رؤية نقدية ـ فيلم "122" كثير من الطموح..قليل من الإثارة

الهرب من فخ الكوميديا التى ظلت -وما زالت- السينما المصرية أسيرته حتى الآن أمر لابد منه حتى لو لم تكن هذه المحاولات بالجودة الكافية لكنها على أي حال محاولة لفك الأسر والتعامل بجدية مع أنواع أخرى من الأفلام.."122" فيلم يحاول الهروب ليس عن طريق الحركة كنوع منافس على جماهيرية الكوميديا فى مصر ولكن فى مساحة الإثارة وشد الأعصاب، الفيلم يحاول أن يفتح المجال ليكون هناك طريق آخر يؤدى إلى صناعة سينمائية متوازنة تصنع وتعرض كل الأنواع الفيلمية قدر الإمكان.

ينتمى الفيلم لنوعية الإثارة التى يفضلها قطاع كبير من الجمهور والتى يعد مصدر مشاهدتها الرئيسى من الأفلام الأمريكية التى تهتم بالحبكات التى تعتمد على الاختطاف وتقود لمطاردات فى أماكن مغلقة وغموض مواجهات غير متكافئة، عادة لا تكون التقنية متطورة فى هذه النوعية من الأفلام حتى قصتها بسيطة والخطوط الدرامية وتفاعلاتها لا تحتل المساحة الأكبر والأهم من الفيلم، لا يلتفت صناعها كثيرًا لتبرير التصرفات ومنح الأحداث ما يمنطقها ويجعلها مقبولة فى عالمها، المهم هو المفاجآت والدم والتحولات فى الشخصيات ما بين الخير والشر وبالتالى تحول معايير الضعف والقوة فى الفيلم وبالطبع الأهم من كل هذا هو تقليل التكلفة لزيادة هامش الربح.

حالة السعى وراء تقديم "122" بأفضل صورة انتهت بأن تتحول نقاط قوته إلى نقاط ضعف مثل السعى لإيجاد مبررات لتصرفات الأبطال بشكل مبالغ فيه، فعندما يأتى الأمر لفيلم إثارة.

أفيش فيلم "122"

التدقيق والتشديد على تبرير التفاصيل فى مواضع وإهمالها فى أخرى يفتح باب للتساؤل عن السبب وراء التمييز خاصة وأن هذه النوعية لا تحتاج كثيرًا لكل هذا الحرص فى التبرير ووضع تاريخ للشخصيات، لكن طالما طبقت القاعدة على شخصية يجب أن تتساوى فى ذلك كل الشخصيات، بخلاف أن التفاصيل الخاصة بالشخصيات لو زادت ستصبح حملًا على إيقاع الفيلم الذى يجب أن يتسم بالسرعة والأحداث والمطارادت المتلاحقة طالما أن النوع الرئيسى للفيلم هو الإثارة وليس فيلمًا دراميًا ويستغل نوع فرعى آخر الإثارة فى تصنيفه كما الحال فى أفلام شهيرة مثل The Sixth Sense و The Fugitive فى مقابل افلام إثارة صريحة مثل I Know What You Did Last Summer أو Non-Stop.

طارق لطفي ومحمود حجازي

 محاولة الجمع بين الشكلين فى "122" خلقت حالة من التخبط والملل، ففى النصف الأول نحن أمام فيلم دراما رومانسى يمهد أكثر من اللازم للابطال نصر "أحمد داود"،  وأمنية "أمينة خليل" ويبالغ فى رسم شخصياتهم بتفاصيل أرهقت الفيلم دون أن تكون مرجعية فى أحداث تالية مرتبطة أكثر بقصة الحب والمعوقات التى تقف فى مواجهتها، شخصية الأخت التي تقدمها تارا عماد ليس لها أهمية تذكر فى النصف الثانى من الفيلم ولم تحرك أو يتقاطع معها حدث ولو خرجت من الفيلم لن يتأثر بأى شكل، مثال آخر متعلق بتوظيف السماعة التالفة التى تستعين بها أمنية للتغلب على احتياجها الخاص كصماء، التركيز على تلفها ومحاولاتها إصلاحها فى أكثر من موضع للفت نظر الجمهور كان مبالغًا فيه، وتحول إلى إزعاج فيما بعد خاصة وانها فقدتها فى اشتباكها بالأيدي مع شخصية أخرى فى الفيلم، لنقف حائرين عن السبب فى وجود السماعة أو تلفها والتركيز على ذلك فى مشاهد عملها فى محل الكوافير ثم بعد الحادث وصولا لفقدانها دون أن تستغل بشكل جيد، فما تسمعه ولا تسمعه أمنية لم يؤثر بأى شكل.

السماعة ليست باهظة الثمن للحد الذى لا تستطيع هى تحمله فهو ليس دلالة على فقرها المدقع حيث يبدو من غرفتها وذائقة ملابسها أنها من منطقة عشوائية فى أقل تقدير أو شعبية فى أقصى تقدير وعلى قدر من التعليم والوعي وتجيد لغة الإشارة وعليه الحصول على سماعة أو إصلاحها أمر سهل، مثل هذا التركيز المفرط فى  على تفصيلة  يقابله غياب تام لتفسير دوافع شخصية الطبيب الذى يعمل فى حصد الأعضاء "أحمد الفيشاوى"، كيف يقوم بعمل بهذه الوضاعة مع هذا الضمير الحي الذى ينشط فجأة ويقود لمطاردة كان يمكن الإستغناء عنها بسهولة والاستغناء عن الفيشاوى معها، والتبرير الواهى بأنه يحصد أعضاء موتى، فالحقيقة أنه لا يمكن حصد الأعضاء من متوفى مفصول عن أجهزة الاعاشة، بعض الأنسجة والعظام يمكن حصدها بعد الموت بفترة وجيزة ولكن بالتأكيد ليس الأعضاء.

أحمد الفيشاوي

هذا الإفراط فى الاهتمام بالتفاصيل وعدم استغلالها بشكل جيد والتخبط بين كون الفيلم دراما فى ثلثه الأول، بنى التفاصيل والشخصيات كأننا أمام فيلم إجتماعى رومانسي ثم ترك كل البناء وانتقل لفيلم آخر يعتمد على الإثارة بشكل وأسلوب مختلف عن التأسيس على اعتبار أن الرابط بين الاثنين هو نصر وأمنية مبرر كاف للفصل الحاد بالشكل الذي يجعل كلاهما مبتوران، والعمل يقف وسطهما، كما أن الاهتمام بالتقنية والترويج بها فى الوقت الذى لا تحتاج فيه هذه النوعية من الأفلام للإبهار على مستوى الصورة أو الخدع البصرية بل يتطلب التركيز على المعارك والتشابك بالإيدى.

العرض الخاص لـ122

جمهور هذه النوعية عادة ما يفضل دور العرض العادية غير المزودة بتقنيات الكراسي المهتزة والمعايشة للحدث داخل الفيلم، فعليًا الاستفادة بكون الفيلم مصنوع خصيصًا ليتناسب للعرض بتقنية 4DX لم تقدم أيء شى بل على العكس رفعت من الآمال التى تحطمت على صخرة الفيلم.

بشكب عام، الفيلم طموح وتجربة يجب تكرارها كثيرًا سواء من خلال ياسر الياسرى المخرج أو المؤلف صلاح الجيهنى ويذكر للأول المحاولة الطموحة التي خرجت متفاوتة فى الجودة بين العناصر الفنية والثاني الذى يذكر له محاولات التنوع وخوض التجارب فيما يقدم ويكتب بداية من "30 فبراير" وصولاً لـ "122"، لذلك تكرار التجربة ضروري خاصة مع النجاح الذى حققه الفيلم على مستوى شباك التذاكر، فمع بعض التقنين  يمكن اعتبار "122" هو قاعدة يجب التعامل مع سلبياتها قبل ايجابياتها.