‏"أهو ده اللي صار"..الدراما ترجع إلى الخلف!‏

الكاتب الأبرز في جيل كتاب الدراما التليفزيونية الحالي، يخرج مسلسله بهذا الشكل!، من أخطأ في حق "أهو ده إللي صار"، المخرج وفريقه، طابور الإنتاج، أم داء التعجل أصاب حتى عبد الرحيم كمال، المؤكد هنا أن الجمهور أبدا لم يظلم العمل الذي يشاهد بتأن واهتمام، وبمتابعة خاصة لكل تفصيلة به.. ربما يكون هذا الاهتمام الكبير من باب "العشم" في اسم المؤلف الذي لم يخطئ في تقديراته ولم يعبث أحد بحساسية ميزانه يوما.. حتى جاء "أهو ده إللي صار"!

وجد مشاهد العمل نفسه تدريجيا يتعامل مع المسلسل على أنه قسمين، الأول هو الأكثر اتساقا ومنطقية، ويشبه كثيرا عبد الرحيم كمال كمؤلف له هيبته، وحاتم علي كمخرج له تاريخ  كبير مع النجاح، حيث يعيش الجمهور مع نادرة ويوسف ورفاقهما. أما القسم الثاني فهو لا يشبه أي مسمى، مجموعة من الشخصيات التي تلهث هنا وهناك لتصنع حدوتة غير محبوكة ولا مقنعة، حيث إقحام الإرهاب والتطرف، مع فساد رجال الأعمال، والإعلام، ورغم أنها أمور تبدو بديهيا تخدم بعضها البعض ولكنها قدمت بطريقة منفصلة ومتناثرة، يبدو صاحب العمل وكأنه يريد أن يقول كل شيء هنا، فلا نخرج بحكاية تستحق المتابعة، ناهيك عن شخصيتي سلمى ويوسف التالت، من المستحيل أن تصدق أن من نسج حكاية العاشقين في الزمن القديم، هو نفسه الذي سهر الليالي ليخرج لنا بكل هذا الافتعال، حيث المشاهد المتقطعة بلا دراما حقيقية.

 المشاهد الرومانسية الكارثية التي تبدو وكأنها مصنوعة بمازورة رواد السوشيال ميديا، مقارنة بلقطات نادرة ويوسف قد تكون أسوأ ما في تلك الحكاية التي شيئا فشيئا نجح مشاهدي المسلسل المخلصين في أن يسقطونها من حساباتهم بعد كثير من المحاولات التي أعطوا فيها لصناع المسلسل الفرص لتستنفذ عن أخرها، ليبقى السؤال، لماذا لم يكتفوا بتقديم الحكاية "الحقيقية" والصادقة فقط؟، شاهدنا كثير من المسلسلات التي تدور في العشرينيات وحتى الخمسنيات مؤخرا وحققت قبولا، فما الدافع القهري الذي جعلهم يضيعون مجهودهم ووقت المشاهد في هذه القصة؟!

سلمى هي أكثر نموذج كاريكاتوري وكارتوني قدم للصحفيات في السنوات الأخيرة، تبدو مشاهدها مضحكة جدا وهي تحاول إقحام فلسفة التصوف في كلماتها اليومية، فبدت متفلسفة ومزيفة، كأن تقول جملة باللغة العربية الفصحي وتتبعها بعبارة عامية :"قلبي يحدثني بأنك متلفي يا بن اللذين".. إنها لعبة سبق وقدمها عبد الرحيم كمال بنجاح ساحق وباهر في مسلسل "يونس ولد فضة"، حيث أدى عمرو سعد تلك النوعية من المشاهد ببراعة وخفة ظل ستبقى في الذاكرة طويلا.

على النقيض تأتي سلمى "روبي"، لتجعل ثقافة التصوف التي يتميز فيها عبد الرحيم كمال كثيرا، تظهر مصطنعة ومتكلفة، قد يكون السبب الأساسي أن شخصية سلمى وتركيبتها الدرامية مفككة من الأصل، وقد يكون لأن روبي لم تعرف كيف تمسك خيط الشخصية جيدا، فتأتي مشاهدها كفتاة تحاول أن  تكون مثقفة وعميقة ومجنونة وكوميديانة وحالمة، وتأخذ بالعلامات وتقدس "سبحتها" ثقيلة، ثقيلة جدا، فيشعر المشاهد بالشفقة على تلك الفتاة "سلمى" من كثرة ادعائها وتمثيلها، ومحاولة تلبس شخصية بعيدة عنها، فسلمى شخصية جديرة بالنفور من شدة بؤسها في الحقيقة لا أن يقع في غرامها شاب من أول كذبة مثلما فعل يوسف التالت.

لقطة من "أهو ده إللى صار"

الميزة الوحيدة أن أمر مثل هذا يجعل هناك اختلافا كبيرا بين شخصيتي سلمى ونادرة حيث تجسدهما روبي، الأولى من منطلق الاستسهال، والمبالغة، والثاني من باب العذوبة والجمال، والاجتهاد في الإمساك بكل نقطة في الدور.على العكس يأتي أحمد داوود في دوري يوسف الأول ويوسف التالت، دون أدنى اهتمام بإظهار أي اختلاف في الأداء بين الشخصيتين، نفس طريقة الكلام، والهنات، والصمت، والنظرات الحائرة، قد يكون هذا أحد أضعف أداء قدمه أحمد داوود في السنوات الأخيرة.

رغم أن قصة نادرة ويوسف هي الأكثر اكتمالا ومنطقية في المسلسل، لكن تبقى بعض عوامل الضعف المتعلقة بالتنفيذ في الأساس، حيث أن بعض الأبطال يظهرون بشعر أغلبه أبيض، ثم في مشهد آخر بنفس اليوم نجد مساحة الشعر الأبيض أقل كثيرا دون مبرر، وهو أمر تكرر على مدى مراحل كثيرة، بخلاف أن سوسن بدر في دور خديجة هانم، تبدو في مرحلة من المراحل وقد أًصابها العجز بالوهن وبضعف الحركة، وتبدو عليها علامات التقدم بالعمر واضحة جدا، ثم بعد سنوات تعود أصغر سنا سواء في حركتها أو مكياجها وكأن الزمن يعود إلى الوراء، كان هناك مشهد مأساوي أيضا حينما علم يوسف بمرضه، وخرج من المستشفى بهالات سوداء ووجه مصفر، وعلامات مرض واضحة، وبعد دقائق حينما كان يتمشى مع والدته بالشارع اختفت كل تلك العلامات!

مسلسل "أهو ده إللي صار"

بخلاف أنه لا يوجد اهتمام حقيقي بأن ينطق أهل إسكندرية حيث تدور أغلب الأحداث؛ لهجتهم الشهيرة كما هي، وهو أمر يتكرر في قصتي المسلسل، حيث يبقى الحفاظ على اللهجة أمر فردي تماما.

تبقى هناك أيضا بعض الملاحظات على العمل الذي انتظروه محبو الدراما لأكثر من عام. سوسن بدر هي اختيار أساسي لعبد الرحيم كمال في أغلب أعماله فهي حاضرة في "الرحايا والخواجة عبد القادر ويونس ولد فضة ومؤخرا أهو ده إللى صار"، وهي ممثلة لا غبار عليها، ولكنها في خديجة هانم، لم تأت بجديد كانت تكرر نفسها في شخصيات أعمالها السابقة لنفس المؤلف، السيدة قاسية القلب التي تريد التحكم في من حولها لتحقيق هدفها هي فقط دون مراعاة لمشاعر أي شخص سواها، فقط غيرت الباروكة وموديلات الفساتين!

علي بحر نجم المسلسل الأول هو الأكثر موائمة في الحقيقة لنادرة. الشخصيتان على نفس القدر من العذوبة ونفس مستوى الأداء أيضا، شخصية ثرية، وأداء خاطف لمحمد فراج، من الأدوار التي سوف تعمر كثيرا، وبعدد مشاهد قليلة يأتي الفنان عصام توفيق ويأخذ الاهتمام وصيحات الإعجاب، بدور هلاوي، ممثل ذكي عرف كيف ينجو من فخ تقديم دور الزوج الجاهل الشرس بالطرق التقليدية، والمفاجأة أن كثيرين أحبوا هذا الرجل رغم كل هذا التجهم.

على الطيب في دور وديع بساطي هو أيضا من أمتع الشخصيات وأفلت فيه الطيب أيضا من فخ الأسلوب النمطي في الأداء، وكذلك أروى جودة، التي تقدمت كثيرا جدا في دور أصداف، ومن أعذب وأفضل الأدوار أيضا زكريا والد نادرة الذي قدمه باقتدار محمود البزاوي، وكذلك من أكثر الممثلين تميزا عزوز عادل في دور أكرم، وتيام قمر في دور فرح، ولاشينة لاشين في دور بمبى، وهشام إسماعيل بخفة ظله في دور الشيخ زهار.