محترفة الألعاب الإلكترونية مريم ماهر

محترفة الألعاب الإلكترونية مريم ماهر تكتب لـ"هي": نحن لا نخشى أن نحلم بشكل مختلف!

مجلة هي
18 أغسطس 2025

الألعاب الإلكترونية كانت في البداية متعة بسيطة خلال طفولتي، حين كنا نجتمع أنا وأبناء عمي في بيت جدتي في البحرين، ونتنافس ونضحك لساعات. كنت وقتها في السابعة من عمري فقط، لكنني أتذكر كم كنت أكره الخسارة. سواء كنت أشارك في ألعاب الفيديو أو أمارس رياضة كرة القدم في الحيّ، لطالما امتلكت روح المنافسة.

وتلك الشعلة لم تنطفئ يوما. لدى إطلاق لعبة "فالورانت" Valorant عام 2020، شعرت بأن شيئا ما تغيّر. وما كان في يوم من الأيام مجرد هواية عادية، أصبح شغفا اعتزمت تحويله إلى مسيرة مهنية. فبدأت أخذ الرياضة الإلكترونية بجدية، وفي 2021، اتخذت قرار احترافها. تدربت بجد، وشاركت بشكل متواصل في المنافسات، ووضعت كل ما أملكه في سبيل التطور كلاعبة. وفي 2022، اكتشفتني منظّمة G2 Esports، وهي لحظة غيرت حياتي.

في ذلك الوقت، كنت في سن الخامسة عشرة فقط، ولم يكن باستطاعتي توقيع عقدي حتى بلغت سن السادسة عشرة، لكن فترة الانتظار لم تحبطني بل دفعتني لأثبت أنني أنتمي إلى الساحة الدولية. ولم يكن من السهل تحقيق التوازن بين الدراسة والرياضة الإلكترونية المحترفة، فكنت أعود إلى المنزل من الحصص الدراسية وأغوص مباشرة في 6 إلى 7 ساعات من التدريب، وهو ما اضطرني غالبا إلى تفويت المناسبات الاجتماعية أو الإجازات، لكنني كنت أفعل ما أحب، وهذا المستوى من الالتزام علّمني الانضباط والمرونة وكيفية التعامل مع الضغط منذ سن صغيرة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، صنعنا التاريخ.

شــاركت في أول بطـــولـــــة عالـــمـيـــــة لي، ولم يفز فريقنا فحسب، بل حــصـلـــت أيـــضـــا على لـــقـــب أفـــضـــل لاعب في البـــطولــــة. في السادسة عشرة من عمري، حققت ما لا يستطيع الكثيرون سوى أن يحلموا به، Falcons Vega، أول فريق نسائي من الشرق الأوسط يتأهل لبطولة Game Changers Championship. تمثيل البحرين على الساحة العالمية هو أمر أحمله في قلبي وأعتز به بكل فخر في كل مباراة وكل تحدٍّ وكل لحظة تختبرني. وأن أكون قادرة على إظهار المواهب والعزيمة والإمكانات الموجودة في البحرين للعالم يعني لي كل شيء.

محترفة الألعاب الإلكترونية مريم ماهر

غالبا ما يعتقد الناس أن النجاح في الألعاب الإلكترونية قائم على الإدراك السريع، ولكن بالنسبة لي، القوة الحقيقية تكمن في الذكاء العاطفي. والانضباط تحت الضغط، والتواصل بهدوء مع زملائي، والنهوض بعد الخسائر، والأداء بصفاء ذهني في أكثر اللحظات توترا هي ما يفصل بين اللاعبين الجيدين والعظماء. مرت عليّ أيام شعرت فيها بالإرهاق الذهني، أو شككت في نفسي، أو شعرت بأن الضغط ثقيل جدا، أو أصبح من الصعب تجاهل الانتقادات، لكن الرياضة الإلكترونية علمتني كيف أتنفس خلال تلك اللحظات، وأستمر في الحضور وإثبات وجودي.

تعلمت التحكم بمشاعري والقيادة بتعاطف ودعم فريقي داخل اللعبة وخارجها. بعيدا عن الجانب التنافسي، أستخدم منصتي لأروي قصتي، وأنشئ المحتوى، وأتواصل مع الآخرين الذين يشعرون من خلال هذا المحتوى الذي أشاركه بأن هناك من يراهم. فأتحدث بصراحة وانفتاح عمّا وراء الكواليس، والموازنة بين الدراسة الجامعية والألعاب الإلكترونية، وصراعات الصحة النفسية، والانتصارات والهزائم، لأنني أعتقد أن جيلنا يحتاج إلى المزيد من الواقعية والصدق.

لكوني شابّة بحرينية في مجال الرياضات الإلكترونية، لمست قوة التمثيل. أريد أن تعرف أي فتاة من البحرين أو العالم العربي والتي تحب الألعاب الإلكترونية، أن حلمها حقيقي، وصوتها يحدث الفرق. أعطتني الألعاب الإلكترونية أكثر من مجرد مهنة، فمنحتني ثقة وتوجيها وإدراكا قويا لهُويتي. أنا لست مجرد لاعبة رياضات إلكترونية، أنا طالبة، وابنة، وزميلة في فريق، وامرأة شابة تخوض غمار الحياة مثل أي شخص آخر.

ما تعلمته من خلال الألعاب الإلكترونية يتجاوز حدود الشاشة بكثير: العمل الجماعي والمرونة والتحكم الانفعالي والإيمان بالذات. وهي دروس سأحملها معي مدى الحياة. لم تعد الألعاب الإلكترونية اليوم مجرد ثقافة فرعية، بل أصبحت حركة عالمية، ومساحة إبداعية، ومهنة متعارف عليها.فيها مجال للابتكار والتعبير والقيادة والتأثير، وشباب اليوم يقودون هذه الحركة. نحن لا نخشى أن نحلم بشكل مختلف، وهذا شيء يستحق أن يُحتفى به.

رحلتي هي دليل على أن المسارات غير التقليدية قد تقودك إلى أماكن مدهشة، وأن الشغف عندما يقترن بالانضباط والنمو العاطفي يستطيع أن يأخذك إلى أبعد مما تخيّلته يوما. وخلال كل ذلك، أحمل البحرين معي، في كل فوز وكل خسارة وكل محطّة فارقة، أحملها معي دليلا على أن حلما من أرض جزيرة صغيرة يمكن أن يتردد صداه في كل أنحاء العالم.