Emily in Paris.."ليلى كولينز" في بلاد العجائب !

وقفت الممثلة الشابة "ليلى كولينز" أمام الكاميرا لأول مرة وعمرها عامين، وهى ابنة المغني البريطاني "فيل كولينز"، وعاشت مع أمها الأمريكية في الولايات المتحدة بعد طلاق والديها، وجسدت في بداياتها الفنية في هوليوود شخصية الأميرة المراهقة "سنو وايت" في فيلم Mirror Mirror، وفي الفيلم تذهب الأميرة خارج القصر لتكتشف مملكتها، وداخل الغابة الجميلة تتعرض لمحاولة قتل تقف خلفها الملكة الشريرة التي جسدت شخصيتها "جوليا روبرتس"، وفي دورها الأخير في مسلسل "نتفليكس" بعنوان "إيميلي في باريس" Emily in Paris تجسد "ليلى كولينز" دور فتاة أمريكية محبوبة، تعمل في مجال التسويق الإلكتروني، وتُرسلها شركتها الأمريكية للعمل مع فريق تسويق فرنسي في باريس، وهناك تجد الشابة نفسها في نفس موقف "سنو وايت" داخل الغابة الجميلة.

صراع الثقافات الشعبية

الكتابات النقدية الفرنسية التي هاجمت مسلسل "ايميلي في باريس" تبدو كما لو كانت جزء من المناظرة الدرامية الساخرة التي تحيط شخصية بطلة المسلسل، الفتاة الأمريكية اللطيفة التي جاءت إلى باريس في مهمة عمل، وأحبت فرنسا بشغف، ولكنها فشلت في فهم الفرنسيين حرفياً؛ ويعود هذا لجهلها التام باللغة؛ بسبب سفرها إلى فرنسا في أخر لحظة، بدلاً من مُديرتها، وبالإضافة لعامل اللغة فهى لا تفهم الثقافة الفرنسية، وتبدو كما لو كانت "أليس" التي تتجول في بلاد العجائب، وتُقابل شخصيات غريبة الأطوار، ومن الزاوية الأخرى يراها الفرنسيون الأمريكية الساذجة الدخيلة التي لا تعلم شيئاً عن الحياة والحب والعمل.

هذه الاختلافات الثقافية بين فتاة أمريكية حتى النُخاع ومدينة لها لُغتها الخاصة وثقافتها المُختلفة هو أساس الكوميديا في المسلسل الذي يأخذ شكل دراما الويب، والمكون من عشر حلقات، كل حلقة مدتها أقصر من نصف ساعة، وقام بكتابتها "دارين ستار" الذي سبق وكتب عدد من المسلسلات من أشهرها مسلسل Sex and the City، وكانت أخر حلقات الموسم السادس والأخير بعنوان "فتاة أمريكية في باريس".

مشهد من مسلسل "إيميلي في باريس"

أمريكية في باريس

الشغف الهوليوودي بباريس كبير؛ فهى واحدة من الأماكن المُفضلة لتصوير الأفلام خارج أمريكا، وقائمة الأفلام الأمريكية التي تحمل اسم العاصمة الفرنسية كبيرة؛ قدم فيها "جين كيلي" شخصية رسام فقير يبحث عن النجاج في فيلم "أمريكي في باريس"، وبحث فيها "مارلون براندو" عن الشغف الحسي مع فتاة باريسية في "التانجو الأخير في باريس"، وعاش بطل فيلم المخرج "وودي ألن" "منتصف الليل في باريس" داخل فجوة زمنية تنقله من الزمن المُعاصر إلى باريس في عشرينيات القرن العشرين، وهناك العديد من الأعمال التي تصف باريس كما لو كانت بلاد العجائب الساحرة، التي تثير فضول الغُرباء وحماسهم، ومسلسل "إيميلي في باريس" واحد من تلك الأعمال التي تستلهم روح وسحر باريس.

مشاعر "إيميلي" خليط من الطموح والشغف والافتتان بباريس، ولكنها تأتي المدينة العتيقة وداخلها ثقة في أنها ستُقابل بترحيب باريسي؛ فهى شخصية لطيفة ودودة تتوقع دائماً حب وترحيب الآخرين، وهى ابنة الرأسمالية الأمريكية الاستهلاكية، ولديها موهبة ترويج أى شىء، وأفكارها التسويقية طازجة ومُلهمة، وتلائم لغة وثقافة عصر السوشيال ميديا، ولكن أميرة العصر الحديث تجد باريس مثل عجوز ناقمة وفظة وسليطة اللسان، وكما في حكاية "سنو وايت" تواجه "ايميلي" مديرتها الفرنسية المُتسلطة "سيلفى"، وتفشل محاولاتها للتودد إليها وتملقها، وترفض المديرة الفرنسية كل ما تُمثله "إيميلي" من منظور أمريكي حديث للتسويق، وتنزعج بشدة من انتصاراتها في العمل، وتسعى للتخلص منها بكل الطرق الممكنة.

ليلى كولينز

السحر الفرنسي بعيون هوليوودية

السخرية من الثقافة الفرنسية تصل ذروتها بمُبالغة تصل حد التعميم والتنميط، وهذا يصنع حالة كوميدية في كل مشاهد المسلسل الذي يعتمد على المواقف التي تُقابلها "إيميلي" في حياتها اليومية، ومثل هذه الكوميديا اللاذعة قد تكون مُزعجة للمشاهد الذي يفتقد الحس الكوميدي العام، أو المُتعصب للثقافة الشعبية الفرنسية. تظهر الشخصيات الفرنسية كسولة، وتصل عملها مُتأخرة، ويُدخنون بشراهة طوال الوقت، وهم مُتعجرفون، أو منافقون وجبناء مثل زميليها بالمكتب "لوك" و"جولين"، وغالبية الشخصيات الفرنسية في المسلسل تتسم بالتحرر، ولا تمانع في الدخول في علاقات عاطفية مُتعددة، ولديهم ميل للأفكار التقليدية عن الحب والحياة والعلاقة بين الرجل والمرأة، مما يضعهم تحت طائلة الاتهام بالتحرش والعُنصرية وباقي تُهم الصوابية السياسية الأمريكية، وفي المقابل نرى "إيميلي" فتاة أمريكية تُدمن العمل، وتُحاول التواصل مع الآخرين في بلد لا تعرف من لُغتها سوى بضعة كلمات، وتبدو مُضحكة وسخيفة في عيون الفرنسيين.. بالطبع تنتصر "إيميلي" في معاركها الصغيرة أمام كراهية الفرنسيين لما تُمثله من قيم وثقافة غريبة عليهم، ولكنها من ناحية أخرى تكتشف داخل تلك الثقافة أمور تفتقدها؛ منها الاستمتاع بالحياة وبعض الجموح واللامبالاة.

باريس في المسلسل مدينة ملونة وناعمة، نراها بعيون "إيميلي" التي تبدو كسائحة، وهى نظرة لا تبتعد عن العالم الذي تعمل فيه البطلة، فهى مسؤولة تسويق تعمل داخل شركة دعاية تتعاقد مع شركات راقية تُنتج الملابس والعطور ومستلزمات الموضة والماكياج، وينعكس هذا على ملابس وسلوك البطلة وزملائها في نفس الوكالة الإعلانية، ولا نري من باريس إلا صورتها الدافئة البراقة، وهى خلفية جذابة ولطيفة حتى لو كانت الشخصيات التي تعيش فيها فظة ومزعجة وعشوائية.

مسلسل "إيميلي في باريس"

السخرية المتبادلة بين البطلة الأمريكية والشخصيات الفرنسية تعكس السخرية الثقافية الشعبية المُتبادلة بين هوليوود والسينما الفرنسية، وهى ليست بالضرورة تعبير جاد عن طباع كل مُجتمع، ولا تعكس كراهية المؤلف الأمريكي للمسلسل للمجتمع الفرنسي، وهى مثل النكتة المُضحكة عن مواطن ما من جنسية ما، لكنها لا تُعبر عن سلوكيات مُجتمع بأكمله، هى مجرد نكتة وليست دراسة أكاديمية، وهكذا الفن والكوميديا، دراما ترسم شخصيات خيالية في مواقف خيالية، ولا ترسم صورة أكاديمية عن سلوكيات وطباع المجتمع.