Enola Holmes..حكاية "نسوية" داخل مغامرة بوليسية لمُراهقة من القرن التاسع عشر!

جسدت "اليزابيث تايلور" شخصية الملكة "كليوباترا" في فيلم عُرض عام 1963، وحققت شركة "فوكس" أرباحاً طائلة بعد عرضه في جميع أنحاء العالم، وبعد عام حاولت شركة إنتاج إيطالية استثمار نجاح الفيلم الهوليودي، وصنعت فيلم إيطالي-مصري مُشترك بعنوان "ابن كليوباترا"، وشارك فيه نجوم من مصر، منهم "شكري سرحان" و"سميرة أحمد"، وجسد الأمريكي "مارك ديمون" شخصية "الكبير"، ابن كليوباترا ويوليوس قيصر، وفشل الفيلم تُجارياً، وفي عام 1966 سخر الفيلم المصري "30 يوم في السجن" من هذا الفيلم، من خلال تجسيد "سمير صبري" شخصية مخرج إيطالي كان يصور في مصر فيلماً بعنوان "بنت أخت كليوباترا".

أخت "شيرلوك هولمز"!

وعلى عكس "كليوباترا" التي احتكرت نجاحها "اليزابيث تايلور" نجحت شخصية المحقق "شيرلوك هولمز" في أكثر من فيلم ومسلسل، قديماً وحديثاً، وتعرض شبكة "نتفليكس" عدد من الأفلام والمسلسلات الناجحة عن شخصية المحقق الشهير، وقبل أيام عرضت الفيلم المُنتظر، وحمل إسم "إينولا هولمز" Enola Holmes، وهى الشقيقة الصُغرى للمحقق البوليسي الشهير "شيرلوك هولمز"، ولم يكن الأمر دُعابة أو سُخرية من أفلام ومسلسلات "شيرلوك هولمز".

Enola Holmes

روايات "شيرلوك هولمز" كتبها "أرثر كونان دويل" في الفترة بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وفيلم "إينولا هولمز" مأخوذ عن رواية حديثة مُشتقة من عالم روايات "شيرلوك"، وهى من تأليف الكاتبة "نانسي سبرينجز"، والفيلم يحكي مغامرات "إينولا هولمز- ميلي بوبي براون"، وهى فتاة مُراهقة جريئة وذكية، تعيش في قصر ريفي مُنعزل برفقة أمها "ايدوريا-هيلينا بونام كارتر"، وهى امرأة غريبة الأطوار، وقامت الأم بتعليم إبنتها كل شىء في المنزل، بداية من قراءة أهم كتب الأدب والعلوم، ووصولاً إلى تعلم رياضة الـ" جوجوتسو" للدفاع عن النفس، ونمت لديها دقة الملاحظة والتحليل والتفكير المستقل، وفي يوم عيد ميلاد "إينولا" السادس عشر تختفي أمها، وتبدأ "إينولا" مُغامرة مُنفردة محفوفة بالمخاطر للبحث عن أمها في لندن، وتهرب من منزلها بعد خلاف مع شقيقيها، "شيرلوك هولمز-هنري كافيل"، و"مايكروفت-سام كلافلين"، وفي وسط كل ذلك يبرز لغز اختفاء غامض لماركيز شهير تتورط "إينولا" في تفاصيله.

 

كسر الحائط الرابع

الفيلم من نوعية دراما البلوغ؛ وهو يصور حياة فتاة عاشت بين الكتب والجدران، واضطرتها الظروف لمواجهة الواقع والحياة العملية. نحن أمام مُغامرة بطلتها مُراهقة ذكية، تتمتع بحيوية وقدرة على حل الألغاز وتتبع الأدلة، ومُواجهة الأشرار الكبار، وهى تُعلق على الأحداث، وتكسر الحائط الرابع للسينما، وتنظر للكاميرا وتتحدث مباشرة للمشاهدين؛ وهذا منح الفيلم قدر كبير من الجاذبية والحيوية، وصنع تفاعل بين المشاهد ومُغامرة البطلة الصغيرة، وجزء من تلك الحيوية يعود بلا شك لأداء "ميلي بوبي براون" التلقائي المرح، وبالإضافة للتمثيل شاركت "ميلي" أيضاً في إنتاج الفيلم، وهى التي إقترحت على المُخرج "هاري برادبير" فكرة كسر الحائط الرابع، وقد عرفنا "ميلي" كفتاة غامضة ذات قدرات خارقة في مسلسل الخيال العلمي والرعب "أشياء غريبة" Stranger Things، ولكنها في "إينولا" تُقدم مساحة أداء أكثر نُضجاً وتنوعاً، وتبدو أكثر راحة في رداء الشخصية التي تلائم أدائها وشخصيتها وعمرها الحقيقي.

الأمر الأكثر إحباطاً في الفيلم هو اللغز نفسه؛ فنحن نرى عرضاً لطيفاً لتفاصيل أحداث عادية، ولغز بسيط يفتقر نوعية غموض حبكات ألغاز "شيرلوك هولمز" المُعقدة، وقد استخدم المخرج أساليب سرد جذابة، تجمع بين التعليق الصوتي للبطلة، وعرض ذكريات تدور في خيال "إينولا" برسوم ولقطات توضيحية، وصورة بصرية رائعة لأجواء لندن في القرن التاسع عشر، وكل هذا يُمكن أن نصفه بالعرض الأنيق لحبكة مُتواضعة، ولكن تفتقد القصة التي كتبها "جاك ثورن" للجاذبية والأصالة وعناصر التشويق.

فيلم Enola Holmes

دراما المراهقين والأفكار النسوية

كان من الممكن أن تكون "إينولا" مجرد فتاة ذكية ومُغامرة وعنيدة، تعيش في أى حقبة زمنية مُعاصرة، لكن إقحامها في عالم "شيرلوك هولمز" مجرد استغلال لشخصية وعالم أشهر محقق بوليسي خيالي في تاريخ الأدب، وكانت ملامح إقتباس هذا العالم سطحية، وتختلف كثيراً عن مُعالجة مسلسل Sherlock التي كتبها "ستيفن موفات" و"مارك جاتيس"، وجسده شخصية "شيرلوك" الممثل "بنيدكت كمبرباتش"، وهى مُعالجة شديدة الذكاء، وأضافت عالماً حداثياً موازياً ومُعاصراً لعالم "شيرلوك هولمز" الفيكتوري، ولكن عالم مغامرات "إينولا" يلف ويدور في إطار أفكار باهتة نسوية حول البحث عن الذات ومواجهة العادات والتقاليد الرجعية التي تُقيد حرية المرأة، ونرى ملامح تلك الأفكار واضحة في شخصيتى الأم، وابنتها المُراهقة، وهى شخصيات غريبة السلوك في إطارها الزمني.

من الصعب مُقارنة عالم ألغاز "إينولا" بعالم ألغاز "شيرلوك"؛ لأنهما في الحقيقة مُختلفان تماماً، ولم يكن "شيرلوك" في فيلم "إينولا" قريباً من شخصية "شيرلوك" المعروفة؛ فلم يكن "شيرلوك" بهذا القدر من اللطف الذي قدمه "هنري كافيل" للشخصية، ورغم خفة عالم ألغاز "إينولا"، لكن الفيلم إجمالاً يصلح لسهرة عائلية لطيفة.

لقطة من Enola Holmes

هناك نية لتقديم جزء ثاني من مغامرات "إينولا"، وفي الأغلب سيكون مُقتبساً عن واحدة من روايات "نانسي سبرينجر" الستة، التى تروي مغامرات المراهقة الصغيرة، وهذا التشعب قد يخلق المزيد من الشخصيات من عالم "شيرلوك هولمز" في المستقبل، وكما ظهرت أخت لهولمز، فمن الوارد أن نفاجىء يوماً ما في المستقبل بفيلم عنوانه "بنت أخت شيرلوك هولمز" !