
خاص "هي": قياديات وراء الأضواء.. من خلف الكواليس إلى صدارة التأثير في عالم الفن
في عالم الموسيقى، لا يُبنى النجاح على الموهبة وحدها. خلف كل فنان ناجح، هناك فريق يعمل بصمت، وعلى رأسه مدير أعمال يلعب دوراً محورياً في رسم المسار، واتخاذ القرارات، وبناء الصورة العامة. نسلّط الضوء على الدور المتنامي لمديرات الأعمال في صناعة الموسيقى، وكيف أصبحن شريكات حقيقيات في بناء العلامة الفنية وتوسيع نطاق التأثير. من إدارة اليوميات إلى الاستراتيجيات بعيدة المدى، نتناول كيف تسهم هذه العلاقة في تحويل الفنان من اسم واعد إلى ظاهرة فنية، وما الذي يتطلبه هذا الدور في زمن تتسارع فيه التوجهات وتتغيّر فيه قواعد اللعبة.
تعرفت إلى باولا غنيمة في كواليس جلسة تصوير غلاف عدد “فبراير” الماضي مع رحمة رياض وألكسندر علوم، حيث كانت تتابع التفاصيل بهدوء ودقّة. أثار اهتمامي دورها خلف الكواليس، كمسؤولة عن إدارة عدد من الأسماء البارزة في الفن. في هذا اللقاء، نتحدث معها عن عملها كنائبة رئيس شركة "ميوزك إز ماي لايف"، وعن كيفية موازنة الجانب الإبداعي بالاستراتيجية، وبناء علاقة ثقة مع الفنان، واتخاذ قرارات قد تغيّر مساره بشكل جذري، مسلّطين الضوء على كواليس المهنة، والواقع اليومي في مجال إدارة الأعمال الموسيقية.
نائبة رئيس شركة Music is My Life باولا غنيمة: بين الاستراتيجية والحدس، تولد مسيرة فنية
ما الذي ألهمك خوض مجال إدارة الأعمال الموسيقية؟ وكيف بدأت رحلتك في هذا العالم؟
بدأت رحلتي عندما انضممت إلى "غلافا" Glava، الشركة القـــابــضــة التي تـــديـــــر "ميــــــوزك إز ماي لايف" Music Is My Life، حيث انغمست في العمليات الاستراتيجية وتعرفت إلى النظام الشامل المكرّس لدعم الفنانين. ولكن حتى في ذلك الوقت، لم أكن مهتمّة بالسير خلف الصيحات وملاحقتها، بل ما جذبني كان مفهوم بناء الإرث الفنّي. أما ما ألهمني خوض مجال إدارة أعمال الفنانين، فكان مشاهدة كيف استطاع رجــــل الأعمـــــال الـــرؤيــــــوي "غــــسان شـــرتـــــوني"، مــؤسس شركة "غلافا"، دفع فكرة تحويل الفنانين إلى علامات تجارية بنزاهة وتوجيه وهدف. إرشاده لي منحني الأساس والإيمان بأن هذا المسار ممكن، لا بل ضروري.
هل كانت هناك لحظة حاسمة أو موهبة معيّنة جعلتك تدركين أن هذا هو المسار الصحيح لك؟
بالتأكيد. حدثت تلك اللحظة مع الفنانة "رحمة رياض". كانت تملك منذ البداية حضورا موسيقيا باهرا، ولكن لم تكن فكرة بناء علامة تجارية لها أو التركيز على التعاونات في صميم مسيرتها. رافقتُها إلى جلسة تصوير بشكل غير رسمي، وكان الانسجام بيننا فوريا. لم أكن مديرة أعمالها بعد، لكنني آمنت بها، وهي لمست ذلك. فمنحتني ثقتها، ومنحتها تفانيّا كاملا. أصبحت تلك اللحظة نقطة تحول ليس فقط في مسيرتي المهنية، ولكن في رحلتنا المشتركة. معا، أدركنا كم كنّا متوافقتين ومنسجمتين، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأهمية بناء علامة تجارية، وهو شيء لطالما كنت شغوفة به، نظرا لخلفيتي في مجال التسويق.
كــيـــف تصـــفيــــن دورك في صيــــاغـــــة مســيـــــرة الفــنــــــان، من الاستراتيجية إلى التوجيه الإبداعي؟
في هذا الدور، علم وفطرة. نعمل وفق نموذج شامل مبني على البيانات، ويتضمن استراتيجية العلامة التجارية، والتوجيه الإبداعي، والتموضع الرقمي، والتناغم العاطفي. لكن الجوهر هو "تنفس الفنان". فأنغمس بشكل كامل في شخصياتهم، ليس فقط كفنانين، ولكن كأشخاص. إن نهج "ميوزك إز ماي لايف" مبني على هذا العمق؛ نحن لا نطلق صيحات عابرة، بل نبني هويات دائمة. وعند فعل ذلك، يكون التوازن هو المفتاح، والقدرة على دمج المنطق التجاري مع الحدس الإبداعي هي ما يرتقي بالمسيرة المهنية من مكانة جيّدة إلى أيقونية.
ما القرار الذي اتخذته في الكواليس وكان له تأثير كبير في نجاح فنّان؟
إعادة تحديد موضع صورة "رحمة رياض" واستراتيجيتها الإعلامية. كانت هي المحفز! وقد حوّلنا محور التركيز من المكاسب السريعة إلى الاستثمار الطويل الأجل، من خلال تحسين صورتها، وتأمين شراكات رفيعة المستوى، وصياغة حـــضــــور رقـــمــــي ثابت. وقد أدى ذلك إلى تحقيق إنجازات كبيرة، مثل الظــهـــــور في قائمة "40 تحت سن الـ40" من "بيلبورد عربــيــــة". اليــوم، "رحمــــة" معــــروفة بأنها واحدة من أكثر الفنانات تأثيرا في المنطقة. وهذا دليل على أن الرؤية الطويلة المدى تؤتي ثمارها.
هل يمكنك مشاركة لحظة أو حادثة في حياتك المهنية لن تنسيها أبدا، سواء كانت صعبة أو مجزية؟
عندما قدّمتني "رحمة" علنا، على أنني مديرة أعمالها للمرة الأولى، بعد أشهر من العمل خلف الكواليس؛ كانت لحظة مجزية ومرضية للغاية. ذلك ثبّت الرابط الذي يجمعنا وكل العمل الذي أنجزناه في صمت. لم تكن تلك اللحظة رمزية فقط، بل عززت الثقة المتبادلة التي لا تزال أساس تعاوننا.
ما أكبر التحديات التي واجهتك لكونك امرأة في قطاع يهيمن عليه الرجال؟
التحدي الأكبر هو الثقة. في الكثير من القطاعات، لا يزال يتعين على المرأة كسب المصداقية، قبل منحها لها. وهي لا تفترض الاعتبار والصلاحية، بل تبنيهما. ومع ذلك، فإن كل تحدّ يشحذ خبرتي أكثر فأكثر، وفي النهاية، للنتائج الصوت الأعلى. لم يكن وصولي إلى منصب نائب الرئيس في شركة "ميوزك إز ماي لايف" إنجازا شخصيا فحسب، بل كان أيضا دليلا على أنه يمكن للمرأة ويجب عليها أن تكون قائدة في هذه الصناعة.
هل شعرت يوما بالتقليل من شأنك أو الاستخفاف بقدراتك لأنك امرأة؟ وكيف تعاملت مع الأمر؟
نعم، أكثر من مرة. لكني حولت هذا الاستخفاف إلى وقود هادئ. لم أشعر أبدا بالحاجة إلى إثبات نفسي بالضجيج، وتركت عملي يتحدث. وبمرور الوقت، تتوقف الأسئلة عندما لا يمكن إنكار ما نقدّمه.
كيف تبنين الثقة وتحافظين على علاقة عمل صحية ومثمرة مع الفنانين؟
الثقة هي كل شيء. أنت لا تديرين المهام فقط، أنت تديرين حلم شخص ما. إنها مسؤولية هائلة. أكون حاضرة بكل معنى الكلمة، وأبقى ثابتة، وأضع مصلحة الفنان في المقدّمة. لا مكان هنا للغرور، بل للتوافق. أحاول أن أفهم الشخص الذي يقف خلف المؤدي، ونبني مع الفريق شيئا أصيلا. أن يضع شخص آخر حياته المهنية بين يديك، لا يمكنك أن تستخف به.
ما النهج الذي تتبعينه عندما تختلفين مع الفنان إبداعيا أو مهنيا؟
الخلاف الإبداعي أمر طبيعي وصحي. أرى دوري مرشدة وليس حارسة بوابة. أقدّم للفنان البيانات واتجاهات الصناعة ومنطق العلامة التجارية، لكنني أبقى أيضا متقبّلة للحدس والعاطفة. أفضل القرارات هي القرارات التعاونية. مع "رحمة"، على سبيل المثال، مررنا بلحظات رأينا فيها الأمور بشكل مختلف، لكن انفتاحها وثقتنا المتبادلة حولت تلك اللحظات إلى محطّات فارقة ونجاحات. الأمر لا يتوقّف علّي أنا فقط، بل يقوم علينا "نحن"، بما في ذلك الفنان والفريق الأساسي والرؤية المشتركة.
ما النصيحة التي تقدمينها للشابات اللواتي يرغبن في خوض مجال إدارة الأعمال الموسيقية؟
ابني مساحتك الخاصّة بك. تعلّمي الطريقة، حتى بأجزائها غير "المتألقة". ابقي فضولية. تحتاج هذه الصناعة إلى المزيد من النساء، لا إلى نساء حاضرات فقط، بل نساء مؤثرات. ولا تتجاهلي حدسك، لأنه من أقوى أدواتك. كل خطوة مهمة، حتى تلك التي لا يراها أحد غيرك.
هل سبق لك أن واجهت رفضا أو نتائج الرقابة عند تمثيل رؤية فنان معيّن في المنطقة؟ وكيف كان ردّك؟
نعم. الحساسيات الثقافية واقع، وعلينا التعامل معها بحكمة. لكن نهجنا هو التكيف دون المساس بالجوهر. يمكنك إيصال رسالة جريئة بطريقة ذكية، فلا نفكّر فقط بما نقوله بل بكيفية قوله. الإبداع هو الجسر.
ما الجزء الأكثر تحديا في عملك؟
الموازنة بين الرؤية والتقلبات. فأنا أتعامل مع ناس وضغوط وأهداف في آن معا. عليك أن تكوني الثابت في العاصفة، ولكن هذا ما يجعل عملنا جميلا. أنت تصبحين المرساة وراء الأضواء. ويرجع الفضل الكبير إلى "غسان شرتوني" في إرشادي وبناء النظام الذي سمح لأشخاص مثلي بالارتقاء. إيمانه بالإدارة التي تضع الفنان أولا وبالابتكار الرقمي غيّر قواعد اللعبة، ومنحني أساسا لفعل ما أفعله.
لمعت رندا رياض كإحدى الشخصيات النسائية القلائل اللواتي اقتحمن عالم إدارة الأعمال الموسيقية في الوطن العربي بثقة ورؤية واضحة. بدأت رحلتها مدفوعةً بشغف أصيل بالموسيقى والفعاليات، لكنها لم تلبث أن وجدت نفسها تقود المسارات المهنية لفنانين كبار، وأبرزهم النجمة أنغام، التي منحتها ثقتها في سنٍ مبكرة لا تتعدّى الرابعة والعشرين. ومنذ ذلك الحين، أثبتت رندا أن النجاح في هذا المجال لا يُقاس بالعمر أو الجنس، بل بالاحترافية، والقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، وبناء علاقات متينة تقوم على الثقة والشفافية.
في هذه المقابلة، نتعرّف على فلسفة راندا في إدارة الفنان، ونكشف التحديات التي واجهتها كامرأة في قطاع يهيمن عليه الرجال، والأسلوب الذي تتّبعه للحفاظ على توازن دقيق بين الإبداع والواقع التجاري، بين الإنسان والفنان.
مديرة أعمال الفنانة أنغام رندا رياض: أُدير الفنان، لا أقيّده… وهذه هي المعادلة الأصعب
ما الذي ألهمك خوض مجال إدارة الأعمال الموسيقية؟ وكيف بدأت رحلتك في هذا العالم؟
في البداية كل ما عرفته كان أنني شغوفة بالموسيقى وبقطاع الفعاليات. بدأت العمل في وكالة لإدارة الفعاليات وأعمال الفنانين، ثم اتّجهت تدريجيا نحو إدارة أعمال الفنانين. وشعرت بأن هذا ما ولدت لأفعله.
هل كانت هناك لحظة حاسمة أو موهبة معيّنة جعلتك تدركين أن هذا هو المسار الصحيح لك؟
عندما عيّنتني "أنغام" مديرة لأعمالها، وأنا في سن الـ 24 فقط. إيمانها بي أكّد لي أن هذا هو مساري الحقيقي. ومع كل مشروع أنفذه، يذكّرني شغفي وحماسي بأنني في المكان الذي يجب أن أكون فيه، ويرسّخان وجودي فيه.
ما أكبر التحديات التي واجهتك لكونك امرأة في قطاع يهيمن عليه الرجال؟
كوني امرأة في مجال يهيمن عليه الرجال يعني أنه كان علي أن أتخطى التحيزات، وأعمل بجهد لإيصال صوتي وإسماعه، وجعله يؤخذ على محمل الجد. كل تحدٍّ جعلني أكثر إصرارا على إثبات نفسي والنجاح. وآمل أن تمهد رحلتي الطريق أمام نساء أخريات للنجاح والازدهار أيضا.
هل شعرت يوما بالتقليل من شأنك أو الاستخفاف بقدراتك لأنك امرأة؟ وكيف تعاملت مع الأمر؟
نعم، كانت هناك لحظات في مسيرتي المهنية شعرت فيها بالتقليل من شأني لأنني امرأة، لكنني أتعامل مع الأمر من خلال البقاء واثقة بقدراتي، وترك عملي يتحدث عن نفسه.
كيف تبنين الثقة وتحافظين على علاقة عمل صحية ومثمرة مع الفنانين؟
أبني الثقة عبر التواصل دائما بصراحة، واحترام رؤيتهم، والشفافية في كل قرار. ويأتي الحفاظ على علاقات قوية من خلال الإصغاء والدعم وإظهار النزاهة باستمرار في كل ما أقدمه.
ما النهج الذي تتبعينه عندما تختلفين مع الفنان إبداعيا أو مهنيا؟
الخلافات جزء طبيعي في العلاقات، ولها تأثير صحّي. أحاول دائما أن أفهم وجهة نظر الفنان وأسبابه، ثم أشارك وجهة نظري من منظور استراتيجي ومهني. في نهاية المطاف، إن الأهم هو بناء شيء عظيم جنبا إلى جنب.
ما النصيحة التي تقدمينها للشابات اللواتي يرغبن في خوض مجال إدارة الأعمال الموسيقية؟
أنصحهن بأن يتعلّمن كل ما بوسعهن، ويرفعن أصواتهن، ويحطن أنفسهن بأشخاص يرفعونهن إلى الأعلى. ومن الضروري أيضا أن يلاحقن أحلامهن ويؤمنَّ بأنفسهن.
ما الجزء الأكثر تحديا في عملك؟
الجزء الأكثر تحديا في مهنة مدير الأعمال الموسيقية يكمن في تحقيق التوازن بين الرؤية الإبداعية للفنان ومتطلبات هـــــذه الصــنـــاعــــة، في ظــــل التــكيـــــف الســريـــــع مع الـــتـــغيــــــرات المستمرة والتحديات غير المتوقعة.