
خاص "هي" - سارة للا: كيف تحوّل الوعي الفردي إلى منظومة إيكولوجية تغيّر وجه الاستهلاك
في زمنٍ أصبحت فيه النفايات البلاستيكية جزءاً مألوفاً من تفاصيل حياتنا اليومية، تخرج من قلب دبي قصة مختلفة، قصة رائدة أعمال رأت في عبوة طعام مهملة بداية لتغيير منظومة بأكملها. سارة للا، العراقية المقيمة في الإمارات، قررت أن تحوّل استياءها من مشهد الاعتماد المفرط على البلاستيك إلى مبادرة تحمل رؤية عملية وعميقة في آن. من هنا وُلدت EcoCentric، الشركة التي أعادت تعريف الراحة لتجعلها متوافقة مع الاستدامة، ولتُبرهن أن الوعي يمكن أن يتحول إلى فعل مؤثر.

وقد تُوّج هذا الالتزام بفوز سارة بـ جائزة Unlock Her Future Prize، المبادرة العالمية السنوية التي أطلقتها The Bicester Collection عام 2022 لدعم رائدات الأعمال المؤثرات في مجالات التغيير الاجتماعي والثقافي والبيئي. الجائزة لا تقتصر على الاعتراف بالإنجاز، بل تمنح الفائزات شبكة دعم دولية، وإرشاداً متخصصاً، وإمكانيات للنمو والتوسع. فوز EcoCentric بهذه الجائزة سلّط الضوء على أهمية المشروع، ورسّخ مكانة سارة للا كصوت قيادي في ريادة الأعمال المستدامة في الشرق الأوسط.
تتذكر سارة تلك اللحظة الأولى بوضوح و تقول لهيَ في حوار خاص:
"الفكرة تبلورت عندما رأيت كمية النفايات البلاستيكية الناتجة عن توصيل الطعام في دبي. حتى عند طلب شيء بسيط، كان حجم العبوات المستعملة مقلقاً. أدركت أن المسألة لم تعد مجرد إزعاج، بل قضية صحية وبيئية لا يمكن تجاهلها. تلك اللحظة جعلتني مصممة على ابتكار حل عملي وفعّال."
لكن الاستدامة لم تكن مجرد مسألة استبدال عبوة بأخرى.
"اكتشفنا سريعاً أن الحل يتطلب إعادة التفكير في الدورة كلها. EcoCentric أصبحت منظومة تربط بين المطاعم والمستهلكين وعمليات التوصيل عبر حاويات قابلة لإعادة الاستخدام. التطبيق يجعل العملية بسيطة ومباشرة، ويحّول الخيارات الواعية إلى أسلوب حياة."

التحديات لم تكن سهلة:
"أصعب ما واجهناه كان ثقافياً، فلطالما ارتبط مفهوم الراحة بالاستهلاك والتخلص السريع. كان علينا أن نغيّر هذا التصور ونثبت أن الاستدامة يمكن أن تكون مريحة وسهلة. أما مالياً، فقد شكّل جمع التمويل في المراحل الأولى تحدياً، لكن الشراكات والمشاريع التجريبية ساعدتنا على إثبات نجاح النموذج."

وعن دور المرأة، تقول:
"المرأة بطبيعتها تحمل دوراً راعياً ومغذياً للمجتمع، وهذا يمتد بشكل جميل إلى مجال الاستدامة. في منطقتنا، النساء يقدن اليوم نقاشات حول الصحة والعائلة والقيم المجتمعية، وكلها مرتبطة بالبيئة. فوزي بجائزة Unlock Her Future كان دليلاً أن رائدات الأعمال قادرات على إعادة تعريف القيادة في هذا المجال."
أما عن العلاقة بين التقنية والوعي البيئي:
"التكنولوجيا اليوم تمكّننا من تحويل النوايا إلى أفعال ملموسة. عبر التطبيق، يمكن للمستهلك أن يرى الأثر المباشر لخياراته في تقليل النفايات، فيما يستطيع الشركاء متابعة البيانات بدقة. ومع ذلك، نوازن هذا الابتكار بمبادئ أزلية: احترام الموارد، تحمّل المسؤولية، والعودة إلى أنماط عيش أكثر صحة وطبيعية."
وتختتم سارة حديثها عن أثر الجائزة:
"الفوز منحنا أكثر من مجرد اعتراف. قدّم لنا شبكة من المرشدين والداعمين، وأعطانا ثقة إضافية سمحت لنا بالانتقال من مشروع تجريبي صغير إلى رؤية قابلة للتوسع على مستوى الخليج. والأهم أنه منحنا يقيناً بأن التغيير ليس احتمالاً بعيداً، بل حقيقة تتشكل كل يوم."
رحلة سارة للا مع EcoCentric تبرهن أن الشرارة قد تبدأ بلحظة استياء بسيطة، لكنها قادرة على إشعال حركة واسعة تُعيد صياغة أنماط الاستهلاك. فهنا لا تكون ريادة الأعمال مجرد سعي للربح، بل وسيلة لإعادة التفكير في قيمنا وسلوكياتنا اليومية. الاستدامة ليست رفاهية إضافية، بل خيار إنساني ومسؤولية جماعية، وهو ما حوّلته سارة إلى مشروع حيّ يفتح الطريق أمام جيل جديد من المبادرات المؤثرة في المنطقة.