضرورة إلى الإسراف وهنالك العديد من العوامل الأساسية التي تُفسر هذا السلوك:

ضغط وسائل التواصل الاجتماعي: غذّت منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك ثقافة "إطلالة اليوم" Look of the day، حيث ينشر المؤثرون إطلالات جديدة يومياً مما يُحفذ المتابعين على اتباع نفس السلوك، وهذا بالتأكيد ما أدى إلى تزايد الاستهلاك والطلب على شراء منتجات جديدة لكن ليست أساسية.

يتسوق كثر من الناس بدافع الإنفاق العاطفي والشعور بالسعادة اللحظية
يتسوق كثر من الناس بدافع الإنفاق العاطفي والشعور بالسعادة اللحظية

الإعلانات المُوجّهة: أصبحت الخوارزميات الآن تعرف أذواقنا أفضل منا، مع الإعلانات المُستمرة  على وسائل التواصل والمحتوى الذي يُروّج لاتجاهات جديدة وعناصر غير ضرورية، يؤدي كل ذلك إلى الشراء من دون تفكير في الكثير من الأحيان.

الإنفاق العاطفي: بالنسبة للكثيرين، يُعدّ التسوق أداة لمحاربة الاكتباء أو للترفيه عن النفس، حيث أثبتت الدراسات النفسية أن شراء قطع جديدة يُعطي دفعة مؤقتة من الدوبامين، ويُشتت الانتباه عن التوتر أو الحزن، مما يُؤدي إلى ما يُعرف بـ العلاج بالتسوق أو الـ Shopping therapy.

مؤثرات الموضة والجمال: للمؤثرات دور كبير في المساهمة في تعزيز فكرة الاسراف بالشراء، حين يقمن بنشر فيديوهات للقطع التي قمن بشرائها وتجربتها أمام المتابعين بما يطلق عليه اسم Haul وبالتالي تشجيعهم على التسوق من دون تفكير من منطلق “أنا أيضاَ أريد الحصول على هذه القطعة المميزة”.

وسائل التواصل الاجتماعي والانفلونسرز عززوا فكرة الاسراف في التسوق
وسائل التواصل الاجتماعي والانفلونسرز عززوا فكرة الاسراف في التسوق

الإدمان: إدمان التسوق أمر حقيقي، وغالبا ما يُساء تشخيصه. تُصبح دورة التصفح والشراء واستلام الطرود مصدراً متكرراً لاشباع الرغبات والشعود بالسعادة.

ادمان التسوق من الممكن أن يشكل مشكل خطيرة لدى المستهلك
ادمان التسوق من الممكن أن يشكل مشكل خطيرة لدى المستهلك

كيف نتسوق بذكاء ونتحول إلى مستهلكين واعين:

الوعي هو الخطوة الأولى نحو التغيير. وللتخلص من الاستهلاك المفرط، يجب أن نُغيّر عقليتنا ونتبنى عادات مُستدامة:

توقفي قبل الشراء: ضعي المنتجات التي تفكرين في شراءها في سلة التسوق وانتظري أسبوعاً على الأقل قبل الشراء، تُساعدك فترة الانتظار هذه على التمييز بين الرغبات والاحتياجات.

انظري في خزانة ملابسك: نظّفي خزانتك بشكل دوري واختاري منها ما ترتدينه بالفعل، ومن ثم من الممكن أن تنشئي قائمة تسوق بناءً على ما ينقصك بالفعل وليس فقط على الكماليات أو القطع الغير ضرورية.

إعادة التدوير وإعادة الاستخدام: اتجاهات الموضة دورية، ولذلك فإن إعادة تصميم الملابس القديمة أو إعادة تنسيقها بطرق أكثر ابتكاراً أو حداثة يُعيدها إلى الحياة مرة ثانية.

ادعمي العلامات التجارية المحلية: غالباً ما تُنتج العلامات التجارية الصغيرة قطعا محدودة بجودة أفضل وتأثير بيئي أقل.

اختاري الجودة على الكمية: استثمري في قطع أساسية متينة وكلاسيكية بدلاً من الأزياء السريعة التي تُواكب أحدث الصيحات.

حددي ميزانية شهرية: خصصي مبلغاً محدداً للملابس والتزمي به. يُساعد هذا الأمر على الوعي أكثر عند الإنفاق وأيضاَ يحد من المشتريات غير المدروسة.

العلامات التجارية أيضاً تتحمل المسؤولية. يجب على دور الأزياء والعلامات التجارية إدراك الأثر البيئي والاجتماعي للإفراط في الإنتاج، ولذلك فإن الحد من انتاج المجموعات، واعتماد مبدأ الموضة البطيئة، وتعزيز طول عمر الملابس يُمكن أن يُقلل بشكل كبير من الاستهلاك الغير ضروري والأضرار البيئية.

نحن نعيش في عالم مادي والخيارات حولنا لا حصر لها، لكن هذا لا يعني أننا نحتاجها جميعاً، الأزياء وجدت في الأساس لحمايتنا وللتعبير عن شخصياتنا، والإسراف في الشراء له تأثير سلبي على مختلف المجالات، لهذا علينا أن نستمتع بالموضة بطريقة أكثر وعياً واستدامة.