"Succession".. لوحة درامية عن صراع عائلي على المال والنفوذ!

في لوحة شهيرة للرسام الفرنسي "ويليام بوجويرو" بعنوان "دانتي وفيرجيل" نرى مصارعة عنيفة وغريبة بين رجلين، أحدهما يقوم بعض رقبة الأخر، في حين تتكدس خلف المتصارعين جثث العُصاة والآثمين، وتحوم حولهم الشياطين الغاضبة، ويقف على جانب اللوحة التي تصور مشهد خيالي للجحيم الشاعران "دانتي وفيرجيل" ينظران للمشهد في فزع.. هذه اللوحة الغرائبية المخيفة تحتل حائط عائلة غرفة الطعام بقصر رجل الأعمال العجوز "لوجان روي-بريان كوكس"، وتعبر بشكل ساخر وقاتم عن ملامح الصراع بين أفراد عائلة "روي"؛ وهو صراع على من يخلف الأب المريض في إدارة أعماله، وهذا موضوع مسلسل Succession "الخلافة"، وهو واحد من أهم الأعمال الدرامية التي قدمتها شبكة HBO خلال السنوات الأخيرة. 

إنها حقاً عائلة فاسدة

يحاول أبناء "لوجان روي" الحصول على كرسي الأب الذي بلغ 80 عاماً ويعاني آثار جلطة دماغية، ويسعى كل منهم لإدارة امبراطورية بيزنس الإعلام الضخمة التي كونها الأب بأساليب خبيثة وملتوية، ويبدو أفراد العائلة التي تحيط الأب شخصيات أرستقراطية مدللة وتافهة وعديمة التأثير، حتى تسنح الفرصة لأى منهم، فتظهر حقيقته الشرسة، وتتبدل سلوكياته الأرستقراطية إلى حالة من الوحشية والأنانية؛ وهذا جزء من طبيعة الصراع الصعب لخلافة أب أناني متحجر القلب لا يثق في أحد. العالم الأرستقراطي الذي يغلف أجواء المسلسل مجرد ستار لطيف للشكل العنيف للعلاقات العائلية، وهذه القصور والأماكن المريحة تبدو مقابل أنيق لغابة تتصارع فيها وحوش لا ترحم، والمسلسل بشكل عام يشبه مأساة شكسبيرية ساخرة، ويرسم بدراما قوية وسيناريو أنيق ملامح شخصيات تُصارع فسادها الشخصي، وعيوبها الواضحة، وتحاول النجاة من التحول إلى صورة الأب الطاغية، وفي مسيرة الصراع لخلافة الأب، والرغبة في تصحيح المسار الأخلاقي للإدارة يكتشف كل منهم أن داخله جزء من شخصية الأب، بتناقضاتها وقسوتها، وهذا ينعكس على علاقة الأشقاء ببعضهم البعض؛ فرغم علاقتهم الجيدة ظاهرياً، إلا أن تنافسهم على كرسي الأب يدفع كل منهم إلى التصرف بعدائية ضد الأخر، وبصورة ساخرة تبدو لوحة "دانتي وفيرجيل" معبرة للغاية عن عائلة "لوجان روي".

صراع الأجيال

شخصية الأب "لوجان روى" تقترب من ملامح شخصيات زعماء المافيا، ممن يديرون أعمالهم بمعاونة عائلاتهم، وهم مجرد أدوات لتنفيذ ما يريده، وهو يحمل ذلك المزيج من القسوة والحدة والأنانية، وأيضاً الحنان الأبوي والرعاية، وأحياناً تختلط الأمور، فيبدو أنه يستغل العواطف العائلية من أجل أغراض عملية بحتة، والمسلسل ليس عن عالم صناعة الأعمال والصفقات المالية، ولا يُركز على صناعة الميديا، بل عن عالم بيزنس العائلات، وخلف الشكل المادي لصراع عائلة "روى" نرى لمحات إنسانية تلمع هنا وهناك، وفي ثنايا المشاعر المختلطة الباردة التى يكنها الأبناء لوالدهم القاسي القلب هناك مناطق دافئة تعبر عن إرتباط أبوي عاطفي، بدأ منذ اختار الأبناء في سن صغيرة الذهاب مع الأب للولايات المتحدة، وترك الأم المطلقة في بريطانيا، موطن العائلة. 

الأبناء الأربعة للوجان روى هم "شيف" و"كندل" و"رومان" و"كونور"، ولكل منهم زاوية خاصة فى العلاقة الأبوية وعلاقته ببيزنس العائلة، ويظن "كندل" الابن الأوسط أنه الأقرب لخلافة الأب، لكن قرار الأب المريض الإستمرار في إدارة الشركة يقلب خططه، ويضطره إلى التخطيط للانقلاب على الأب، أما "شيف" الابنة الوحيدة لرومان روى، والأقرب لقلبه، والبعيدة إلى حد ما عن المناصب الرسمية بشركة والدها فهى قد تخلف والدها الذي وعدها بذلك، ويمثل "رومان" الابن الأصعر طيش الشباب، لكنه يرى أنه الأنسب لإدارة شركة شاخت أفكارها، وتحتاج إلى شاب يعرف أكثر عن وسائل الاعلام الحديثة، ويقبع الأخ الأكبر "كونور" في عالمه الخاص، بعيداً عن توتر وقلق عالم البيزنس الذي يخشاه ولا يتورط في تفاصيله اليومية.

مزيد من الشخصيات

الدائرة الصغيرة لأفراد العائلة تحيطها شخصيات ثانوية، لكنها مؤثرة ومكتوبة بعناية، وتزيد من تفاصيل اللوحة العائلية الغريبة؛ ومن أبرز تلك الشخصيات "توم-ماثيو ماكفيدن" زوج الابنة، وهو شخص مرح من خارج الطبقة الثرية التي تنتمي لها زوجته، وهو يحاول أن يجد له مكاناً داخل إمبراطورية "لوجان روي"، ولديه استعداد مفتوح لتقديم كل التنازلات المطلوبة من أجل ذلك، وهناك ابن العم "جريج-نيكولاس بارون"، وهو شاب قروي متواضع الخبرات يحاول جاهداً التأقلم مع عالم عائلة "روي" المُعقد، وهناك "مارشا-هيام عباس"، وهى زوجة "لوجان روي" الحالية، والشخصية الأكثر قرباً ودعماً له ضد تمرد أبناءه، وهذه الشخصيات وغيرها تُمثل نسيج درامي رائع يسرد حكايات إنسانية شديدة الخصوصية، ومن السهل الوقوع في غرام شخصيات المسلسل الشديدة الإقناع، والتعاطف مع أزماتها وجموحها، والشعور بالتسلية والتشفي أثناء مشاهدة صراعاتها الأنانية الحمقاء.
 
المسلسل حقق نجاحاً كبيراً خلال موسمين عرض، وأهم الجوائز التى حصل عليها جائزتى جولدن جلوب لأفضل مسلسل درامى، وأفضل ممثل "بريان كوكس"، بالإضافة إلى ترشيح لجائزة أفضل ممثل مساعد "كيران كالكن"، وهو الشقيق الأصغر للممثل "ماكولى كالكن"، بطل سلسلة أفلام "وحدي في المنزل"، وفاز أيضاً بجائزتي إيمى لأفضل سيناريو "جيسي أرمسترونج"، وأفضل تيمة موسيقية "نيكولاس بريتل"، وأيضاً جائزة البافتا لأفضل عمل درامي أجنبي، والعديد من الجوائز الأخرى.