رؤية نقدية : جوائز التمثيل تكشف ظلم الأوسكار

90 عام من الأوسكار.. حفلة وضع عليها الكثيرين آمالهم  أن تكون هامة وتخلد في التاريخ بأحداثها، افتتاحية مثل التي قدمها هيو جاكمان عام 2009 أو الصورة التي التقطتها ألين ديجينيرس عام 2014 وظلت هي الصورة الأكثر مشاركة علي تويتر وستظل هى التاريخ حتى بعد الهجمة الممنهجة على كيفين سبايسى وانفصال براد بيت وانجلينا جولى وعدم تكرار تجربة تقديم ألين لحفل الأوسكار بعد هذا الحفل الأسطورى الذى طلبت ألين خلاله بيتزا لتصل إلى مسرح دولبى ويتناولها النجوم معًا وسط أفيهات ونكات ألين وحضورها الطاغى.

 

أو عندما هتفت القاعة بأسم روبيرتو بينيني قبل إعلانه أفضل ممثل من قبل صوفيا لورين  عام 1999 عن دوره في فيلم Life Is Beautiful  وقفزاته فوق الكراسى وخشبة المسرح وغيرها من المواقف والتفاصيل الأخرى التى تعد علامات مميزة لنسخ الحفلات

 

الحفل التسعون لم يكن مميزا، حفل بلا شكل مميز، ديكور المسرح بلا هوية، مقدم الحفل كان الأسوأ، ربما أسوء من كريس روك بنسختي الحفل اللتان قدمهما.

جيمي كيميل مقدم الحفل بلا حضور تفوق عليه بعض مقدمى الجوائز والافتتاحية لم تحوي الخفة والطرافة المعتادتان ولا حتى الاستعراضات التى تأتى أحيانًا مع الفقرة الإفتتاحية، مجرد مجموعة من النكات السخيفة المتملقة المستغلة للاحداث الساخنه تغازل المرأة ومناهضة التحرش

وكما بدأت انتهت بلا اى حدث هام أو مميز أنتقل مقدم الحفل مباشرة للجوائز، حتى الفقرة الطريفة ومفاجأة جمهور السينما المجاورة حاملين الحلويات والطعام لم تكن على هذا القدر من الأبهار .

 

بالطبع لم يكن ثقل ظل مقدم الحفل هو السبب الوحيد لكن كالعادة فوز بعض أفلام لا تستحق التماثيل الذهبية من الناحية الفنية ولكنهم حازوا على التماثيل بسبب تعرضهم لقضايا تمثل جدلاً عالميًا أو بسبب الرغبة فى الحفاظ على شكل تتبعه أكاديمية علوم وفنون السينما الأمريكية منذ سنوات تحافظ من خلاله علي التوازن بحرصها علي أن تضم الجوائز ومقدميها ومقدمي الحفل الا يكونوا فقط من اصحاب البشرة البيضاء بل تتوسع الجوائز ومقدميها لتشمل كل الاجناس وميريل ستريب وهذا العام اضيف إقصاء وشجب كل من يتورط اسمه فى قضايا التحرش في هوليوود حتي لو كانت شائعات.

جوائز التمثيل الأربعة كانت في محلها تماما ومتوقعة لكنها كاشفة لما أصبح عليه شكل  المنافسات فى المسابقة السينمائية ككل، فأصحابها تفوقوا بالفعل رغم المنافسه الشرسه التى انحصرت مع دور أو اثننان فقط فى كل فئة وباقى الممثلين وجودهم سياسى وعنصرى بحت، جائزة أفضل ممثل التى حصدها جاري اولدمان عن دور وينستون تشرشل فى فيلم Darkest Hour شهدت منافسة فقط مع دانيال دى لويس وأداءه فى فيلم Phantom Thread

اثنان من الإنجليز يحترفان التمثيل يتصارعان على التمثال الذهبى بالأداء الخرافى لكلا منهما فى فيلمه ما بين شخصية رئيس الوزراء البريطانى الأشهر ومصمم الملابس العبقرى الذى يحتاج لمعاملة خاصة ومن خلالها نرى بعدًا جديدًا للعلاقة التكاملية فى الحب بين الرجل والمرأة وبعدهم بأشواط يأتى باقى المرشحين أداءات مكررة أو باهتة..

لا جديد عن دينزل واشنطن وفيلمه Roman J. Israel, Esq. والذى أصبح بشكل أو باخر من المقررين فى الترشيحات ايا كان ما يقدمه مثله مثل ميريل ستريب، دانيال كالويا لي له مكان فى المنافسة من الأساس سواء بفيلمه  Get Out بشكل عام أو بأداءه فى الفيلم بشكل خاص، نفس الشئ مع تيموثي شالاميت المرشح عن فيلم Call Me by Your Name والذى ينطبق عليه نفس حال دانيال لا أداء ولا الفيلم بشكل عام يستحق  ان ينافس.

أما بالنسبة لأفضل ممثلة فلو استثنينا الكوته المكرره تحت عنوان "الممثلة العظيمة ميريل ستريب" والتى لم تقدم اى جديد أو تفعل ما تستحق عليه هذا القدر من الاحتفاء بدورها فى The Post، تتبقى أربع ممثلات هن سالى هوكينز The Shape of Water وسيرشا رونان عن Lady Bird ومارجو روبي عن I, Tonya وفرانسيس ماكدورماند عن Three Billboards Outside Ebbing, Missouri الأخيرة بالطبع هى صاحبة اللقب والتمثال الذهبى لهذا العام والمنافسة فى هذه الفئة انحسرت بينها وبين مارجو روبي

 

فـ سيرشا فى الحقيقة مبالغ فى تقدير نجوميتها وترشيحاتها الثلاثة لنيل الأوسكار تأتى عن اداءات عادية جدًا لم ولن تترك علامات بالشكل الذى يثير كل هذه الضجة، على عكس سالى الممثلة الأقوى بمراحل فى الخبرة والتحكم فى أدواتها لكنها هذا العام فى فيلم مستهلك وأقل من مستوى المنافسة سوى فى فئة تصميم الإنتاج التى حازها بالفعل، لكن كل ما غير ذلك لا يستحق لا المنافسة أو الفوز به من الأساس مقارنة بالمستوى الفنى الأفلام الأخرى المتنافسة، ما بين مارجو وفرانسيس لم تكن فقط المنافسه فى الأداء ولكن كلا الفيلمين يقدمان النمط الأمريكي البرجماتى بشكل أو بأخر لم يكن هذا الفيلمان فقط عن حوادث عنف ولكن عن طريقة تفكير وإدارة حياة فى الولايات المتحدة.

فى فئة الممثل المساعد وعن فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri ترشح وودى هارليسون وسام روكويل، والمقارنة بين ادائها فى الفيلم محسومة، لا أحد ينكر موهبة وتفرد وودى فى رسم الشخصيات التى يقدمها عموما والروح التى يبثها فيها لدرجة ان بعض الافلام تُميز بشخصيته فيها، لكن فى هذا الفيلم لم يصل لمستوى سام روكويل بأداءه لشخصية الأمريكي الأبيض العنصرى ضد الملونين المستغل لسلطته لكنه فى الوقت نفسه نزيه وصاحب مبدأ ازدواجية شديدة فى التفكير والتصرف جعلت من هذه الشخصية المركبة صعبة فى تمثيل المشاعر بهذا القدر من التناقض وبشكل حرفى يقبله الجمهور، باقى المرشحين لم يقدموا ما يجعلهم أهل للمنافسة الحقيقة  ويليام ديفو فى The Florida Project

 جيد لكنه ليس بقدر وعظمة سام، ريتشارد جينكز فى The Shape of Water لم يظهر اى قدرات وبدأ كأنه النسخة الأمريكية من شخصية ريموند الرجل الزجاجى فى الفيلم الفرنسى Amelie عام 2001 والذى ينسخ  The Shape of Water روحه بشكل فج حتى على مستوى الموسيقى التصويرية التى فاز بها الأخير هذا بخلاف أن الفيلم يلعب على التيمة المستهلكة حتى أخر قطرة فى اللعب على وتر المنبوذة والوحش بكل تنوعاتها فى King Kong و Beauty And The Beast وE.T. the Extra-Terrestrial والتطابق المذهل مع فيلم Splash إنتاج عام 1984 والذي يضع علامة إستفهام حول جائزة أفضل سيناريو أصلى التى نالها الفيلم، وبالطبع كريستوفر بالمر الذى قدم أداء سئ ومفتعل فى فيلم All the Money in the World لكن لا يمكن فصل مسألة ترشيحه عن دخوله الفيلم كبديل عن كيفين سبايسى الذى أشيع عنه أنه متحرش الأمر الذى دفع فريق العمل فى الفيلم باستبداله وإعادة تصوير مشاهده وهو ما خلق مشكلة أخرى بسبب تفاوت الأجر بين بطلى الفيلم مارك ويلبرج وميشيل ويليامز والذى اثيرت ضده حملة اخرى تطالب بالمساواة فى الأجور كاد ان يروح ضحيتها مارك لولا انه تبرع بأجره المستحق عن اعادة التصوير لمؤسسة مساعدات قانونية لكنه لم يرحمه من إستغلال كيميل للواقعة فى نكته سخيفة.

فى فئة أفضل ممثلة مساعدة أستحقت أليسون جانى اللقب عن فيلم I, Tonya وبالطبع وجود ماري ج. بلايج عن دورها فى Mudbound وأوكتافيا سبنسر عن The Shape of Water فى قائمة الترشيحات يرجع لكونهم أفرو- أمريكيين وشخصياتهم تعانى من العنصرية فى مرحلتين زمنيتين متقاربتين -بعد الحرب العالمية الثانية- أما لوري ميتكالف ودورها فى Lady Bird فلم يكن على مستوى المنافسة، فهى فى الأساس ممثلة تليفزيونية هذا هو اول ترشيح لنيل الأوسكار والصدفة فقط خدمتها بأن تتواجد فى فيلم عن فتاة شابة فى مرحلة متأخرة من سن المراهقة تستكشف العالم وتبنى إستقلاليتها، نموذج أخر يأتى على هوي الأكاديمية فى إطار دعم الشابات وكفاح المرأة وهو ما ضمن لبطلة الفيلم سيرشا رونان ترشيح سابق عن دورها فى فيلم متواضع آخر هو Brooklyn عام 2015.

المنافسة الحقيقة لـ أليسون جانى فى هذه الفئة هى ليزلي مانفيل فى فيلم Phantom Thread والتى قدمت خلاله مباريات وتنافس فى الاداء بندية مع دانيال دى لويس، شخصية الأخت الصارمة صاحبة الشخصية القوية التى تتفهم أخيها وعبقريته وطباعه المزاجية لكنها ترسم حدًا ليقف هو نفسه عنده أداء مميز أخر لا يضاهيه سوى أداء كريستين سكوت توماس فى فيلم Darkest Hour فى شخصية كليمي زوجة تشرشل لكنها للأسف لم تنل ترشيحًأ حتى لهذا الدور الصغير فى المساحة والعظيم فى التأثير والأداء التمثيلى المكثف لكل هذا القدر من المشاعر لتفتح المجال لكى تغسل الأكاديمية يده من شبهة العنصرية بأفلام وممثلات لا يستحققن التواجد.