الشهرة والـ "تريند" على طريقة أنور وجدي و فؤاد المهندس و حسن يوسف ؟!

حينما يسعى شخص مغمور للشهرة السريعة قد يقوم ببعض الحماقات التي تبدو مُضحكة من زاوية ما، وهناك بالفعل أفلام كوميدية عن حكايات الشهرة، ولكن في الواقع قد يصل الهوس بالبعض حد ارتكاب الجرائم بغرض الشُهرة، وهناك قصة مُتداولة من كواليس السينما المصرية تعود لأواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وتحكي عن غرام موظف شاب يُدعى "صلاح الدين" بالفنانة "كاميليا"، وهى قصة تصلح لتكون فيلم سينمائي بكل ما تحمله من تفاصيل درامية مثيرة عن الحب وجنون الشهرة. 

بروفايل مزيف: لفت نظر المحبوبة!

يذهب "صلاح الدين" كل يوم إلى السينما ليتأمل ملامح محبوبته "كاميليا" على شاشة السينما الكبيرة، ولأنها لا يُمكن أن تراه من خلال صورتها المضيئة على الشاشة، فكر أن يلفت نظرها بأى طريقة، ولتحقيق هذا الحلم كان عليه أن يكون ثري ومشهور؛ ولهذا أنشأ شركة إنتاج بعنوان "أفلام المجد الوطنية"، وتواصل مع شخصيات من الوسط الفني، وأقنعهم أنه يرغب في إنتاج فيلم، وكان شرطه أن تكون "كاميليا" بطلته، والشرط الثاني أن يكون هو شخصياً بطل الفيلم.

كان الفيلم الأول والأخير للمنتج والممثل "صلاح الدين" بعنوان "ولدي"، وأخرجه عام 1949 "عبد الله بركات"، ووافقت "كاميليا" على بطولته دون تردد؛ فقد عرض "صلاح" عليها مبلغاً لا يُقاوم، وتعاقد مع نجوم كبار مثل "إسماعيل يس"، و"محمود المليجي"، و"أحمد علام" للمُشاركة في الفيلم، وقبل الإفتتاح ألقت الشرطة القبض على الموظف الفقير "صلاح الدين"، وأودع السجن بعد اتهام النيابة له باختلاس مبلغ مالي كبير من شركته، وذهب الجمهور إلى دور العرض لمشاهدة اللص الذي سرق ليقف بجوار حبيبته أمام الكاميرا.

كاميليا وصلاح

التريند: أن تُلفق لنفسك جريمة قتل!

قصة الشخص الذي يفعل أى شيء ليربط اسمه بـ"تريند" (Trend) معروف ومشهور كانت موضوعاً لبعض الأفلام الكلاسيكية، وهى أفلام نحتاج إلى إعادة مشاهدتها مرة أخرى هذه الأيام، وقد كتب ومثل وأخرج "أنور وجدي" للسينما قصة بهذا المعنى، وقام بتجسيد شخصية وحيد في فيلم بعنوان "قطر الندى"، وعُرض الفيلم عام 1951، وأهداه "أنور وجدي" إلى الشباب، ووصف الفيلم بأنه فيلم عن الكفاح والصبر والتضحية من أجل الحياة.

الفيلم يحكي عن فنان مغمور تزوج زميلته "شادية"، وعانى كلاهما الفقر الشديد، وظن وحيد أنه يحتاج للشهرة ليعرفه الجمهور؛ فيتفق مع زوجته أن تختفي فترة من الزمن، ويدعى أنه قتلها، وهنا يربط وحيد اسمه بتريند جريمة يتناولها الإعلام والصحافة بصورة مُكثفة، ويتصادف بعد اعترافه مباشرة عثور الشرطة على جثة امرأة مقتولة تظنها الشرطة زوجته، ويُتهم بجريمة قتل حقيقية، ويُصبح حديث الناس والصحافة، ويفشل في تبرئة نفسه، لأن زوجته لم تظهر كما اتفقا، ولم يعرف أنها تعرضت لحادث وفقدت ذاكرتها. 

رغم غرابة المُصادفات التي استخدمها السيناريو في صناعة المشاكل للبطل، إلا أنه كان يحاول أن يُبرز كيف يُمكن أن يتحول الهوس بالشهرة إلى سلاح قاتل يصيب صاحبه؛ فالبطل كاد يُشنق عِقاباً على جريمة لم يرتكبها، والمحامي دافع عن منطق مُوكله المغلوط، والفيلم كافىء البطلين في نهايته بالشهرة والثروة.

المتابعون: البحث عن جمهور ولايكات

على عكس وحيد في "قطر الندى" نرى ياسين "حسن يوسف" في فيلم "المُغامرة الكبرى" 1964 يسعى للشهرة بلا هدف مُحدد؛ فهو شاب مُغامر غريب الأطوار، يكتب اسمه على أغلفة روايات القصص الشهيرة، ويضع صوره على أفيشات الأفلام، ولو كان يمتلك إنترنت وحسابات على السوشيال ميديا، سنجده من هؤلاء الحمقى الذين يرغبون في لفت النظر بأى وسيلة، وغالباً سينشر الفيديوهات التافهة الغريبة، ويكتب بوستات خيالية عن وقائع لم تحدث، ويملأ فضاء الإنترنت بصور مُفبركة ملفتة تجلب له الكثير من اللايكات والمشاهدات، وحينما يتم حبسه 24 ساعة بسبب إزعاج المحكمة أثناء نظر قضية ما يُصبح مشهوراً للغاية في بلدته، وهذا يدفعه للبحث عن الشهرة على نطاق أكبر، ويذهب إلى محامي مغمور "فريد شوقي"، ويعرض عليه أن يُدافع عنه في قضية قتل طبيب، وهى جريمة حيرت الشرطة وشغلت الرأى العام، وياسين في الواقع لم يرتكب الجريمة، ولكنه يسعى لربط اسمه بتلك القضية الشهيرة، وحسب الإتفاق بينه وبين المحامي سيدعي الشاب أنه القاتل ويدافع عنه المحامي، ويحصل كلاهما على الشهرة والأضواء، ثم يقوم المحامي بتبرئة موكله، ولكن القضية تتعقد، ويتورط ياسين في القضية بالفعل، ويُصبح على المُحامي البحث عن أدلة براءة موكله، الذي أصبح قريباً للغاية من الإعدام.


الهاشتاج: السفاح والجميلات

على نفس التنويعة الدرامية نرى في فيلم "سفاح النساء" البطل يقوم بدور صحفي يبحث عن سبق صحفي لمجلته، يحقق به الشهرة ويزيد من توزيع المجلة، وعلى طريقة "أنور وجدي" و"شادية"، تقترح سوسن "شويكار" على خطيبها الصحفي محسن عبد البر "فؤاد المهندس" أن يدعي أنه السفاح الشهير الذي يقتل النساء بسبب عُقدة نفسية، وتنشر الصحافة والإذاعة جرائمه، ويُغني له المطربون، وفي الفيلم محاكاة ساخرة لأغنية "عبد الحليم حافظ" المعروفة "سواح" التي أصبح اسمها "سفاح".

يُخبر الصحفي الشرطة أنه قتل خطيبته، ويحصد الشهرة والإهتمام الجماهيري، ويخص مجلته بحوارات حصرية عن حياته، لكن السفاح الحقيقي ينتقم منه، ويخطف خطيبته، ويتورط بالفعل في جريمة عمد عقوبتها الإعدام شنقاً.

يشير الفيلم في أحداثه إلى فكرة التريند الصحفي بعمل مُقارنة بين المقالات الجادة للصحفي المثقف محسن عبد البر، ومُذكرات البلطجي المعلم حربي "محمد رضا" التي تنشرها المجلة في حلقات مُسلسلة؛ فالأول لا يُقبل القراء على مقالاته رغم جودتها، والثاني تُحقق مذكراته التافهة في عالم البلطجة نسبة مبيعات هائلة، ولهذا يستسلم الصحفي المُثقف للوسيلة الأسهل والأسرع للشهرة، وهى إتهام نفسه بجرائم السفاح.