الاستدامة.. الوجه الأبهى لعالم المجوهرات

الاستدامة أصبحت من أكثر المصطلحات تكرارا في السنوات الأخيرة. وهي تزداد إلحاحا عاما بعد آخر، بسبب حرص المجتمعات على الحفاظ على البيئة وحماية مصادرها الطبيعية ومكافحة التغير المناخي. ولا شك أن المستهلك، وخاصة الشباب، بات يتوجه أكثر وأكثر نحو السلع والخدمات الرفيقة بالبيئة والمجتمع. دعت جمعية الأمم المتحدة للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وتحسين حياة ومستقبل الجميع في كل مكان. وخطّت في عام 2015 سبعة عشر هدفا في جزء من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ، وقد اعتمدتها جميع الدول الأعضاء. شملت الأهداف ال 17 ، حفظ الموارد البرية والبحرية وتوفير المياه الصحية للمجتمعات، وتوفير التعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، وتوفير العمل اللائق للجميع.

تستشهد المؤسسات الكبرى، والشركات الصغيرة الحجم بهذه الأهداف عندما تتحدث عن مسؤوليتها الاجتماعية، وفي خططها نحو الاستدامة. ينطبق هذا أيضا على عالم المجوهرات. فإذا أخذنا تلك الأهداف بعين الاعتبار لتوصلنا لتعريف ماهية المجوهرات المستدامة، فهي إذا تلك الحلي التي ليس لها تأثير سلبي في الأشخاص الذين يصنعونها أو البيئة التي تكون مسرح إنتاجها. ننظر في هذا التقرير إلى رحلة بعض دور المجوهرات الكبرى نحو الاستدامة.

تعتمد صناعة المجوهرات في أساسها على استغلال الموارد الطبيعية، مثل الذهب والأحجار الكريمة. ولا شك أن للتنجيم تأثيرا سلبيا في الطبيعة. وقد أحاط الغموض في الماضي سلسلة الإمداد ورحلة الجواهر من المنجم حتى تصبح جزءا من قطعة تدخل البهجة إلى قلب صاحبتها.

هيئات ونشاطات عالمية

توحدت صناعة المجوهرات لإنشاء عدد من المؤسسات والهيئات العالمية لحماية حقوق العاملين في المناجم، واتباع بعض الأساليب التي تهدف نحو الاستدامة. من بينها نظام "عملية كيمبرلي" لإصدار الشهادات التي توحد الإدارات والمجتمعات المدنية والصناعة في الحد من تدفق "ماس الصراع"، وهو الماس الخام المستخدم في تمويل الحروب ضد الحكومات حول العالم. تشارك فيه 82 بلدا حول العالم، وتحد بنسبة 99.8 في المئة من تدفق إنتاج "ماس الصراعات"، أو ما يعرف بلقب "الماس الدموي".

أما "مجلس الماس الطبيعي" Natural Diamond Council، فيمثل أعضاؤه السبعة ما يقرب من 75 في المئة من إنتاج الماس الخام في العالم، ويؤثر أعضاؤه في حياة وبيئة أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم بشكل مباشر. وهو يلتزم التزاما تاما بدعم التنمية المستدامة للمجتمعات والبلدان المنتجة للماس وقطاع الماس من المنجم حتى السوق. ويهدف إلى توفير وظائف آمنة وعالية الجودة ومصادر محلية للسلع والخدمات اللازمة لعملياتهم. ويعمل على مبادئ الشفافية والممارسات التجارية الأخلاقية والمستدامة، وعلى خلق تأثير إيجابي دائم. وتتمثل مهماته في تعزيز سلامة صناعة المجوهرات الماسية الحديثة وإلهام المستهلك وتثقيفه وحمايته. وتضم لائحة أعضاء المجلس دار "دي بيرز" De Beers و"الروزا" Alrosa و"لوكارا" Lucara.

"مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات" Responsible Jewellery Council

منظمة عالمية رائدة للمعايير والشهادات لصناعة الساعات والمجوهرات، وهو يقدم مجموعة عالية من المعايير العالمية توفر ضمانا واضحا ومستقلا. تغطي قواعده سلسلة توريد المجوهرات الكاملة من المنجم حتى البيع بالتجزئة. وهذا يتطلب تدقيقا مستقلا من طرف ثالث لأعمال أي عضو من أعضاء المجلس. مع التركيز على أخلاقيات العمل، وسلاسل التوريد المسؤولة وحقوق الإنسان والعناية الواجبة، وحقوق العمال، وظروف العمل والصحة والسلامة والإدارة البيئية. تلتزم كل شركة تحمل شهادة من هذا المجلس، بمبادئ ومعايير عالمية، بما فيها مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وبأهداف التنمية المستدامة والاتفاقيات التي تنص على شروط للمعايير الاجتماعية والبيئية. تتاح عضوية المجلس للمنظمات والشركات الكبيرة والصغيرة من داخل وخارج سلسلة إمداد الساعات والمجوهرات.

هذا، وتحمل 1253 شركة ومنظمة شهادة هذا المجلس. تتضمن لائحة العضوية عددا كبيرا من دور الساعات منها، "أوميغا" Omega ، و"هوبلو" Hublot ، و"فاشيرون كونستانتين" Vacheron Constantin ، و"جيجير لو كولتر" Jaeger Le Coultre ، و"أوليس ناردان" Ulysse Nardin.

أما من دور المجوهرات، فاللائحة طويلة تشمل "بولغري" ،Bvlgari و"كارتييه" Cartier ، و"شوبارد" Chopard ، و"تيفاني أند كو" & Tiffany Co ، و"فان كليف أند أربلز" Van Cleef & Arpels ، و"بياجيه" ،Piaget و"بودلز" Boodles ، و"بوشرون" Boucheron ، وشركات أخرى.

التعدين الحرفي

ويعرّف "مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات" Responsible Jewellery Council المعادن الثمينة التي يجري تعدينها بمسؤولية على أنها خالية من النزاعات بحد أدنى، ويجري إنتاجها بمسؤولية في كل خطوة من خطوات الإمداد. وهذا يعني أن المعايير المناسبة تنطبق على حقوق الإنسان، ومعايير العمل والأثر البيئي وأخلاقيات العمل على النحو المنصوص عليه في مدونة قواعد الممارسات في "مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات".

وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن نحو 43 مليون شخص يعمل في التعدين الحرفي والصغير الحجم عبر جميع أنواع التعدين، وهو ما يمثل نحو 90 في المئة من جميع عمال المناجم. فيبلغ عدد الأشخاص الذين يعتمدون على هذا القطاع نحو 150 مليون إنسان، عند احتساب أسر من يعملون في هذا المجال. يذكر أن هذا التعدين الحرفي وصغير الحجم هو تعدين غير رسمي إلى حد كبير يتطلب العمل فيه قدرا قليلا من المعرفة والمهارة، وباستخدام أدوات وتقنيات بدائية. ويرتبط بمستويات منخفضة من تدابير السلامة أو الرعاية الصحية أو حماية البيئة، وخاصة أن التعدين الحرفي هو مصدر أكبر إطلاقات الزئبق، والتي قدرت في عام 2011 بمقدار 1400 طن. ومعروف أن للتعرض للزئبق آثارا صحية خطرة، كما أن تسربه للتربة والمجاري المائية يؤدي إلى شق طريقه إلى السلسلة الغذائية.

ولذلك تسعى تحالفات وهيئات عدة إلى اضفاء الشرعية والطابع الرسمي على مجتمعات التعدين الحرفي، وتحسين بيئات العمل وسلامة العاملين فيه. نذكر منها "تحالف التعدين المسؤول" Alliance for Responsible Mining . وهو متخصص في التعدين الحرفي والصغير الحجم ASM ، والذي أُسس عام 2004 . وهو يسعى إلى تحويل قطاع التعدين الحرفي وصغير الحجم إلى نشاط مسؤول اجتماعيا وبيئيا، وتحسين نوعية حياة عمال المناجم الحرفيين وأسرهم ومجتمعاتهم.

ذهب أخلاقي ومسؤول

يذكر أن دار "شوبارد" Chopard اتخذت قرارا طويل الأمد في عام 2013 للاستثمار في ذهب حرفي التعدين. وكانت الدار مسؤولة مسؤولية مباشرة عن عدد من المناجم الصغيرة بالشراكة مع "تحالف التعدين المسؤول" من خلال توفير موارد مالية وتقنية. وبذلك ضمنت لمجتمعاتها بيع الذهب بسعر ممتاز وضمن سير العمل بما يتوافق مع الشروط البيئية والاجتماعية الصارمة، وساعدتها على الحصول على شهادة التعدين العادل. وكانت الدار من أوائل الدور التي تستخدم 100 في المئة من الذهب الأخلاقي في جميع مجوهراتها، وأول دار تنتج ساعة من ذلك الذهب أي الذهب المستورد من مصادر مسؤولة وجرى التأكد من استيفائها لأفضل المعايير والممارسات الاجتماعية والبيئية المعتمدة.

أما دار "بولغري" Bvlgari التي تؤكد أهمية التقدم المستمر في أدائها الأخلاقي والاجتماعي والبيئي بصفته عنصرا أساسيا في تميز منتجاتها، فقد حصلت في عام 2015 على شهادة "سلسلة الحراسة" Chain of Custody لخطوط منتجاتها من الذهب. وأصبحت في عام 2019 تستورد 100 في المئة من الذهب من مصادر مسؤولة موثقة من "مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات".

وكذلك تفخر دار "بوميللاتو" Pomellato الإيطالية باستخدامها الذهب المسؤول في جميع إنتاجها من المجوهرات، وقد قالت "سابين بيللي"، المديرة التنفيذية للدار: "نحن الآن نواجه إدراك أن الأفعال البشرية تعطل توازن كوكبنا. هذا وقت حاسم لفعل ما في وسعنا من أجل الأرض. نحن فخورون بدورنا من أجل مستقبل أفضل، مع الاستمرار في تقديم مجوهرات ميلانية بديعة للعالم".

النطاق الصناعي

أما على النطاق الصناعي، فأُسست في عام 2006 "مبادرة ضمان التعدين المسؤول" Initiative for Responsible Mining Assurance التي تتصور عالما تحترم فيه صناعة التعدين حقوق الإنسان وتطلعات المجتمعات المتأثرة، وتوفر فيه أماكن عمل آمنة وصحية وداعمة، وتقلل من ضرر البيئة، وتترك موروثات إيجابية. وكانت دار "تيفاني أند كو" Tiffany & Co من الأعضاء المؤسسين في اللجنة التوجيهية التي أطلقت "ضمان التعدين المسؤول" في عام 2018 ، والذي يحدد الممارسات الجيدة للتعدين المسؤول على المستوى الصناعي، ويوفر قائمة التوقعات التي يستخدمها المدققون المستقلون معيارا للمناجم المسؤولة. ولا تتوقف المسؤولية عند ضمان العمل وسلامة العاملين والبيئة خلال فترة "حياة" المنجم، وإنما أيضا المخططات لما يقام بعد نفاد العمل فيه. فتعمل بعض الشركات، على ردم المناجم وزراعة الأراضي حولها لتقليص الآثار السلبية في البيئة.

فمثلا أنشأت مؤسسة "تيفاني أند كو" Tiffany & Co برنامج "التعدين المسؤول" الذي تبرع بأربعة ملايين دولار لمؤسسات غير حكومية تعالج الأراضي، ومستجمعات المياه التي تأثرت بالتعدين التاريخي في الولايات المتحدة. أما دار "دي بيرز" De Beers التي استخدمت شعار "الماس إلى الأبد" في حملاتها الإعلامية الشهيرة، فقد وضعت "إلى الأبد" نصب عينها عند تحديد مسؤولياتها المؤسساتية من أجل مستقبل أكثر أمنا وعدلا وأنظف وأكثر صحة للجميع. وهي تضطلع بعدد من المبادرات الاجتماعية والبيئية بناء على هذا المبدأ. وتتمثل رؤيتها في تشغيل مناجم دون تأثير سلبي في الطبيعة، وإحداث تأثير إيجابي في التنوع البيولوجي بوجه عام. فتخصص في جنوب إفريقيا، ستة هكتارات للحفاظ على الطبيعة، مقابل كل هكتار من الأراضي التي تستخدمها المجموعة للتعدين. كما أنها تعمد إلى ردم المناجم بعد انتهاء مدة العمل فيها، وتحديد أفضل استخدام للأرض بالتشاور مع قادة المجتمع، سواء كان بإعادة زرعها أو استخدامها للأراضي الزراعية.

من المفيد أن نؤكد أن الماس يشكل نسبة ضئيلة من أعمال التعدين الحرفي والصغير الحجم، فهو يقدر بنسبة 15 إلى 20 في المئة من قطاع إنتاج الماس. وهو بذلك يؤثر في نحو 1.5 مليون عامل. وقد أطلقت دار "دي بيرز" De Beers مشروع "جيمفير" Gemfair بهدف إنشاء طريق آمن وشفاف لإنتاج هذه المناجم الحرفية الصغيرة، وتعزيز تطوير القطاع ليكون مصدرا موثوقا به لتوريد الماس. وقد طورت "جيمفير" نظاما رقميا يساعد في تثقيف عمال المناجم حول كيفية تحقيق سعر عادل للماس، ويسمح بتتبع الماس الحرفي من المنجم إلى السوق. بدأ المشروع نشاطاته في سيراليون، ويهدف إلى التوسع في بلدان أخرى.

الأحجار الكريمة الملونة

في عام 2015 ، شكلت دار "تيفاني أند كو" ،Tiffany & Co و"سواروفسكي" Swarovski ، ومجموعة "ريشمون" ،Richmont ومجموعة "إل في إم إتش" LVMH ، ومجموعة "كيرينغ" Kering ، وشركة "جمفيلدز" Gemfields ، "مجموعة عمل الأحجار الكريمة الملونة" CGWG Coloured Gemstones Working Group.

وانضمت إليها لاحقا شركات "موزو" Muzo ، ودار "شوبارد" Chopard . تلتزم مجموعة العمل CGWG بتحفيز التغيير الإيجابي في المصادر المسؤولة للأحجار الكريمة الملونة. درست المجموعة الكثير من القضايا والمخاطر المعقدة ضمن سلسلة الإمداد، والتأثير الاجتماعي والبيئي لهذا النشاط. فهي تعمل من أجل تحقيق صناعة أكثر شفافية وخاضعة للمساءلة. وقد طورت أدوات العناية الواجبة والعملية ومبادرات الامتثال والشفافية والأطر والتوجيهات.

وتجهد دار "بولغري" Bvlgari في مراقبة الآثار الاجتماعية والبيئية لسلسلة الإمداد، في جميع إنتاجها، بما في ذلك الأحجار الكريمة الملونة، وتعمل مع شركائها في CGWG لتعميق الالتزام بالتوريد المسؤول للأحجار الكريمة. أما دار "شوبارد" Chopard ، فقد أطلقت في عام 2013 ، بالتعاون مع شركة "إيكو إيج" Eco-Age ، برنامج "الرحلة نحو الترف المستدام"، متطلعة إلى إحداث تأثيرات رئيسة في تحسين عمليات الإمداد والإنتاج بغية إيجاد سلاسل توريد أكثر مسؤولية من المنجم إلى المنتج النهائي. وتضمن البرنامج عمل الدار مع شركائها للحصول على الذهب والزمرد من مصادر مسؤولة. وفي سابقة جديدة، استوردت أحجار الأوبال التي يمكن تتبع مسيرة استخراجها من مصادر مستدامة. إضافة إلى استخدامها الماس المصادق عليه من "مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات".

ولا بد من ذكر "ماس تيفاني" Tiffany Diamond ، حيث أصبحت دار "تيفاني أند كو" Tiffany & Co هذا العام، أول دار مجوهرات عالمية يمكنها الكشف عن البلدان التي مرت بها أي ماسة جديدة يفوق عيارها 0.18 قيراط. وفي مجال الأحجار الكريمة، نذكر شركة "جمفيلدز" Gemfields الرائدة في توريد الأحجار الكريمة الملونة من مصادر مسؤولة. فتشرف على تعدين وتسويق الزمرد والياقوت، بمسؤولية وشفافية.

وتملك الشركة مناجم في زامبيا للزمرد، وفي موزمبيق للياقوت. كما طورت "جيمفيلدز" نظام تصنيف خاصا، ومزادا ومنصة تداول رائدة لتوفير إمدادات ثابتة من الأحجار الكريمة الملونة عالية الجودة لسوق المجوهرات العالمي. وهي تملك دار "فابرجيه" Fabergé للمجوهرات، التي نالت أخيرا شهادة عضوية "مجلس الصناعة المسؤولة للمجوهرات". وهي مصدر للأحجار الكريمة للكثير من الصاغة، من بينهم دار "شوبارد" Chopard التي أعلنت عن شراكتها معها في عام 2016 ، وكشفت عن أول مجموعاتها باستخدام أحجارها الكريمة في قطع مجموعة "غرين كاربت" Green Carpet لذلك العام.