الإعلامية والناشطة بارعة علم الدين: "فخورة بابنتي أمل فنحن نتقاسم شغف البحث عن الحقيقة والعدالة"

لندن: سفانا البدري Savanah AlBadri

تصوير: آندرو هايلز Andrew Hiles

 

عندما نتحدث عن الإعلاميات العربيات ودورهن في الصحافة العالمية، لا بد أن تستوقفنا مسيرة الإعلامية اللبنانية السيدة بارعة مكناس علم الدين، فهي صحفية وكاتبة حازت جوائز عديدة عربية وعالمية. أرشيفها المهني زاخر بالمحطات، فهي رئيسة الخدمات الإعلامية النقابية، ولها مقالات تنشر أسبوعيا في جريدة عرب نيوز. وأجرت بارعة مقابلات مع رؤساء دول عدة.. وقد استمتعنا معها بهذا الحوار الحصري عبر صفحات مجلة “هي”، تعرفوا أكثر إلى بارعة علم الدين الصحفية والأم والمرأة التي تعشق التحديات.

أنت سيدة مناضلة في عالم الصحافة المحلية والدولية، وأحد أعمدة التلفزيون اللبناني. كيف تصفين رحلتك حتى اليوم؟
وصفي بالمناضلة وصف كبير وبالغ الأهمية، وأتمنى أن أمثله أحسن تمثيل، لكن برأيي أن النضال هو صفة شمولية لكل الشعب العربي، فهو مناضل على كل الجبهات. مسيرتي حتى اليوم حافلة بالكثير من المحطات، فهي شاقّة حينا، ومتعبة وصعبة في أحيان أخرى، لكنها تحمل الكثير من المتعة والجمال في ثناياها، وأعتقد أننا، نحن الصحفيين، يقع علينا الْيَوْمَ جهد إضافي لنبرهن للعالم أجمع مقدار مصداقيتنا، خصوصا هذه الأيام، حيث تواجه الصحافة الكثير من المشكلات والعقبات، إذ يتطلب عملنا نحن الصحفيين الكثير من المسوؤلية والبحث والتقصي للبحث عن الحقيقة والعدالة لإيصال شؤون وشجون أمتنا ووطننا إلى العالم أجمع، وإن شاء الله، سنكمل المشوار، ونوصل هذه الرسالة على الرغم من صعوبتها.

ما أثر إجراء مقابلات مع شخصيات مرموقة في عالم السياسة، مثل عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر وغيرهم بوضع بصمتك بين الصحفيات العربيات العالميات؟
نعم، تخلل عملي الصحفي الكثير من المحطات المهمة والمتميزة، وشكلت اللقاءات والمقابلات مع رؤساء الدول التي تخصصت في إجرائها علامة فارقة في حياتي المهنية، كمقابلتي للملك سلمان وملك البحرين، والشيخ خليفة. هذه العلاقات أسهمت في إثراء مشواري المهني، إذ توطدت علاقاتي بهم على الصعيد الشخصي أيضا، وتحولت إلى صداقات أعتز جدا بها مع أهل البحرين والخليج. لكن من دون شك لقائي مع شخصية مهمة مثل أنديرا غاندي تحديدا، لكوني آخر صحفية حظيت بمقابلتها قبل اغتيالها كان له أثر كبير في حياتي، إذ كانت أنديرا غاندي امرأة مميزة بلا شك، فهي رئيسة وزراء لأكبر ديمقراطية في العالم. كنت في بداية مشواري المهني والعمري آنذاك، وتصورت خطأ أن الفخامة هي بالقصور، ولكن أنديرا غاندي صححت مفهومي، بأن الفخامة والعظمة صفة أسمى وأعلى من أن تكون مرادفة للقصور والنفائس والمجوهرات، الفخامة انعكاس لما تقدمينه لشعبك على أرض الواقع. علاقتي بها كانت ليومين فقط، لكنها علمتني الكثير الكثير حتى يومنا هذا. وأنا ممتنة لها وممتنة أكثر للصديق محمد يونس الذي كان سببا في معرفتي بها، إذ لولاه لما سنحت لي فرصة لقاء هذه السيدة الرائعة عن قرب، خصوصا أنه كان من الصعب جدا آنذاك، من خلال عملي محررة في مجلة الحوادث، الوصول إلى مثل هذه الشخصيات الرفيعة المستوى، حيث لم يكن للصحافة العربية دور فاعل ومؤثر ومعروف كما هي عليه اليوم. وهنالك شخصيات أخرى أثرت في مشواري الصحفي كعلاقتي بالمرحوم الدكتور غازي القصيبي الشاعر والكاتب والوزير السابق في المملكة العربية السعودية، الذي أستذكره يوميا مع كل موقف من كل المواقف المأساوية التي يمر بها الوطن العربي، وأتساءل: ما سيكون رأيه أو موقفه حيال المواقف التي نمر بها؟ أفتقد حكمة ورأي أشخاص مثل الدكتور غازي القصيبي نظرا لحكمتهم وتحليلاتهم ومعرفتهم بهذه الأمور. وكذلك أفتقد أشخاصا على المستوى العالمي كشأن السيدة بنازير بوتو التي تربطني بها علاقة شخصية، وتعلمت الكثير منها، ومارغريت تاتشر المعروفة بصلابتها وطريقة تعاطيها مع الحكومة، والتي مما لا شك فيه أن بريطانيا تفتقدها الْيَوْمَ أكثر من أي وقت مضى. وتأثري لمَ يتوقف على الشخصيات العربية والعالمية، بل امتد، ليشمل الناس العاديين البعيدين كل البعد عن السياسة، كقبائل الماساي البدو في إفريقيا الذين قابلتهم في أثناء مسيرتي الصحفية، وانبهرت وتعلمت الكثير منهم. ومؤخرا أعددت بحثا عن المرأة السعودية، وشمل هذا البحث حتى الآن ألفين وثلاثمئة وثمانين سيدة، استوقفتني منهم سيدتان من البادية السعودية، وهما أختان تبلغ إحداهما الثانية عشرة بعد المئة، والأخرى الحادية عشرة بعد المئة، تمتلكان الكثير من الحكمة والعمق الفكري ببحث قضايا المرأة وفهم طبيعتها. هذه التجارب علمتني أن الحكمة ليس من الضروري أن تكون حكراً على أشخاص معينين دون غيرهم، فالبسطاء من الناس لهم دور وحكمة لا يقلان عنهما عند غيرهم، كل منهما تركت أثرا كبيرا في مسيرتي الصحفية. الصحافة مهنة مشرفة وممتعة للغاية، وأنا سعيدة وفخورة باختياري للصحافة، وتفضيلها على المحاماة التي كانت الخيار الأول، فالصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة، البحث عن العدالة، وهما صفتان أكن لهما شغفا خاصا، والصحافة ساعدتني كثيرا للوصول إليهما. لذا وظفت هذين الصفتين للعديد من الأبحاث للتقصي عن الحقائق.

ما أبرز التحديات التي واجهتها في مهنتك؟
لم تكن الصحافة مفهومة في عالمنا العربي عند بدايتي الصحفية، بل وما زالت حتى يومنا هذا. دور الصحافة وأهميتها ليسا بالمفهوم المطلق، ما زلنا نتعلم حجم أهميتها والدور الذي تلعبه، على العكس تماما من دورها في العالم الغربي، وقوتها في إدارة دفة الأمور، وتأثيرها في دور الحكومات والرؤساء والملوك وفاعليتهم ودورهم في المجتمع، في الغرب الصحافة ما زالت فتية في عالمنا العربي. ما زلنا في دور تعلم التخصص الصحافي، وتهيئة الكادر الصحفي، وتدريبه وتأهيله بالكامل لدورة الصحفي. الصحافة أعطتني الكثير، وعلمتني الكثير، وآمل بدوري أن أَجِد الفرص لأضطلع بواجبي تجاه زملائي الصحفيين في العالم العربي، ومساندتهم وتقديم الدعم وتييسير الفرص لهم، تماما مثل صحفيي العالم الغربي الذين يتمتعون بمكانة مهمة، فالصحافي في الغرب هو السلطة الأولى، وليس الثالثة أو الرابعة.

ما رأيك في تمكين المرأة الذي نراه حاليا بشكل أكبر في الدول العربية؟
أجده متأخرا بعض الشيء على الرغم من أهميته القصوى، دور المرأة لا ينفصل عن دور الرجل، المرأة والرجل يكملان بعضهما، فهي الأم والأخت والصديقة والزوجة والحبيبة. المرأة عنصر أكثر من أساسي في المجتمع، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم من دونها، هي الحجر الأساسي في تقدم الأمم. لكننا ما زلنا متأخرين بعض الشيء، المرأة في عالمنا العربي ما زالت بحاجة إلى تعلم أهمية دورها، ووصولها إلى الثقة الكافية لتعرف حجم وأهمية دورها. فعدم ثقة المرأة الكافية بنفسها هو أكثر ما يزعجني، فأرى أن أهم قضاياها هو فقدان الثقة الكافية بنفسها للبحث عن دور أكبر. المرأة ما زالت مظلومة في عالمنا العربي، المرأة هي أم الشهيد، المرأة تحتل الريادة والقيادة في عالمنا العربي، وما مشاركتها في طليعة المظاهرات في سوريا ولبنان والعراق، إلا دليل على حضورها القوي. والأمثلة كثيرة على دور نسائنا العربيات في عالمنا العربي، كشأن لبنى العليان، التي وصلت إلى أعلى مراتب العمل في السوق لكونها تمثل أكبر شركة في عالمنا العربي (شركة العليان). والمرأة الخليجية أيضا لا يقل دورها عن الرجل في المجتمع وحجم النجاح والإنجاز الذي وصلت إليه مقارنة بوجودها قبل ثلاثين عاما مضت، وكذلك المرأة الكويتية والبحرينية اللتين كانتا من النساء الأُوَل اللاتي سعين للتعليم، وكذلك كل نساء الخليج العربي. ولا ننسى الإشارة إلى دور المرأة السعودية تحديدا، التي أبهرت العالم بإنجازاتها والأدوار القيادية التي تمثلها، وحجم التقدم العلمي الذي وصلت إليه، وأبهرني دورها في زيارتي الأخيرة للسعودية، عندما رأيت ثلاث سيدات يترأسن إدارت بنوك. واللافت للنظر نسبة تحصيلها في المجتمع، إذ تشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن المرأة السعودية تشكل نسبة % 76 من الخريجين في السعودية، وهذا دليل على وصولها إلى أعلى المراتب في التعليم، وإن شاء الله ستحقق هدفها، لكن الهدف لن يتحقق من دون الثقة الكاملة والمطالبة بها بطرق سليمة لتضمن حقوقها كاملة.

دعتك لجنة التحكيم لجائزة المرأة العربية إلى الانضمام إليها لهذا العام، ماذا تضيف لك هذه التجربة؟ وكيف تقيمين موضوع جرائم الشرف في العالم العربي؟
جائزة المرأة العربية لهذا العام حملت عنوان “جرائم الشرف في الوطن العربي”، هذا النوع من الجرائم مشين بحقنا، مشين لنا ولثقافتنا وديننا. فالتعامل الإنساني من الرقي ألا يمس بهذا النوع من الممارسات الهمجية إلى حد كبير. وأعتقد أن العالم العربي وصل إلى درجة متقدمة للحد والتخلص من هذه الممارسات اللاأخلاقية، وخصوصا في الأردن التي تبذل جهدا كبيرا تجاهها، لكونها معروفة ومتمركزة فيها أكثر من غيرها من الدول. ونتأمل أن تندثر هذه الممارسات إلى غير رجعة في المستقبل القريب جدا. ولا أخفي حجم سعادتي في المشاركة في هذا النوع من النشاطات بشكل عام، للتعرف إلى شريحة أكبر من الناس، وأيضا للتعرف إلى إنجازاتهم. وكان لي أيضا شرف المشاركة لأترأس لجنة التحكيم لجائزة الصحافي سمير قصير، الذي اغتيل في لبنان. تجربة فنية أخرى تضاف إلى حصيلة تجاربي السابقة، التي أغنتني وأضافت لي الكثير، فاطلعت من خلالها على عدد كبير من الأبحاث لصحفيينا في الوطن العربي، والتي أثلجت قلبي لحجم دورهم المهني العالي في البحث، وتعمقهم للوصول للحقيقة.

تعتبر ابنتك أمل علم الدين كلوني من أبرز الحقوقيات البريطانيات من أصل عربي، ما شعورك تجاه ابنتك لكونها تمثل عائلة علم الدين في المحافل الدولية، ولا سيما في القضايا الإنسانية الخاصة بالبلدان العربية مثل التهجير واللجوء وغيرها؟
أنا فخورة بكل أولادي، زياد و سامر وتالة وأمل الذين جمعهم النجاح كل في تخصصه. ومما لا شك فيه أني فخورة جدا بابنتي أمل، فهي مثلي، نتقاسم الحب والاهتمام للتفتيش عن الحقيقة والعدالة. أمل لها القدرة والإمكانات للوصول إلى المحافل الدولية، وتوصيل القضايا الإنسانية، ليس في العالم العربي فحسب، بل في كل أنحاء العالم. ونحن في عالمنا العربي خاصة بحاجة إلى نوصل صوت اللاجئين والمهجرين من فلسطين وسوريا واليمن، بل وحتى من لبنان، المنتشرين في جميع أنحاء العالم، نتأمل أن تستطيع أن تكون منبرا لإيصال صوت كل إنسان مظلوم يحتاج إلى إيصال صوته إلى العالم، وأتمنى أن يوفقها الله لخدمة قضايا العالم العربي والعالم بأسره.

زواج أمل علم الدين بالنجم العالمي جورج كلوني، وضع عائلة علم الدين في الواجهة على صعيد مختلف. هل خدمك هذا الأمر من حيث إيصال رسالتك إلى العالم بصوت مسموع أكثر؟
نحن عائلة عادية وطبيعية جدا، ومما لا شك فيه أن ابنتي أمل محظوظة جدا بالزواج من رجل مثل جورج كلوني، الذي يتحلى بشخصية وأخلاق عالية ومحبة للجميع، فضلا عن إنسانيته وعمله اللا محدود تجاه القضايا الإنسانية. ومما لا شك فيه أننا اليوم نعيش عالم المشاهير والشهرة الذي أصبح يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الناس، فإذا كان زواج ابنتي أمل من النجم كلوني تمكن من استقطاب الاهتمام وساعدنا في إيصال صوت الحقيقة إلى العالم، فنحن مسرورون جدا بهذا الموضوع. خصوصا أنني كنت وما زلت حريصة جدا، من خلال عملي ومقابلاتي على تلفزيونات العالم، على إيصال صوت الحقيقة وهموم وشجون بلدي. أما عن أحفادي من زواج أمل وجورج، فهما بالتأكيد يشكلان أهم وأجمل إضافة منحها إيانا جورج، فضلا عن وجوده بين عائلتنا بطيبته، وحضوره وكرم أخلاقه.
بارعة الجدة ما علاقتها بأحفادها؟
لأحفادي أهمية كبيرة بالنسبة إلي.