الدراما الرمضانية بين التسلية والقضايا الجادة.. البدايات الناجحة في "فاتن أمل حربي" و"المشوار" و"مين قال؟"!

هناك نظرية تتبنى تقديم الموضوعات الكوميدية أو المسلية الخالية من أى مضمون لمشاهد الدراما الرمضانية؛ ظناً أن المشاهد الصائم لا يستطيع إرهاق ذهنه في أعمال جادة وافكارها عميقة، ولكن هناك أعمال تبتعد عن الخفة الدرامية وتسبح عكس التيار الدرامي، وتحاول المزج بين مُناقشة قضايا جادة وتقديم دراما جذابة.

هناك خط رفيع بين حكايات الدراما التي نقضي معها وقت مسلِ، ونشاهد تفاصيلها من خلف زجاج الإبهار، وبين الأعمال التي تلتقط حكايات من الواقع وتُعيد صياغتها بحساسية على الشاشة، وتكسر الحاجز الزجاجي بين المشاهد وما يراه على الشاشة، ورغم كثافة الأعمال المُقدمة هذا العام في رمضان، لكن بعضها أجده مُلفتاً؛ ليس بسبب رسالته الإجتماعية والإنسانية فقط؛ بل لانه يجتهد في السرد الدرامي، ويحرص على أن يكون أسلوب السرد جذاباً حتى لو كان موضوع العمل ميلودرامياً أو يتعامل مع حكاية تبدو عادية ومألوفة.

بين الفتنة والامل والحرب الزوجية!

" فاتن أمل حربي" شابة هجرت ملامحها الفتنة، وأحالها زواج فاشل إلى أنثى فقدت أنوثتها، ولم يعد لها أمل في الحياة سوى النجاح في تربية إبنتيها، وبالإضافة الى فقرها وحياتها الصعبة يفرض عليها زوج فظ حرباً لا ترغبها من اجل إبنتيها، وتبدأ هى في التمترس خلف قوانين الأحوال الشخصية لتحمي نفسها وبناتها.

في المشاهد الأولي من مسلسل "فاتن أمل حربي" تتداخل اللقطات بصورة مربكة؛ فنحن نرى مشاهد استعدادات البطلة "فاتن أمل حربي" (نيللي كريم) لزفافها، ولكن المأذون يحضر لإجراءات طلاقها من زوجها "سيف" (شريف سلامة)، ونفهم أنها بعد عشر سنوات زواج وطفلتين كانت تسعى لهذا اليوم الذي تتخلص فيه من زوجها، وهو رجل صعب المعاشرة، وما بدا أنه طلاق صعب تبعه إحتفال البطلة مع صديقاتها هو في الحقيقة بداية لحرب شرسة يشنها الزوج الغاضب على الزوجة التي رفضت إستمرار علاقتها به.

من السطحية التعامل مع المسلسل من زاوية أنه واحد من حلقات "نيللي كريم" مع مسلسلات النكد والعلاقات الفاشلة مع الرجال؛ لان كل عمل له خصوصيته وتفاصيله، و"فاتن أمل حربي" مسلسل يروي بعض من واقع المرأة مع منظومة الزواج المعاصرة في مصر، وتأثرها بقوانين الأحوال الشخصية، والثقافة الإجتماعية، وهو بالإضافة ألى موضوعه ورسالته الواضحة يحاول سرد الحكاية بشكل جذاب وتفاصيل لها خصوصيتها، ويرسم "شريف سلامة" شخصية الزوج الفظ بأداء بعيد عن النمطية؛ فرغم أن عنفه وعصبيته واضحة على السطح لكن نظراته تنفلت أحياناً بمشاعر تُناقض سلوكه، وتُحاول إخفاء ضعف شخصيته وتناقضها، وحتى الآن أداء (شريف سلامة) للشخصية مُعبراً للغاية.

الحلقات الأولى تشي بمسلسل جذاب يحمل على كاهله تقديم قصة شائكة وصعبة عن صورة من صور علاقة الرجل والمرأة والأبناء بعد الطلاق، وهو من نوعية الأعمال التي تجذب المشاهد الذي يُمكنه لمس تفاصيلها ومعايشتها، وهو عن قصة الكاتب "إبراهيم عيسى"، وإخراج "محمد العدل".

تشويق محمد رمضان!

مسلسل "المشوار"، تأليف "محمد فريد"، وإخراج "محمد ياسين"، ويُقدم حكاية غامضة عن زوجين فقيرين يعملان في مصنع إنتاج للملح بمنطقة المكس بالأسكندرية، لديهما إبن صغير، ويعيشان مؤقتاً في منزل خالة الزوج، نرى الزوج يعمل بيدية في جبل الملح ولكنه أمين يرفض عرض سائق بالمصنع لتهريب عدة أشولة خلسة كل يوم مقابل بعض المال، ويبدو العمل من الوهلة الأولى عن كفاح أسرة شابة مع ظروف المعيشة الطاحنة، ولكن يتسرب الغموض والقلق تدريجياً ونكتشف أن كلا الزجين هاربين من أمر لم تتكشف معالمه بعد، والأمر المؤكد ان البطل يحمل حقيبة مليئة بالدولارات أسفل سريره.

أجواء ناجحة على مستوى التشويق والغموض تؤسس له صورة جيدة تحمل ملامح غائمة من أجواء الأسكندرية، وحبكة تنمو على مهل، وشخصيات لا يُمكن توقع حقيقتها بسهولة، وأظن انه قد يكون نقلة في نوعية الدراما التليفزيونية التي يقدمها "محمد رمضان".

مين قال وصراع الأجيال؟!

يجسد "جمال سليمان" في مسلسل "مين قال؟" دور الأب المُتسلط والجذاب في نفس الوقت، وهى تركيبة غير مُعتادة في الكتابة الدرامية؛ فهو أب لطيف في العموم ومُعتد بذاته ومؤمن بأنه بحكم الخبرة والعمر يعرف مصلحة أبنائه أكثر، ولكنه يصطدم بطموح ابنه خريج الثانوية العامة، ويُصر على أن يوجه مساره الجامعي والحياتي باللين حيناً والقسوة أحياناً.

أختيار موضوع طموح علاقة الأباء والأبناء يبدو مغامرة درامية رمضانية، ولكن المسلسل حتى الآن يقدم الحكاية بجاذبية، ويتبنى طرح وجهة نظر البطل المراهق، وحقه في التحيز لطموحه وأفكاره حتى لو كانت خارجة عن المالوف وصادمة لعقلية والده النمطية، وإذا استبعدنا مشكلة عدم إجادة "جمال سليمان" للكنة المصرية فالمسلسل نجح في طرح بداية جيدة لحدوتة مُعاصرة عن شباب الجيل الحالي، والفجوة بينه وبين جيل الأباء.
المسلسل من كتابة ورشة "سرد" لمريم نعوم، عن قصة "مجدي أمين"، وإخراج "نادين خان".

هناك العديد من الأعمال الأخرى التي تبدو حلقاتها الأولى مُبشرة، ولكنها لم تنجح في جذب المُشاهد تماماً؛ ربما لأنها لم تنجح في تحقيق التوازن بين المضمون الجاد والأسلوب الجذاب، وهذا موضوع قد نطرحه لاحقاً في تحليلات أخرى لدراما رمضان.
 

الصور من الحساب الرسمي للنجوم على أنستجرام