رؤية نقدية ـ أزمة خيال الدراما المصرية الحديثة.. فساد الاقتباس و فقر الدراما!

على شاشة السينما نرى فيلماً عن بطل شاب لا يتحكم في يده اليسرى، وتكاد يده تقتل أقرب الناس إليه، وفي فيلم أخر يذهب لصوص لسرقة عالم، لكنهم يتعرضون بالخطأ لشعاع من جهاز يخترعه فيصغرون ويطاردهم النمل والضفادع في حديقة الفيلا، وانتشر منذ أيام إعلان تشويقي لمسلسل جديد قصير من ثمان حلقات، ويظهر فيه البطل جالساً على كرسي وفجأة يبدأ في التحول إلى ذئب، وفي اليوم التالي عُرض البرومو النهائي لفيلم جديد، عن شاب يتحكم في روبوت خارق ويبدو أن الأمر قد خرج عن سيطرته، وقبل كل ذلك انتشرت على الإنترنت صور عن شخصيات سوبر هيروز غامضة، تعيش داخل عالم خيالي، وتُحاول الدفاع عن الخير ومُقاومة الشر. تلك الإعلانات ليست جزء من دعاية أفلام هوليوود الخيالية الجديدة!

ملامح عالم درامي جديد!

نعلم أن يد "تامر حسني" تتصرف رغماً عنه في فيلم "مش أنا"، وفكرة الفيلم قريبة من فكرة فيلم هندي بعنوان Sankashta Kara Ganapathi ، وأن الرجل الذي يتحول لذئب هو الممثل "ياسر جلال" في مسلسله الجديد "الذئب"، وليس "جاك نيكلسون" كما ظهر في فيلمه المعروف Wolf "الذئب" عام 1994، والروبوت الخارق الذي يقفز من فوق العمارات، ويقلب القطارات، ويقذف السيارات بعيداً هو الممثل "كريم محمود عبد العزيز" في فيلم "موسى" الذي يُعرض خلال أيام، وليس روبوت فيلم Chappie "رفيق" وهو الروبوت الخارق المارق الذي شاهدناه في الفيلم الذي صدر عام 2015.

فيلم "موسى" من إخراج "بيتر ميمي" الذي يعدنا أيضاً بسلسلة أفلام ومسلسلات عن عالم خيالي بعنوان The underdogs "المُستضعفون"، وهم مجموعة شخصيات تعيش تحت مظلة عالم مشترك يشبه عالم  The Avengers"المنتقمون" الخيالي الذي صنعته "مارفل"، وجمعت فيه مجموعة من الشخصيات الخارقة المعروفة مثل "كابتن أمريكا" و"الرجل الحديدي" و"الأرملة السوداء" و"الرجل الأخضر"، أما عالم "بيتر ميمي" فيتكون من مهندس الميكاترونيكس يحيى صالح الخياط، والهاكر يوسف الهرم، ودليلة، والطيار فيصل، وهم يواجهون شخص خارق وعنيف يُدعى دكتور يونس.

المُستضعفون والمنتقمون!

الطريف أن "بيتر ميمي" يصمم لوجو لهذا العالم وهو مكون من كلمة The underdogs على نفس طريقة لوجو عالم "المنتقمون"، ولا يبدو أن فكرة التقليد تشغل باله؛ فهو يُصمم اللوجو بحروف إنجليزية وليست عربية، وعالمه الجديد يضم شخصية الهاكر يوسف من فيلم "الهرم الرابع"، وهو الفيلم الذي اقتبس شخصية مسلسل "مستر روبوت" التي جسدها الممثل "رامي مالك" وهى من تأليف "سام إسماعيل".

سُلُوك تعس للغاية أن يتم إنفاق المال والوقت والجهد لتقديم أعمال لا تعدو أن تكون مجرد مسخ من أعمال أجنبية معروفة، وهذه الأعمال لها جذورها الثقافية والسينمائية داخل أمريكا؛ فعالم السوبر هيروز الذي استلهمته أفلام "المنتقمون" بدأ بقصص كوميكس بدأ نشرها عام 1939، وبدأت السينما اقتباسها عام 1944 مع شخصية "كابتن أمريكا".

لم تسيقظ هوليوود فجأة ويقرر صُناعها اختراع عالم خيالي أثناء تناولهم قهوة الصباح، وحينما اقتبست السينما المصرية شخصية المذؤوب وجسده الممثل "نبيل الألفي" أمام "إسماعيل ياسين" في فيلم "حرام عليك" عام 1953 وكانت النتيجة تقليد ساذج للغاية لأفلام هوليوود وقتها؛ فشخصية المذؤوب لا تنتمي إلى ثقافة حواديت وخرافات الشرق،  وسننتظر بالطبع مُشاهدة مسلسل "ياسر جلال" وفيلم "كريم محمود عبد العزيز" وأفلام عالم "بيتر ميمي" لنرى الجديد الذي ستضيفه للدراما.

الاقتباس والإنكار!

خلال الفترة الاخيرة بدا "الخيال" مخرجاً لأزمة الكتابة السينمائية؛ فتحت مظلة الخيال يُمكن أن يحدث أي شىء، وربما كان فيلم "ديدو" هو الاكثر طموحاً في تقديم الفانتازيا الكوميدية والفيلم إخراج "عمرو صلاح" وتأليف وبطولة "كريم فهمي" الذي استوحى فكرته الرئيسية من فيلم Honey, I Shrunk the Kids  "حبيبتي، لقد صغرت الأطفال" إنتاج 1989، واقتبس تحديداً التفاصيل الخاصة بشخصية العالم غريب الأطوار، وشكل جهازه لتصغير الأشياء بشعاع الليزر، ومغامرة الأبطال بعد تصغيرهم في الحديقة الخلفية لفيلا العالم، وبعض الخيوط الدرامية الأخرى مقتبسة من فيلم Toy Story "قصة لعبة"، وهى التفاصيل الخاصة بتحويل بعض لعب الأطفال المعروفة مثل باتمان وباربي إلى شخصيات حقيقية.

يبدأ فيلم "ديدو" بلوحة عبثية تؤكد أن الفيلم من وحى قصة عقلة الأصبع مثله مثل فيلم "حبيبتي، لقد قلصت الأطفال" وغيرها من الأفلام، وهى مُحاولة لطيفة لإستغفال النُقاد والجمهور؛ فمن ناحية تيمة الشخصيات الضئيلة موجودة في أعمال كثيرة مثل حكايات ألف ليلة وليلة و"رحلات جاليفر" لجوناثان سويفت، ومن ناحية أخرى هناك فرق بين التأثر بالتيمة الدرامية، وهى فكرة تصغير البشر، وسرقة حبكة وتفاصيل الفيلم الأمريكي "حبيبتي، لقد قلصت الأطفال" بلا تطوير حتى لخيال الفيلم الأمريكي الثمانيناتي، أو بذل مجهود لتصميم جهاز ليزر أكثر حداثة، أو كتابة دراما جذابة تلائم تكنولوجيا عام 2021، وما حدث من كسل إبداعي وإنكار كانت نتيجته الفشل الذريع، فنياً وتجارياً.

ما يحدث يتجاوز فكرة الإقتباس والتمصير، وهو مجرد مُحاولات بائسة تجتهد لإتقان تقليد أعمال هوليوودية وإنطاقها بالعربية، واستلهام خيال ثقافة مُختلفة والتباهي بإستخدام الجرافيك ومُعظمه بلا إبداع أو ابتكار. تمتلك الثقافة الشرقية قصص الفانتازيا بداية من ألف ليلة وليلة وحكايات الجن والعفاريت والعمالقة، وروايات وقصص مُعاصرة استلهمت هذا التراث وكانت أصيلة المضمون وأصلية الشكل، ولم تكن مسخ مشوه من دراما هوليوود.
 

الصور المرفقة من الصفحة الرسمية للمخرج بيتر ميمي على فيس بوك والصفحة الرسمية لشركة السبكي على فيس بوك .