مهندسة الطيران الإماراتية والكاتبة الروائية سعاد الشامسي لـ"هي": عزمت على دراسة الطيران رغم التحديات

سعاد الشامسي هي أول مهندسة طيران إماراتية در ست هندسة الطيران في المملكة المتحدة، حيث درست إدارة هندسة الطيران بجامعة هارتفورد شاير، و أتبعتها بدرجة الماجستير في إدارة الطيران من جامعة كوفنتري. كما تحضر حاليا لدرجة الدكتوراه في إدارة علوم الطيران. مسيرتها في صناعة الطيران هي حياتها وشغفها، وعملت بشركات رائدة في قطاع الطيران بالمملكة المتحدة وشركات عالمية، مثل ميسيير بوجاتي، هاني ويل، إيرباص، وبوينغ. انضمت إلى شركة طيران الإمارات لتكون أول مهندسة طائرات معتمدة، وتعمل حاليا مديرة أولى ومستشارة فنية لمشروع مطار أبوظبي الجديد. تمارس سعاد الشامسي الكتابة أيضاً، ولها 3 مؤلفات روائية، هي: زهرة السوسن، أمنيتي أن أقتل رجلا، ولحوم للبيع. تعرفوا معنا إلى هذه الشخصية المتميزة والملهمة عبر لقائنا معها على صفحات مجلة "هي".

دبي : لمى الشثري Lama AlShetry

تصوير: محمد هلو  Mohamed Hallou

تم التصوير في فندق شانغريلا

حدثينا عن دخولك عالم هندسة الطيران ولا سيما أنه مجال غير مألوف للنساء في الخليج العربي؟

لم يكن دخولي عالم هندسة الطيران مجرد صدفة. فُتنت منذ صغري بالطائرات، فعندما كنت أسافر مع عائلتي كان اهتمامي مختلفا عن غيري من الأطفال، فبينما هم يمضون الوقت بالرسم والألوان كنت أتفحص المقاعد وتفاصيل صنعها، وأتأمل تصميم كابينة الطائرة. نما حب الطيران في قلبي عاما بعد عام، وأسهم في ذلك قرب منزل والدتي، حفظها الله، من مطار دبي القديم آنذاك. كنت أمضي الكثير من الأوقات في الساحة الخارجية للمنزل، وأراقب حركة الطائرات في المطار. كان لدي صوت داخلي يخبرني بأني يوما ما سوف أدخل عالم الطائرات. وبالفعل، عندما كبرت وحان وقت صنع القرار عزمت على دراسة الطيران. لم تكن لدي فكرة واضحة عن التخصص الذي أرغب فيه، مما يندرج تحت هذا المجال. مرة يخطر لي أن أكون كابتن طائرة، ومرة أخرى مضيفة. لذا، لجأت إلى البحث والتعمق أكثر باستخدام الإنترنت عن المجالات التي يمكن دراستها في عالم الطيران. وقد وجدت غايتي في هندسة الطيران. مع الأسف، كان التخصص متوفرا حينها في الدول العربية والخليج العربي بشكل حصري للرجال. وقد صدمت أهلي عندنا تخرجت في الثانوية وأخبرتهم بأني عازمة على دراسة هندسة الطيران.

كيف تعاملتِ مع ردة فعلهم؟

مألوف فضلا عن أنه غير متوفر للنساء! وحاولوا دفعي لدراسة الطب أسوة بشقيقتي أو القانون مثل أشقائي. إلا أني لم أتزعزع، وثبت على قراري بدراسة هندسة الطيران. وعاندت أهلي لكي أثبت لهم وللعالم بأن المرأة الإماراتية والخليجية والعربية قادرة على الخوض في مجالات مختلفة، خاصة تلك المنحصرة على الرجال. كانت تلك اللحظة هي الخطوة الأولى نحو تحقيق حلمي. ولا أظن أنه حلمي فقط، بل هي أحلام العديد من النساء للدخول في مجالات غير مألوفة.

هل وجدتِ إقبالا على دراسة هندسة الطيران من النساء الإماراتيات بعد أن أصبحت أول امرأة تتخصص فيه؟

هناك بالفعل إقبال على التخصص من قبل الإماراتيات، وأتمنى أن أرى هذا العدد يكبر ويزداد لكي يصبح مساويا لإقبال الرجال عليه. تغيرت الأمور كثيرا منذ الوقت الذي درست فيه هندسة الطيران قبل 17 عاما. لم تعد المهتمات بهذا المجال مضطرات للسفر إلى المملكة المتحدة لدراسة هندسة الطيران كما فعلت؛ فقد أصبح ذلك متاحا للنساء عن طريق شركات الطيران والجامعات والكليات داخل البلاد.

أخبرينا عن تجربتك الدراسية في مجال هندسة الطيران بالمملكة المتحدة؟

تجربة السفر لدراسة هندسة الطيران كانت نتاج محاولات كثيرة طرقت فيها العديد من الأبواب لكي أذهب للدراسة، ولم أفلح في أي منها حتى وصلت إلى باب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله، حيث أخبرته بنسبتي العالية في الثانوية العامة، ورغبتي الملحة لدراسة هندسة الطيران. آمن الشيخ محمد بقدراتي ودعمني، فسافرت للدراسة على نفقته الخاصة. واجهت الكثير من الصعوبات أثناء الدراسة، ولم تكن الأمور سهلة دائما. قد يظن البعض أن السفر أو الابتعاث للدراسة متعة في كل الأوقات، إلا أنها حقيقة مسؤولية كبيرة يتحملها الطالب أو الطالبة بدءا من نفسه وحياته الدراسية وأموره الحياتية والروتين اليومي والاعتناء بنفسك وقت المرض من دون وجود أم أو أب مثل ما تعودنا في بلادنا. بمعنى أن على الفتاة أن تواجه المطبات والصعوبات بنفسها. على سبيل المثال، عندما بدأت الدراسة في الجامعة وجدت أني واحدة من 3 فتيات فقط ضمن طلاب الصف الجامعي، إحداهن هندية، والأخرى تركية، وكنت العربية الوحيدة. كانت كبرى الصعوبات وأولاها أن أجعل المجتمع الأجنبي يتقبل

وجودي بصفتي عربية مسلمة في مجال هندسة الطيران مع المحافظة على حجابي وتقاليد بلدي. إضافة إلى الصعوبات الأخرى كوني كنت أعيش بمفردي، وأرعى بنفسي جميع شؤوني الدراسية والشخصية. هذه التجربة صقلت شخصيتي، وجعلتني أواجه الصعوبات التي أواجهها بسهولة.

ماذا عن دراسة هندسة الطيران بحد ذاتها .. هل كانت مطابقة لتصوركِ؟

كنت على تصور صحيح بأن دراسة هندسة الطيران على قدر من الصعوبة إلا أني وجدتها تتطلب أكثر مما تصورت. دراسة هندسة الطيران ذات طابع ميكانيكي بحت. يتضمن المجال دراسة جميع القطع في الطائرة وفي السنة الأخيرة يكون لدى الطالب خيار التخصص بين ثلاثة: هيكل الطائرة، محركات الطائرة، أو إلكترونيات الطائرة. يكمن التحدي الحقيقي في أن الدراسة لا تتوقف بتحصيل الدرجة الجامعية، فالبحث مستمر في المجال خلال ممارسة المهنة. صناعة الطيران في تطور دائم وهناك العديد من الطائرات الحديثة، ولا بد لنا أن ندرس كل قطعة ضمن الطائرة. هذا إضافة إلى حضور المؤتمرات والانضمام إلى ورش العمل المختصة بهذا المجال. ولذا، على كل شخص مهتم بدراسة هندسة الطيران أن يدرك أن الاطلاع المكثف أساس للنجاح فيه كما أن التعليم مستمر به، ولا ينتهي حتى بالتقاعد!

كيف تصفين رحلتك في عالم هندسة الطيران منذ تخرجك حتى الآن؟

هي رحلة حياتي! حياة بحلوها ومرها وصعابها وسلاستها، ولو عاد بي الزمن لاخترت الرحلة نفسها والطريق نفسه. رحلة

استمتعت بها منذ بداية الدراسة وصولا إلى التخرج وتدرجي في المجال وحصولي على درجة الماجستير في هندسة الطيران، كما أحضر لدرجة الدكتوراه حاليا في علوم الطيران، ولله الحمد. الاستمرار في هذا المجال هو شغفي وحبي الكبير.

كيف تخلقين التوزان في العطاء بين جوانب حياتك المختلفة: المهنة وممارسة الكتابة ودورك العائلي بصفتك زوجة وأما لطفلين؟

حب الشخص لذاته هو الأساس لكل شيء ومنبع العطاء المتدفق. إذا كان هناك شكوى دائمة من ظروف الحياة أو العمل فلن يكون هناك عطاء. حبي لهذا المجال من بداية المشوار حتى الآن جعلني أشرك عائلتي به بداية من والدتي وإخوتي، إلى زوجي أيضا الذي شجعني كثيرا على الاستمرار بالنمو والذي أحب أن أستشيره في مشاركاتي بالمؤتمرات العالمية والمعارض. الحب هو المحرك لكل جوانب الحياة، ويأتي تنظيم الوقت وتقسيمه بالأهمية نفسها لكي نحقق التوازن بين الحياة العائلية والمهنة والهوايات. لكل شيء وقته الخاص، ولا يصح أن يجور جانب على آخر. لا يمكن أن أكون مخلصة لعملي ومهملة لعائلتي، كما لا يمكن أن أرعى زوجي وأطفالي وأتجاهل هوايتي، فالهواية متنفس تبعدنا قليلا عن العائلة والعمل وضغوط الحياة اليومية التي نعيشها. عندما أكون مع عائلتي أنسى العمل ومسؤولياته الجمة، وعندما أعمل ل 8 ساعات أو أكثر أصبح المهندسة المسؤولة ولاشيء غير ذلك، وعندما أفحص إحدى قطع الطائرة أركز عليها بشكل تام ولا أسمح لأي ظرف عائلي أن يشتتني، وإن حصل ذلك رغما عني أوقف العمل فورا، لأن دقة الفحص تتضمن أرواحا لا يمكن المخاطرة بها.

من الطيران إلى الكتابة والروايات بعناوين تعكس نوعا من المشاكسة؟

أشاكس لكي أوصل الفكرة. يشعر المتلقي بأن عناوين كتبي مستفزة، ولكن فعليا لكل عنوان مغزى معين. على سبيل المثال، لقبت "زهرة السوسن" بأطول رواية إماراتية، وهي قصة واقعية عن تضحيات الأم  والمحبة اللامحدودة لأبنائها. أما رواية "أمنيتي أن أقتل رجلا"، فهي تطرح قضايا نسائية، وقد تلقيت العديد من الرسائل التفاعلية بعد نشر الرواية بأنها تعبر فعلا عما في داخل العديد من النساء. كما تلقيت أيضا ملاحظات من الرجال بأن الرواية يسرت لهم تفسير بعض تصرفات النساء في حياتهم، سواء كنّ أمهات أو شقيقات أو زوجات. هذه الرواية عبارة عن مناجاة لأمنيات نسائية داخلية أحببت أن أوصلها للرجل والعكس أيضا؛ ولها ثلاثة أبعاد: صوت المرأة، صوت الرجل، وكيف يجدان حلا مسالما لقضاياهما الحياتية. أما روايتي الجديدة، فهي بعنوان "لحوم للبيع"، وهي عن قضية الاتجار بالبشر، معاملة الرجال للمرأة باعتبارها سلعة تباع وتشترى. لست ضد الرجال، إلا أني أحرص على إيصال رسائل مهمة عبر العنوان ومن خلال روايات بمحتوى مستفز يعبر عن القضية المطروحة، ويصل للقارئ بمختلف مستوياته الثقافية. صُنفت رواية "لحوم للبيع" من قبل المجلس الوطني للإعلام بأنها للفئة العمرية فوق ال 21 لقوة محتواها.

هل توقعت أن تصبح رواياتك ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعا في معرض الشارقة الدولي للكتاب؟

توقعت أن تستفز القراء ليقفوا عندها، لكن لم يخطر في بالي أن تكون ضمن الكتب الأكثر مبيعا. أشكر الله على توفيقه.

هل يشجعك هذ الأمر على الاستمرار في تسليط الضوء على القضايا المهمة برأيك ضمن سطور رواياتك؟

بالفعل. كانت رواية "أمنيتي أن أقتل رجلا" المرة الأولى التي تجرأ فيها قلمي على طرح قضايا مهمشة. ردود الأفعال التي وصلتني من القراء شجعتني لاتخاذ خطوتي التالية، وهي كتابة رواية "لحوم للبيع" التي كانت الآراء حولها خير دليل على أني على الطريق الصحيح. يهمني أن أقدم محتوى توعويا تستفيد منه الأجيال المقبلة التي تختلف بشكل كبير عن سابقاتها، وفي زمن تحتل فيه مواقع التواصل الاجتماعي الأهمية القصوى.

ما وصفة السعادة بالنسبة لك؟

وصفة السعادة الوحيدة بالنسبة لي هي حب النفس، إذا أحببنا أنفسنا بشكل سليم انعكس ذلك على حبنا للأشخاص في حياتنا من أفراد العائلة والأصدقاء، وكذلك المهنة والهواية وغيرها من أبعاد الحياة وجوانبها. إذا اهتم الشخص بنفسه فإنه بشكل طبيعي يميل إلى الاهتمام بمن حوله، أما إهمال الذات، فإنه يؤدي إلى إهمال الغير. الابتسامة على سبيل المثال عدوى جميلة تنتقل من شخص إلى آخر بشكل سريع وفطري.

ما المدينة التي تبعث في قلبك البهجة؟

أنا عاشقة مغرمة بالسفر والتعرف إلى ثقافات الآخرين. أحب لندن التي قضيت فيها ما يقارب 7 سنوات من عمري، بنيت خلالها

شخصيتي وأزهر فيها فكري وعقلي. أحب أن أسترجع فيها الذكريات التي جعلتني ما أنا عليه الآن. أحب أيضا أمستردام التي تسعدني  بطبيعتها وسكانها المحبين للحياة، فهم عشاق للشوكولاته والجبن والانطلاق، وهو ما يجعلني أشعر بطفولتي هناك. أضع خطة سنوية للسفر إلى أماكن جديدة والاستمتاع باستكشافها. تتضمن قائمتي لعام 2019 بمشيئة الله المغرب ولوس أنجلوس وجنوب أفريقيا.