The Handmaid's Tale.. حكاية امرأة فى مدينة بائسة!

دراما الديستوبيا متشائمة بطبعها، وهى على عكس دراما المدينة الفاضلة، تتخيل مستقبلاً قاتماً وبائساً للبشرية، قد تتنوع الأسباب لكن البؤس واحد؛ فالمستقبل القريب للبشرية غامض بالفعل، وهو مُهدد دائماً؛ فقد تأتى النهاية بسبب حرب نووية شاملة، أو انحراف مناخى حاد، أو تلوث بيئى قاتل، أو صراع دموى من أجل البقاء، فى ظل إنخفاض موارد الغذاء والمياه.  

حينما صدرت رواية "حكاية أمة" The Handmaid's Tale، للكاتبة الكندية "مارجريت أتوود"، فى منتصف الثمانينيات، حولتها هوليوود عام 1990 إلى فيلم حمل نفس عنوان الرواية، أخرجه الألمانى "فولكر شلوندورف"، مخرج الفيلم الشهير "طبلة من صفيح" The Tin Drum، وكان من بطولة "ناتاشا ريتشاردسون"، وقامت بدور امرأة أمريكية معاصرة، تجد نفسها يوماً جارية محرومة من كل حقوقها، بعد سيطرة حزب متشدد على حكم الولايات المتحدة المعاصرة، ولكن الفيلم لم يحقق نجاحاً كبيراً، وطواه النسيان، ويبدو أن أجواءه الكابوسية، ومود دراما الديستوبيا لم يكن جذاباً كما هو الآن؛ ورأى بعض النقاد -وقتها- أن قصة الفيلم مليئة بالتشاؤم والإرتياب وجنون الشك، ولكن المسلسل الحالى الذى بدأت إنتاجه شبكة HULU عام 2017، وهو مأخوذ عن نفس الرواية، لا زال يحصد النجاح الجماهيرى والنقدى، بعد ثلاثة مواسم، تروى حكاية الجارية "أوفريد - اليزابيث موس".

The Handmaid's Tale

حدث فى دولة "جلعاد"

فى المسلسل نشاهد الحياة فى دولة "جلعاد" الخيالية، حيث يعود الصراع الإنسانى إلى صورته التقليدية القديمة؛ صراع بين ذكر مُتسلط، وأنثى تبحث عن حريتها، وهذه الردة الحضارية تحدث فى الولايات المتحدة المعاصرة، التى أصبح إسمها "جلعاد"، ويحكمها حزب دينى متشدد، يتخذ مظاهر الدين ستاراً لتعظيم وترسيخ الهيمنة الذكورية على المرأة، ويمحو أية قوانين تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة، أو تمنحها حرية شخصية واستقلالية، ويسن قادة "جلعاد" قوانين جديدة، تعود بالمرأة إلى أزمنة العبودية، وتٌجبرها على الطاعة المطلقة للرجل، وتذهب تلك القوانين بعيداً، باستعباد النساء القادرات على الإنجاب، وإجبارهن على إقامة علاقات مع القادة، والتنازل عن مواليدهن لزوجات القادة العاقرات.

اسم "جلعاد" يعود إلى إسم مدينة أردنية قديمة، كانت مشهورة بخصوبة تربتها؛ وهو فى المسلسل يشير إلى اسم الدولة الأمريكية الجديدة، التى تسعى لإنقاذ البشرية من حالة إنخفاض الخصوبة التى أصابت كثير من النساء؛ بسبب التلوث البيئى، وإنتشار الأمراض، وتجمع تلك الدولة النساء القادرات على الإنجاب غصباً، وتجبرهن على إقامة علاقات مع القادة والنخبة، وبعيداً عن تفاصيل السياسة والدين يركز العمل على الظروف القاسية التى تعانى منها الخادمات والجاريات المُنجِبات.

The Handmaid's Tale

امرأة بلا إسم ولا حقوق

فى هذا العالم تُحرم البطلة "جون أوزبورن"، من اسمها الحقيقى؛ فهى الآن "أوفريد"، أو جارية القائد "فريد"، ولا تُكافح "أوفريد" فقط التعصب الذكورى فى دولة "جلعاد"، بل تكافح القسوة والوحشية التى تتخفى خلف رداء من التدين الزائف، والقوانين التى تمنع المرأة من القراءة، وإمتلاك المال أو أية ملكية خاصة، وتحرمها أيضاً من إختيار شريك حياتها.

هذا الكفاح السرى لم يكن سهلاً، ووضعها فى خطر دائم؛ ففى دولة "جلعاد" تٌعدم الجاريات شنقاً فى الميادين العامة، وتُعلق جثثهن على الحائط، لو إرتكتبت أى منهن أية مخالفة لقوانين "جلعاد"، ورغم أن "أوفريد" أبدت ظاهرياً إندماجها فى ذلك العالم الجديد، لكنها كانت تقاومه داخلها، ولاحقاً بدأت تخطط لإنقاذ الطفلات الصغيرات من مصير حياة العبودية القاسية، بعد أن فشلت فى اللحاق بزوجها الذى هرب إلى كندا، وإستعادة ابنتها الصغيرة، التى إنتزعتها منها سلطات "جلعاد" عنوة، ومنحتها لعائلة من النخبة.

The Handmaid's Tale

الجاريات ترتدين الأحمر

فى الأجواء القاتمة للحياة اليومية فى دولة "جلعاد" تبرز الطبقية من خلال ألوان أزياء النساء المميزة؛ فحسب القوانين التى تحدد كود صارم لأزياء النساء، هناك ألوان تُمنح لكل طبقة من النساء؛ فترتدى زوجات القادة اللون الأزرق الفيروزى، وهو لون وقور يمنحهن هيئة ملكية، وتسريحة شعرهن موحدة ومُحافظة، تجمع فيها السيدة شعرها للوراء، ولون زى عامة النساء، البعيدات عن السلطة هو الرمادى، وترتدى الجاريات المنجبات زى أحمر فاقع مثيراً، وقبعة بيضاء تدارى أغلب وجوههن، ولون زى خادمات المنزل أخضر باهت، الذى يجعلهن تقريباً غير مرئيات، أما من يُطلق عليهن "العمات"، وهن نسوة صارمات تشرفن على تدريب الجاريات على مهامهن، فترتدين اللون البنى، الذى يقترب من ألوان أزياء الجنود، ويرتدى الرجال فى "جلعاد" اللون الأسود، جميع القادة والساسة ورجال الأمن والسائقون وغيرهم من الرجال يرتدون هذا اللون المهيب المُقبض.

The Handmaid's Tale

لم يكن الموسم الثالث بنفس قوة وصدمة الموسم الأول، وكان بطيئاً فى حلقاته الأولى، ولكنه تغير فى حلقاته الأخيرة حينما حملت الدراما الصراع إلى ذروة الصراع، ووصل أداء "إليزابيث موس" إلى قمة التعايش مع الشخصية، وهى تعبر عن مرحلة صعبة ودقيقة من مراحل مقاومتها وضعها البائس، بعد إنتقالها إلى منزل سيد جديد، ورغم أنها كانت تبدى تماسكاً شديداً فى وسط لحظات الخطر الداهم، لكن نظراتها القلقة، وإنفعالاتها المكبوتة كانت تُعبر عن حال امرأة على حافة الجنون.