رؤية نقدية: Dunkirk وDarkest Hour نفس الحدث وفيلمان مختلفان يتنافسان على أوسكار أفضل فيلم

اللحظة الحاسمة فى تاريخ المملكة المتحدة الحديث هى محور اثنان من الأفلام المرشحة لنيل لقب أوسكار أفضل فيلم فى 2018، Dunkirk و Darkest Hourيناقشان تقريبًا نفس الحدث لكن من زاويتين مختلفتين، الحقيقة أننا لسنا أمام تكرار قدر ما نحن أمام ابداع حقيقى لفيلمان  يتناولان نفس الحدث لكن من طريقان مختلفان وبالتالى الناتج مختلف وكلاهما من الناحية الفنية جيد جدا للدرجة التى كفلت لهم المنافسة الحقيقة وسط الـ 9 أفلام التى ترغب فى حصد اللقب.

الحدث الرئيسي هو القوات البريطانية المحاصرة من قبل القوات النازية التى غزت أوروبا الغربية من جهة ومن القنال الإنجليزى الذي تعمل المقاتلات والغواصات الألمانية على قطع السبل أمام إجلاء 300 الف جندي بريطانى فى آخر الموانئ التى تخضع للسيطرة الفرنسية، فترة عصيبة على جيش الأمبراطوية التى تغيب عنها الشمس الخروج منها لم يتحقق الا بالمقاومة والصمود والإيمان المطلق بقيم هذه الامبراطورية العريقة.

ما بين Dunkirk للمخرج البريطانى كريستوفر نولن وفيلم مواطنه جو رايت Darkest Hour تتجلى عظمة التعبير عن حالة الصمود التى كانت بالفعل هى السبب فى الفوز على النازيين فى النهاية، لم تنكسر عزيمة البريطانين طيلة سنوات الحرب ودافعوا وحدهم عن أوروبا الغربية والبداية كانت فى العملية "دينامو" التى لم يذكرها الفيلم الأول صراحة بل رسم حالة اليأس والموت التى قادت لحالة المقاومة والصمود ركز على الانفعالات والعناصر المحفزة، فيما ذهب الثانى لبث الروح البريطانية فى الحكومة المتخاذله وكيف تمكن رجل واحد من تحويل حالة الهزيمة واليأس والانكسار إلى حالة الصمود والمقاومة والقتال بشراسه.

الصورة كأداة تعبيرية في الفيلمان متفوقه لكن يتميزDarkest Hourبعنصر التمثيل والسبب جاري أولدمان صاحب شخصية رئيس الوزراء البريطانى إبان الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل بشكل رئيسى وكريستين سكوت توماس بأدائها لشخصية الزوجة كليمنتين،حقيقة أن طبيعة الفيلم سمحت بمساحة تمثيليه كبيره على عكس فيلم نولان الذى اعتمد أكثر على الصورة لذلك على الرغم من تناولهم لحدث واحد تقريبا إلا أن كل شئ فى الفيلمان مختلف كلية وهذا الإختلاف يجعل من فكرة وجود فيلمان يتناولان نفس الحدث مقبوله ومرغوبة خاصه من التميز الذي يحمله كلا الفيلمان.

نولان كعادته لم يعتمد على السرد النمطى واختار ان يقدم فكرته باللعب على وتر الزمن وتاثيره، فالوقت يمر ببطء عند الجنود المحاصرين، وأسرع قليلا عند صاحب القارب المدنى الذى يعد واحد من عشرات القوراب التى مثلت العملية "دينامو" وأسرع عند الطيار الذي يحاول صد المقاتلات النازية ليمنح فرصه للقوارب أن تقوم بمهمتها فى إجلاء الجنود المحاصرين، المونتاج فى الفيلم –مرشح لنيل الجائزة عن هذه الفئة- كان أداة نولان الأساسية فى الجمع بين الخطوط الزمنية الثلاثه وبناء ايقاع تصاعدى من حيث السرعه أى أنه كلما انقضت دقيقة من زمن الفيلم تزداد سرعة ووتيرة الأحداث وتقصر المدد الزمنية لعرض المشاهد ليخلق التاثير المطلوب باليأس والاستسلام فى البداية ثم مقاومة الموت الذى يحاوط الجميع وصولا لتوحيد الخطوط الزمنية الثلاثة على أرض بريطانيا بعد نجاح عملية الإخلاء من دانكيرك.

ينافس الفيلم لنيل جائزة التصوير أيضًا وهو عنصر متفوق فى منظومة نولان للتعبير بالصورة خاصة مع ان الحوار فى الفيلم شحيح والصورة هى الركن الاساسى فى التعبير، يشكلها بالمونتاج لكنه فى البداية يصنعها بالزوايا واحجام اللقطات كان يحتاج فى التعبير عن حالة اليأس ان تكون كادراته أوسع ما يكون لتلقط الجنود فى ميناء دانكيرك لا يفعلون شيئا على الرغم من كثرتهم ولكنهم اهداف سهلة ومكشوفة، فى البحر الوقت أسرع لكن الطبيعة مختلفة نحتاج ان نشعر بالصراع وحدته فندخل داخل كابينة القارب الضيقة وتتجسد الصراعات بشكل جسدى فى هذا المكان الضيف فيلجا للقطة المتوسطة والقريبة ومع التصاعد والسرعة يعتمد على اللقطات القريبة ليصور الطيار، هناك ابطال من كل خط زمنى عندما تتقاطع خطوطهم يحرص نولان على الربط بينهم لكنه لا يكرر اى مشهد يكتفى بتغير الزاوية وبتغيرها يضيف معلومة جديدة للمشاهد، الموسيقى التصويرية فى الفيلم –أيضا مرشح مؤلفها هانز زيمر لنيل جائزة أفضل موسيقى تصويريه- هى البديل الحقيقى للحوار، استغلها نولان لتعبر عن شخصياته الوحيدة الصامدة التى تقاوم وفى نفس الوقت تكثف الشعور عند المشاهد اعتمد على هانز على صوت تكات الساعةليعبر عن حالة الترقب والانتظار وكذلك الشعور بالخطر.

على الجانب الأخر Darkest Hour حافظ على شكل كلاسيكى وايقاع متوسط السرعة يتناسب بشكل كبير مع طبيعة الفيلم الذى يدور فى كواليس السياسة الموجهه للحرب، لا طلقات ودم لكن هناك توتر وحده فى كل خطوة، على العكس من نولان، جو رايت اعتمد على الاداء التمثيلى والحوار والموسيقى التصويرية ليكونوا ادواته الاهم والابرز، اداء الممثلين مدروس وموجه بعناية ليعبر عن روح الشخصيات لا تقليدها بشكل اعمى، الكلمة فى الحوار تعبر عن الكثير وتدعم الاداء التمثيلى واخيرا الموسيقى التصويرية، نفس حالة اليأس والإستسلام للموت والشك التى بدأ بها نولان، بدأ بها رايت، توتر وقلق وشخصية غاضبه وعصبية تدخن وتشرب الخمر بشراهه قاسيه هى تشرشل تُوضع فى منصب قيادى هو رئيس وزراء المملكة المتحدة فى وقت عصيب مع ضغط أعضاء حزبه لأن يقبل بالسلام والمهادنه مع هتلر وهو الأمر الذى لا يميل له، ودلل على ذلك بأداء تمثيلى وجملة حوارية مفادها أنه لا تفازض مع النمر عندما تكون رأسك بين كفيه، اصراره يصعد الاحداث وقرار تضحيته بـ 3000 جندى لينقذ 300 الف جعل الشك فى حكمة الصائب يزيد لكن اصراره هو الحل لنجده المحاصرين، تشرشل هو صاحب فكرة الصمود والوحيد فى حزبه الذى وقف ضد التيار وسطوة الزعيم تشامبرلين وحالة الاصرار هذه ضاعفها باحتكاكه مع راكبى مترو الأنفاق فى مشهد مؤثر رسم سياسة الصمود والمقاومة فى المملكة المتحدة وليس هناك أبلغ من الكلمة التى قيلت على لسان غريمة ومفادها أن تشرشل حشد اللغة الإنجليزية وأرسلها للمعركة بمعنى أنه وسع نطاق الحرب لتشمل العالم وكل الناطقين بالإنجليزية والمدينين بالولاء للتاج البريطانى ليقضى على هتلر ،وفى نفس الوقت تحمل إشارة لبلاغته وحماسه اللذان جعلا من الصمود والقتال على الرغم من الحال السيئة أمر لا مفر منه.