رؤية نقدية ـ في "3 La Casa de Papel"..الجريمة الكاملة والدراما الناقصة!

تدين الدراما العربية بالفضل لما يسمى بالفورمات الإسبانى؛ فمن خلاله قدمت بعض أنجح أعمالها، ومنها مثلاً «جراند أوتيل»، و«ليالى أوجينى، وتدين نتفليكس بالفضل لمسلسل «La Casa de Papel»؛ فهو أكثر مسلسل غير ناطق بالانجليزية مشاهدة على منصتها..قدمت شبكة Antena 3 الإسبانية موسمين عن عملية سطو مستحيلة، خطط لها شخص شديد الذكاء يدعى البروفيسور، ويؤدى شخصيته الممثل «ألفارو مورتى»، ونفذتها عصابته، وهم مجموعة منتقاة، من أصحاب الخبرات المتنوعة فى مجال السرقة. أطلق البروفيسور على كل منهم اسم حركى، وهو اسم دولة أو مدينة، وأصبح المشاهد يتابع «برلين» قائد المجموعة الصارم، و«نيروبى» الجامحة، و«طوكيو» راوية الأحداث، وصاحبة الماضى الغامض، وغيرهم من الشخصيات المتناقضة.

هذا الاطار الدرامى قد يبدو جديداً، ولكنه اعادة صياغة لتيمات سطو درامية شهيرة، وهى الشخصيات الخارجة على القانون، التى تتمتع بملامح انسانية جذابة للمشاهد، ونتذكر هنا فيلم «الرائعون السبعة» «The Magnificent Seven» ، واقتباسه المصرى «شمس الزناتى» لتقريب الفكرة، ولكن الأقرب لنفس تركيبة حبكة السطو فى المسلسل، هو فيلم «أوشن 11»، والأجزاء اللاحقة له.

ماذا بعد عملية سطو ناجحة؟!

قدم المسلسل ما يمكن أن نطلق عليه الجريمة الكاملة، وقدمه على هيئة حدوتة تشويق مليئة بالحبكات الذكية، التى لا تخلو من مبالغات، وصدف، ومواقف متوترة، وتلك التوليفة نجحت فى تكوين دراما تجارية مشوقة وجذابة؛ فالمسلسل فى جوهره عملية سطو مسلح شديدة الصعوبة، وصعوبتها تكمن فى أنها سطو على دار صك الأوراق المالية الأسبانية، وتتم فى حضور مجموعة كبيرة من الرهائن، وتحت وطأة حصار قوات الشرطة، وهو تقريباً نفس مضمون الموسم الثالث، مع إضافة مزيد من الصعوبات والتحديات.

فى الجريمة الأولى كان التحدى الأكبر للبروفيسور هو المحققة  شديدة الذكاء، «راكيل موريلو»، وهى سيدة مطلقة، لديها ابنة صغيرة، وترعى أمها، مريضة ألزهايمر، وكل خوفها أن ينزع طليقها ضابط الشرطة حضانة ابنتها منها، ومن خلال هذا التفاصيل الشخصية يقتحم البرفيسور حياة «راكيل»، ويحاول نسج علاقة غرامية معها ليكون قريباً منها، وهو أمر ينتهى بوقوعه فى غرامها فعلياً، واتجاه العمل إلى منحى مختلف وغير متوقع، بعد قيامها بمساعدته فى إكمال مهمته.

La Casa de Papel

تظهر فى الجزء الثالث، الذى عرضته شبكة نتفليكس مؤخراً، شخصية محققة أخرى، وهى المحققة «أليشيا سييرا»، وهى الوجه المناقض لشخصية «راكيل»؛ فهى لا تتورع عن استخدام الأساليب غير القانونية للوصول لأهدافها، وتجسد شخصيتها الممثلة والمغنية الإسبانية، ذات الأصول الأردنية «نجوى نيمرى»، وهى بطلة مسلسل إسبانى شهير أخر، هو «وجهاً لوجه» «Vis a vis»، وقدمت فيه شخصية السجينة العنيفة غريبة الأطوار.

البطلة الجديدة

هل يسرق البروفيسور من أجل الفقراء؟!

المسلسل يستدعى اسم «روبن هود»، وقناع وجه الفنان التشكيلى الإسبانى «سلفادور دالى»؛ والأول يشير إلى الفارس الذى كان يسرق الأغنياء ويعطى الفقراء، والثانى يشير إلى العبقرية والذكاء، والأهم إلى الغرابة، وهى جزء هام من الأسلوب الذى رسم به السيناريو الشخصيات والحبكة، ولهذا كان اختيار وجه «دالى» بشاربه الغريب ليكون رمزاً لعصابة اللصوص.

اختيار شخصية رجل خجول لا يعرف المزاح لتجسيد شخصية البروفيسور جزء من فكرة الغرابة التى اعتمدها المسلسل؛ فهو صاحب أجرأ عملية سطو مسلح، ويستطيع السيطرة على مجموعة من الشباب الجامح، وإرغامهم على احترام قيادته، لكنه على الجانب الإنسانى يبدو هشاً للغاية إذا تعرض أحد أفراد عصابته للموت أو السجن، وهذا الأسلوب الملون انعكس على رسم باقى الشخصيات، ومنها شخصية المحققة «أليشيا»، فهى سيدة حامل فى أشهرها الأخيرة، تتصرف بنعومة وضعف أحياناً، لكنها عدوانية وخيبثة فى عملها.

La Casa de Papel

اضطراب درامى على أبواب البنك الوطنى الإسبانى

الجزء الثالث يبدو محاولة تكرار أكثر منها تكملة لعملية السطو الأولى، واعتمد على ميرات العلاقات الانسانية والعاطفية الناجحة فى العملية الأولى، ولكنه أفسد القصة بمبالغات واستدرار عواطف المشاهد بمشاهد ميلودرامية مبتذلة، فى ذروة عملية سطو مستحيلة على ذهب البنك الوطنى الإسبانى، ومن تلك العلاقات، علاقة الحب من طرف واحد، مثلا بين «نيروبى وهيلسنكى»، وهى علاقة مبتورة وهشة، على عكس علاقة البروفيسور والمحققة «راكيل»، و«طوكيو» وزميلها «دنفر»، قرصان الكمبيوتر الذى يصغرها سناً؛ فتلك العلاقات كانت جزء من النسيج الدرامى وتطور الحبكة الدرامية.

La Casa de Papel

تدخل فكرة مقاومة السلطة الفاسدة كجزء من حبكة المسلسل؛ فهؤلاء اللصوص يتصرفون بمبادىء نبيلة، تدعمها خلفياتهم الإجرامية؛ فهم يتحاشون العنف غالباً، وحتى الشخصيات العدوانية، لها تاريخ خاص قديم مع الإحباط ، جعلتهم يتصرفون بعدائية وعنف، فقط فى لحظات الخطر، ويتمحور الجزء الثالث على محاولة العصابة إنقاذ زميلهم دنفر، الذى قبضت عليه السلطات، وأخفوه لتعذيبه، دون محاكمة.

منذ استخدام المسلسل أغنية « بيلا تشاو»، التى ترمز لمقاومة الفاشية، ونحن نتابع عملية السطو من مدرج مشجعى اللصوص، وتستطيع الدراما فقط إقناعنا أن اللصوص أيضاً يقاومون الظلم والسلطة الغاشمة.