د.دوش الدوسري لـ "هي": العمل الأكاديمي شغفي وأدب الشباب من القضايا التي تشغلني

د.دوش الدوسري أستاذ مشارك في الأدب والنقد في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حاصلة على درجة الدكتوراه وكانت رسالتها التعبير عن الذات في الشعر السعودي المعاصر (الرؤية والفن) عند جيل الشعراء من 1390-1410هـ، تتحدث اليوم في حوار مع "هي" عن إسهام المرأة والشباب في الأدب.

حدثينا عن بداية توجهك إلى عالم الأدب العربي. 

كنت شغوفة بالأدب منذ صغري ، حيث أحب الاطلاع على الأدب :شعراً ورواية وقصة ومقالة ، الأدب بكافة أجناسه ، وبكافة جنسياته : الأدب السعودي ، والعربي ، والعالمي، واستمر معي هذا الشغف مع مراحل حياتي المختلفة ، فقد قرأت للكثير: قديماً: المعري ، وأبي تمام ، والمتنبي ، وعنترة بن شداد ...

وحديثاً: غازي القصيبي ، محمد الثبيتي ، عبده خال ، رجاء عالم وغيرهم من السعودية، وقرأت لسهيل إدريس وواسيني الأعرج ونجيب محفوظ والرافعي والعقاد وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة ومحمود درويش...على مستوى العالم العربي ، وقرأت الأدب العالمي مترجماً  لإيزابيل الليندي،وإليوت ، وكويتزي ...وغيرهم.

ثم غذى هذا الشغف التحاقي بقسم اللغة العربية في جامعة الأميرة نورة ، ثم تخصصي الأكاديمي في الدراسات العليا في الأدب والنقد ، حيث اندمج هذا الشغف مع التخصص والدراسة، حتى أصبحت أقدم أبحاثي في الأدب السعودي والأدب العربي ،وأسهم في ندوات ومؤتمرات معنية بالأدب ونقده.

 ماهي دوافع استمرارك في مسيرتك الأكاديمية؟

العمل الأكاديمي جزء من شغفي ، حيث إني شغوفة بالبحث العلمي ، وشغوفة بالتدريس ، وهذان أكثر الأسباب لاستمرار مسيرتي الأكاديمية ولله الحمد ، حيث أسعى بكل جهدي لتحقيق رسالتي في خدمة وطني من خلال البحث العلمي ، ومن خلال تدريس أجيالنا الشابة من طالبات البكالوريوس وطالبات الدراسات العليا، فهذا الوطن الذي قدم لنا الكثير يستحق منا أن نقدم له كل مانملك لنطور ميدان البحث العلمي ، ولنبني عقولاً شابة مفكرة مبدعة ،وتقدم مالديها من طاقات لخدمة وطنها، فالشباب هم عدة الوطن وعتاده.

كما أن طريقة تقديم الأستاذ الجامعي لمحاضراته فيها مجال للتفكير والإبداع،إذا امتلك الشغف الكافي والقدرة العلمية المتميزة.

ثم إن العمل الأكاديمي بعيد عن الرتابة ، وفيه فرص جميلة للتألق العلمي والبحثي ، كالإسهام في المؤتمرات والندوات داخل وخارج السعودية ، وهذا ما يثري التجربة العلمية والإنسانية أيضاً..

الأستاذ الجامعي باحث شغوف ..حتى آخر لحظات حياته..

حدثينا عن إسهام المراة السعودية في الأدب، وفي الآونة الأخيرة تحديدًا ، تحت ظل تمكين المرأة في السعودية.

نحمد الله - سبحانه وتعالى – أن هيأ لنا قيادة واعية ، تعرف قدر المرأة وقدراتها ، فكان أن فتحت الميادين لها ، للعمل وخدمة الوطن ،ففي عهد الملك سلمان حفظه الله، وولي عهده الأمير الملهم محمد بن سلمان ، تأكدت هذه الرؤية، وزاد هذا التمكين وتعمق واتسعت آفاقه ولله الحمد.

ولا شك أن من ضمن هذا التمكين خدمة المرأة المثقفة والأديبة من خلال وزارة الثقافة التي تطرح بين الحين والآخر مبادرات أدبية وثقافية ، تشجع المرأة السعودية على الإسهام فيها ، بل إن الوزارة سعت بنفسها لتمكين المرأة المثقفة في أماكن قيادية كثيرة ،بلغت النصف تقريباً لتسهم في إدارة دفة الأدب والثقافة ، وهذا التمكين هو جزء من تحقيق رؤية السعودية :2030م

فالمرأة السعودية شقيقة الرجل في الطموح والعلم والعمل وخدمة الوطن ، ومتى أتيح لها المجال ،وفتحت لها الميادين تألقت وأعطت ..

وقد صرنا نقرأ عن حصول الأديبة السعودية على جوائز محلية وعربية ، تؤكد قدراتها المتميزة..ولاشك أن هذا من نتاج التمكين ونتاج رؤية السعودية 2030م

 عبر مراحل الزمن  .. كيف تطورت كتابة الأدب السعودي النسائي شكلاً ومضموناً؟ 

بوصفي متابعة لكتابات المرأة السعودية وخوصاً في السرد ، فإني ألحظ تطوراً جميلاً في المضمون ، فقد قلت النصوص النسائية البكاءة الشكاءة ،حيث الكتابات البكائية العاطفية  ، التي تكاد تجعل الرجل مشكلتها الوحيدة في الحياة ، إلى كتابات أكثر عمقاً وأكثر إنسانية وأكثر شمولية.

فقد التفتت الكاتبة السعودية في القصة خصوصاً إلى الهم المحلي والإنساني ، والتفتت إلى قضايا الهوية وإشكالاتها ،وقضايا المجتمع والتعبير عن الإنسان، بشكل أكثر شمولية وعمقاً..وذكاءً..

من وجهة نظرك كناقدة أدبية، تحدثي لنا عن أهم الأسماء في مجال الأدب السردي السعودي النسائي، ومايميز كلاً منهن؟

من أهم الأسماء الروائية النسائية السعودية العميقة :رجاء عالم ، فهي تتميز بأسلوب عميق ، مجلل بالرمز والغموض، وهي تتجه لقضايا الفكر والهوية والانتماء والكون والإنسان ، كما أنها أخلصت في التعبير عن مكة المكرمة والبيئة الحجازية.. مكاناً خاصاً في رواياتها..

 وهناك القاصة : سهام العبودي ، التي تتميز بلغة مختلفة مدهشة في القص ،تأخذ من الشعر رهافته وصورته ورمزه ، كما أن مضامينها بعيدة العمق ، مستسرة ، تحتاج لكثير من التأمل للظفر بها، فهي تحلق في عالم الإنسان ، معبرة عن ألمه ووجعه وحلمه ..كما أنها تحلق في الكون والحياة ..مفكرة متأملة ، معبرة ..

 وهناك الراوئية أمل الفاران التي تعمقت في تصوير البيئة المحلية ( وادي الدواسر ) تحديداً، وعوالم الصحراء ،وتعمقت في رسم شخصياتها الروائية، بواقعية ومهارة، بعيداً عن الأسطرة..وتضخيم الشخصيات ،ورسمها بصورة مثالية مبالغ فيها ، أو رسمها بصورة شريرة مبالغ فيها ايضاً..

ولاشك أن هناك أسماء أخرى متميزة ، ولكن المجال لا يسمح بالحديث عنها كلها في مساحة ضيقة..

نلاحظ أن جيل الشباب شبه مهمل من قبل النقاد، والمقصود بجيل الشباب هم مواليد التسعينات والألفية، كيف عبروا عن ذواتهم وهوياتهم في الأدب؟ وما رأيك بما يقدم من قبل؟ 

 الحقيقة أن ( أدب الشباب ) من القضايا التي تشغلني ،وأنوي مستقبلاً خدمته بشكل أعمق وأكثر.

 فقد خدم النقد كافة تيارات وأجيال الأدب السعودي ،وخصوصاً جيل السبعينات والثمانينات الميلادية..

 وأرى أنه قد حان الأوان لخدمة أدب الشباب من جيل التسعينات وجيل الألفية الثالثة،بشكل أعمق واكبر،حيث نريد أن نعرف لغة هذا الجيل ،وهمومه ، وأفكاره، وتعبيره عن الهوية والانتماء ..وعن الكون والحياة والإنسان..فالأدب هو الحياة والحياة هي الأدب..

كيف ستساهم رؤية 2030 في إبراز الجيل الأدبي الشاب؟ 

لقد أعطت الرؤية اهتماماً كبيراً لجيل الشباب، وتضمنت في آفاقها العليا حضوراً واضحاَ لجيل الشباب، وعلينا كلنا من أكاديميين ونقاد أن نسهم في إبراز هذا الاهتمام ونترجمه واقعاً..في الالتفات لجيلهم أدباً وثقافة وتفكيراً..

في الختام، مارأيك بالجهود المبذولة في المملكة لإبراز الأدب بشكل خاص واللغة العربية بشكل عام؟ 

الحقيقة أن وزارة الثقافة تعمل بشكل دؤوب ومبدع ومختلف في خدمة الأدب والثقافة في السعودية ممثلة بمادراتها الدائمة المختلفة ، المهتمة بالأدب والكتب والنشر والترجمة وغيرها..وكذلك الاهتمام بالجوائز الثقافية الوطنية في الشعر والرواية والقصة وأدب الطفل..هي وزارة نشيطة عاملة ..محفزة ودافعة للإبداع.

أما اللغة العربية فهناك مجمع الملك سلمان لخدمة اللغة العربية وله جهود كريمة ومنظمة في خدمة اللغة العربية في البرامج الثقافية والتخطيط اللغوي وخدمة الناطقين بغير العربية ..وغيرها..

ومن المهم تكامل كل هذه الجهود ، وتآزر كل الأطراف المعنية باللغة والأدب ، وتضامن المهتمين في التعليم العام والجامعي بل حتى الأسر، من أجل إنجاح هذه الجهود..

فإن أردنا ازدهار لغتنا العربية وآدابها علينا جميعاً أن نمضي نحو هذا الهدف بكل مانملك من ألق ، وإبداع..

ختاماً ..أشكر لمجلة ( هي ) هذا اللقاء ، وللمحررة أ.جمانة الشيخ هذه الأسئلة المهمة والمعاصرة والحيوية ،وأرجو أن أكون قد قدمت ما يفيد وما يمتع أيضاً,,