رؤية نقدية ـ هل فكر "سكورسيزي" في الاعتزال بعد تغيير معايير الترشح للأوسكار؟!

هوليوود 2024- حصري ومُستقبلي "قصة متخيلة"

تقدم المخرج "مارتن سكورسيزي" بفيلمه الأخير للترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم في الدورة رقم 96 لعام 2024، وقد حصل فيلمه على تقديرات نقدية عالية في فروع التمثيل والإخراج والسيناريو والتصوير الموسيقى والديكور وغيرها، ووصفه البعض بأنه النسخة الأكثر إثارة وإبداعاً وأقل مللاً من فيلم "الرجل الأيرلندي"، وحقق الفيلم إيرادات كبيرة في شباك التذاكر بعد تعافي السينما في العالم من أثار فيروس كورونا الذي انتهي بعد توزيع اللقاح الفعًال على العالم بأكمله، واستمر تصفيق أعضاء لجنة مشاهدة ترشيحات الأوسكار طويلاً بعد مشاهدة فيلم "سكورسيزي"، وقالوا أنه أفضل فيلم في مسيرته، وأفضل فيلم عُرض خلال العام، ولكن أكاديمية العلوم والفنون تستبعد الفيلم من قائمة ترشيحات أوسكار أفضل فيلم.

ماذا سيفعل سكورسيزي بعد معايير الأوسكار الجديدة؟

الإبداع بشروط الجمعيات الحقوقية

"سكورسيزي" الذي احتفل قبل أسابيع بعيد ميلاده رقم 82، لا يكاد يستوعب استبعاد فيلمه من قائمة أفضل فيلم، رغم الإجماع على أن فيلمه الأكثر إبداعاً من بين الأفلام المُرشحة للجائزة؛ ولهذا يذهب لمقابلة "ديفيد روبن" مدير الأكاديمية، ويطلب بعصبية تفسير ما حدث، ويُخرج المدير من درج مكتبه نسخة من معايير الترشح، ويضعها ببرود أمام المخرج الكبير، ولسان حاله يقول: "أين كنت يا جدي؟ لقد أعلنا التعديلات في سبتمبر 2020!"..

أمسك "سكورسيزي" ورقة الشروط بأيدي مرتعشة، وظل يُصلح وضع نظارته الطبية الجديدة بعصبية، وقطب حواجبه الكثيفة وهو يحاول التركيز في المكتوب، وكان الشرط "أ" يقول:

أولاً..أن يكون أحد شخصيات الأدوار الرئيسية أو الأدوار المساعدة من الجنسيات التي لا تظهر كثيراً في الأفلام (آسيوي - إسباني - لاتيني - أسود - أمريكي أفريقي - شرق اوسطي - مواطن امريكي أصلي – مواطن من ألاسكا – مواطن من هاواي أو أحد الجزر المحيطة).

ثانياً.. أن يكون 30% من الممثلين في الأدوار الثانوية أو الصغيرة من فئات (نساء – شخصيات عرقية - مثليون – من ذوي الاحتياجات الخاصة).

ثالثاً.. أن يكون محور حبكة السيناريو عن النساء، أو المثليين، أو شخصيات عرقية، أو شخصيات من ذوي الاحتياجات الخاصة.

أما الشرط "ب"، فهو يطلب اشراك (نساء – شخصيات عرقية - مثليون - ذوي الاحتياجات الخاصة) في الطاقم الفني الذي يقف خلف الكاميرا، وبشكل خاص العناصر الفنية الرئيسية مثل الإخراج والتصوير والمونتاج والموسيقى والماكياج وغيرها.

الشرط "ج" اشراك (نساء – شخصيات عرقية - مثليون - ذوي الاحتياجات الخاصة) في فئات العاملين بالوظائف الصغيرة، والمتدربين والمتدربات.

الشرط "د" اشراك (نساء – شخصيات عرقية - مثليون - ذوي الاحتياجات الخاصة) في صفوف الموظفين بإدارة الإنتاج والدعاية والإعلان.

قال مدير الأكاديمية مُبتسماً، وهو يتأمل وجه المخرج الذي بدت عليه علامات الحيرة والتبرم، وكان يشبه في تلك اللحظة العجوز "كارل فريدريكسون" من فيلم الأنيمشن Up: "سيدي! يُمكن قبول العمل لو حقق شرطين على الأقل من الشروط المذكورة."

المخرج مارتن سكورسيزي

 

حرية الفن وتشدد الأكاديمية

يكفي أن يكون الفيلم بديعاً وأصيلاً ومُستوفي للشروط التنظيمية ليكون مُرشحاً لجأئزة أوسكار أفضل فيلم، ولكن علينا إضافة كلمة "كان" في بداية الجملة السابقة؛ لأن الأمر لم يعد كذلك؛ فعلى صُناع الأفلام مراجعة جنسيات فريق الفيلم، والتحقق من ميولهم الجنسية، وأصولهم العرقية قبل التفكير في الترشح للأوسكار. يطمح صُناع الأفلام للحصول على أوسكار أفضل فيلم عن أعمالهم التي أبدعوها، ويختار المُبدع فكرة فيلمه وشخصياته وحبكته بحرية تامة، وبما يخدم هدفه الإبداعي، ولم تتدخل الأكاديمية أبداً في تفاصيل العملية الإبداعية، وكل ما تضعه من شروط للترشح للجائزة يندرج تحت بند الشروط التنظيمية العامة، ولكن المعايير الأخيرة التي أعلنتها الأكاديمية كشروط للترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم خلال السنوات القادمة لا يمكن وصفها إلا بالرديئة؛ لأنها ببساطة تزرع بذرة التدخل في تفاصيل العملية الفنية، وفي أفكار وحبكات سيناريوهات الأفلام، وتشترط وجود شخصيات نسائية وأعراق بعينها ضمن أبطال العمل، وتحارب العنصرية بعنصرية مضادة تستهدف الأفلام المُبدعة التى لا تلائم شروطها، والأهم من ذلك أنها تضع كل من يتجاهل تلك الشروط تحت نيران الجمعيات الحقوقية، وأبواق السوشيال ميديا؛ مما سيؤثر مُستقبلاً على الحرية الفنية، ويضطر شركات الإنتاج إلى الاستعانة بأنصاف الموهبين لإستكمال قواعد الترشح للأوسكار، أو لتلافي الحملات السلبية ضد الفيلم.

عناوين جذابة لمعايير سيئة

كانت الاتهامات الموجهة للأكاديمية خلال السنوات السابقة تتركز على عدة أمور؛ منها التحيز للبيض في ترشيحات التمثيل والإخراج، ومع تنامي الحركات النسوية الحديثة، وظهور حركات ضد التحرش والعنصرية أصبحت الأفلام متهمة إما بالإساءة لعرق أو جماعة، أو مُتهمة بالتغافل عن قضايا وشخصيات تدعمها جماعات الصوابية السياسية. المعايير الجديدة لأوسكار أفضل فيلم تتبنى دعم قضايا إنسانية مهمة؛ مثل محاربة العنصرية، ودعم المرأة والأقليات، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وإتاحة الفرص لهؤلاء للعمل أمام وخلف الكاميرا، وأن تكون حكاياتهم مُمثلة في الأفلام، وكل ذلك عبارة عن عناوين جذابة تؤمن للأكاديمية حماية من نيران الجمعيات الحقوقية. المعايير الجديدة يُمكن الالتفاف حولها بتطبيق الحد الأدني للحصول على تذكرة الترشيح؛ فليست كلها مُلزمة لشركات الإنتاج، ولكنها ستفتح ساحات للمزايدة، وطلب المزيد من المعايير، ومزيد من الإلزام والإجبار.

شروط جديد لاختيار أفضل فيلم في الأوسكار

واستكمالا للقصة المتخيلة، فالشائعات القادمة من المُستقبل إن "سكورسيزي" قرر الاعتزال بعد لقاءه مع مدير الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون، وبعد أن وجهت له الشرطة تهمة الشروع في القتل؛ بسبب إجباره مدير الأكاديمية على بلع أوراق معايير الترشيح للأوسكار، ولكن مدير أعماله نفى كل تلك الإشاعات، وقال أن المخرج الشهير يعيد حساباته، ويُعد لفيلم جديد بعنوان "زوجة الرجل الأيرلندي"، ويحكي فيه عن عصابة تتزعمها امرأة، ويتركز نشاطها الإجرامي في جزر هاواى، والفيلم بطولة "سلمى حايك"، و"جاكي شان"، و"رامي مالك"، وممثل أمريكي من أحفاد الهنود الحُمر، ولايرد المخرج الكبير إطلاقاً على إتصالات "روبرت دى نيرو" و"ليوناردو كابريو".