أدباء إسبان وإماراتيون يناقشون دور القهوة ورمزية الماء في بناء مشترك ثقافي تاريخي بين العرب والإسبان

شهدت فعاليات "أيام الشارقة الأدبية" التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب، بالتعاون مع "البيت العربي" في اسبانيا، سلسلة من الجلسات النقاشية والندوات المعرفية، التي تتناول حجم التبادل الثقافي التاريخي بين العرب والإسبان، حيث جمعت "الأيام" في كل من مدريد وقرطبة نخبة من الأدباء والباحثين والكتاب في حواريات مفتوحة حول تاريخ القهوة في المنطقة العربية واسبانيا، ورمزية الماء ودلالاته في الأدب الأندلسي.

رحلة القهوة العربية

وجاءت الجلسات التي عقدت في كل من مدريد وقرطبة، بعنوان "رحلة القهوة العربية" وتحدث خلالها سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وإنكارنا جوتيريز، وألفونسو كوبادو، فيما حملت الجلسة الثانية عنوان "الماء في الشعر العربي والأندلسي" وتحدث خلالها كل من عوض خليفة بن حاسوم الدرمكي، وخوسيه ميغيل بويرتا، وخوان أنطونيو بيرنييه، بحضور سعادة أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب.

سفير العرب

واستهل الدكتور المسلم حديثه عن القهوة، بالقول: "تعد القهوة أساساً للضيافة في المجالس العربية، هي رمز من رموز الكرم، كما أنه يوجد مهنة خاصة لمن يعد القهوة يسمى (القهوجي)، لذلك فإنه بعد إعلان اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971 تم وضع القهوة على الدرهم، في تأكيد على اعتزاز الإمارات بهذا الرمز".

وأضاف: "يحمل الدرهم الإماراتي واحد من أشكال وأنواع الدلال المعروفة في المنطقة العربية، وهي الدلة القريشية، التي تصنع من النحاس، وتوضع لها أقراط كأقراط النساء"، مشيراً إلى أن أول دلة استخدمت في الإمارات تاريخياً هي دلة صنعت من الفخار، وصنعت في وادي حقيل (حجيل) في رأس الخيمة.

دلائل القهوة

وعن أنواع دلال القهوة، أوضح المسلم، أن دلال القهوة في الإمارات ثلاث، وهي الدلة الكبيرة التي تسمى الخمرة، وذلك لأن القهوة تختمر بها، والدلة الثانية هي المزلة، والثالثة هي التلجيمة، التي تلقم فيها القهوة بالمطيبات، لافتاً إلى مطيبات القهوة عديدة، ومنها الزعفران، والهال، وماء الورد، والقرنفل، للمبالغة تضيف بعض القبائل العود في القهوة، وتسمى حينها (قهوة العود).

القهوة في الإمارات

وتحدث عن ما يعرف في القهوة الإماراتية العربية بالفنجان المسبوع، وهو الذي يضاف إليه عدة نكهات؛ ماء الورد، والزعفران، والقرنفل، والهال، وجوزة الطيب، والبن، مشيراً إلى أن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه كان يطلب هذا الفنجان ويحبه.

واستعرض المسلم أسماء فناجين القهوة في التقاليد الإماراتية، بقوله: "لدينا تسميات لفناجين القهوة، منها فنجان الضيف، وفنجان الكيف، وفنجان السيف، وفنجان الحيف، وكلها لها حكايات مرتبطة بتقاليد"، وأضاف: "أما عادات شرب القهوة وخاصة للضيف، فهي أنه يجب عليه شرب ثلاثة فناجين، ومن العيب ان يرد أحدها، وبعد ذلك أي الفنجان الرابع، فيمكن للضيف أن يرده ويعتذر عن شربه".

الدور التاريخي للقهوة

من جانبه توقف إنكارنا جوتيريز عند الدور التاريخي للقهوة في بناء جسور للتواصل والتبادل الثقافي بين العرب والإسبان، مؤكداً أن القهوة ظهرت في الحبشة وانتقلت إلى اليمن ثم منطقة الخليج، ليتسع انتشاها وتصل بعد ذلك إلى شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كاملة، في حين وصلت إلى أوروبا في القرن السادس عشر وتعزز حضورها في القرن السابع عشر، وهو ما فتح الباب لعلاقات استيراد قوية بين المنطقة العربية وأوروبا عامة.

وأوضح أن استيراد القهوة لم يكن مقتصراً على حبوب البن، وإنما شمل تبادلاً ثقافياً، وحضارياً، ودينياً كاملاً وصل مع القهوة إلى أوروبا، مشيراً إلى أن هذ الدور التاريخي للقهوة ترسخ عبر الزمن، وباتت القهوة اليوم رمزية للقاء والحوار والتواصل، بحيث لم يعد أي حوار في العالم وخاصة في المنطقة العربية يجري إلا في سياق (لنشرب فنجان قهوة معاً) في إشارة إلى بدء الحوار والتعارف.

الماء في الشعر العربي

وخلال جلسة "الماء في الشعر العربي والأندلسي" أكد خوسيه ميغيل بويرتا أنه مع ظهور الإسلام في الأندلس، بدأ استخدام الماء ودلالاته في الشعر والأدب وفي النصوص الصوفية الأندلسية بكثرة، معيداً ذلك إلى أن ثقافة الإسلام قائمة على الصفاء والسلام والحياة، ومؤكداً أن ذلك يمكن تلمسه في تأمل قصور الأمويين التي تتزين جدرانها بأبيات شعرية تتغنى بجماليات الماء، بالإضافة إلى أنماطها المعمارية التي تستند على البرك والنوافير.

وتوقف خوسيه عند حضور الماء في العمارة الأندلسية، والشعر الذي تغنى بالقصور في غرناطة، مشيراً إلى أن الماء تمظهر في عدة أوصاف، كان أبرزها الفضة، ووظف الشعراء جمالياته في الغزل، وفي المديح، وفي الرثاء وفي وصف الأمكنة، للحد الذي بات فيه الماء مقابلاً للجنة في الأدب الأندلسي، والنار مقابلاً للجحيم.

وأعاد الفضل إلى انتشار الحمامات وما يرافقها من تجربة الاستجمام إلى الثقافة العربية والإسلامية، موضحاً أن الحمامات في الأندلس قبل المسلمين كانت مقتصرة على النخبة من الأثرياء ورجال السلطة والحكام فقط ولم تكن متاحة للجميع.