
الأسرار بين الزوجين: ضرورة تُبنى عليها الثقة أم خصوصية يجب احترامها؟
في أي علاقة زوجية، من الطبيعي أن يتشارك الطرفان الكثير من التفاصيل اليومية، لكن حين نصل إلى مسألة الأسرار، يبدأ الجدل، وتكثر الأسئلة، ويبدأ الخلط بين المفاهيم المرتبطة بالبوح والخصوصية. هل من الضروري أن يعرف الزوج أو الزوجة كل شيء عن الطرف الآخر؟ وهل مشاركة الأسرار بين الزوجين دليل على الحب والثقة أم أن لكل شريك الحق في أن يحتفظ ببعض الأمور لنفسه دون أن يُتهم بأنه يخفي شيئًا؟
أسئلة مهمة، سأجيب عنها بموضوعية في السطور التالية من خلال الخبراء المختصين، خاصة وأنه لا توجد إجابة واحدة أو رأي واحد يمكن تعميمه أو اعتماده في المطلق، فالآراء عديدة ومختلفة، ولكن ما يجب أن نعرفه هو أن هذا الموضوع الحيوي المهم عن الأسرار الزوجية يحتاج إلى وعي، وتفاهم، وحدود واضحة بين الزوجين، وأنه مهما اقتربت قلوبهما ، تبقى لكل منهما مساحات لا يزورها أحد.
هل هناك خصوصية بين الزوجين؟
نعم، بحسب داليا شيحة خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية، الزواج لا يعني أن يكشف كل طرف كل شيء عن نفسه، لكل طرف خصوصيته التي يجب احترامها. بعض الأمور قد تكون أسرارًا شخصية لا تؤثر على الطرف الآخر، كأفكار داخلية أو مواقف من الماضي انتهت ولا علاقة لها بالحاضر. أما إذا كان هناك أمر يخفيه أحد الزوجين وله تأثير مباشر على العلاقة، مثل الخيانة أو مشاكل صحية أو مالية، فالصمت هنا يُعتبر خطأ. التوازن هو الحل: لا مبالغة في الصراحة تؤذي، ولا أسرار تهدد الثقة. الصدق طوق نجاة، والنوايا الطيبة تحقق الهدوء والاستقرار النفسي
ماذا يقصد بـ "السر" بين الزوجين؟
بداية يجب التفرقة بين الأسرار التي تتضمن إخفاء حقائق مؤثرة بشكل كبير في العلاقة وبين الخصوصية التي تمثل حقًا شخصيًا لا يتعارض مع الثقة أو المحبة. فالسر قد يكون إخفاء أمر له أثر مباشر على الطرف الآخر، مثل مشكلة صحية خطيرة، أو ماضٍ غير مهم لن يجلب إلا المشاكل. أما الخصوصية، فهي مساحة نفسية خاصة، أو ذكريات لا يرغب الشريك في الحديث عنها أوتذكرها.
هل الصراحة المطلقة بين الزوجين ضرورية؟
صحيح أن الشفافية الكاملة هي السبيل الأمثل لبناء الثقة بين الزوجين، والصدق هو أساس كل علاقة ناجحة، ولكن لا يعني ذلك أن الصراحة المطلقة بين الزوجين تحقق الاستقرار العاطفي بينهما، كما أن البوح الدائم بين الزوجين لا يعد مؤشرًا قويًا للحب، لأنهما قد يسببان جرح للطرف الآخر، عند ممارستهما دون حد أو تمييز، وهذا ما تؤكده خبيرة العلاقات الزوجية "داليا شيحة" التي ترى أهمية معرفة التوقيت المناسب للكلام، ومتى يجب إلتزام الصمت؟
هل تجب مشاركة كل الأسرار بين الزوجين؟
لا، ليست كل الأسرار يجب أن تُشارك بين الزوجين، فهناك فرق بين ما يؤثر على العلاقة وما يخص الفرد وحده. من الطبيعي أن يحتفظ كل شخص ببعض خصوصياته، مثل مشاعر داخلية، أو تجارب سابقة لا تضر بالعلاقة الزوجية. لكن إذا كانت الأسرار تتعلق بأمور تؤثر مباشرة على الشريك، مثل خيانة، أو أزمة مالية، أو مشكلة صحية، فهنا يجب المصارحة لأنها تمس الثقة والمشاركة الحقيقية. الزواج القائم على الاحترام والتفاهم يسمح بالخصوصية، لكنه لا يقبل بالكتمان الذي يهدد العلاقة. إذن، المشاركة ضرورية فيما يؤثر، أما ما لا يؤثر فهو مساحة شخصية يجب على كل طرف احترامها.
متى تصبح الأسرار خطرًا على الزواج؟
تصبح الأسرار خطرًا على الزواج عندما يتم الخلط بين الخصوصية الهادئة، والسرّية التي تُخفي أمورًا تمس جوهر العلاقة أو تُهدد استقرارها، وعندما يتم التلاعب بالثقة بين الزوجين مثل:
- إخفاء علاقات عاطفية أو تواصل مع أطراف من الماضي.
- إخفاء مشكلات صحية أو نفسية تؤثر على العلاقة الزوجية.
- إخفاء مواقف مالية خطيرة، مثل ديون أو التزامات.
ولذلك يجب التسليم بحقيقة هامة، وهي أن الصدق ليس خيارًا، بل ضرورة لحماية العلاقة الزوجية، وتحقيق أمنها وسلامتها، كما أن الزواج الناجح لا يقوم على كشف الأسرار ولا على كتمانها، بل على التوازن بين ما يجب أن يُقال، وما يجب أن يُصان في القلب في أبعد ركن فيه.
هل تتعارض الصراحة مع الأسرار بين الزوجين؟
الصراحة في الزواج مهمة، لكنها لا تعني المصارحة المطلقة بكل تفصيلة من الماضي أو كل هاجس في الحاضر. برأي المتواضع أن إخفاء أمر ما لا يعني بالضرورة وجود نية سيئة، بل قد يكون بدافع الحماية، أو الخجل، أو حتى عدم وجود استعداد للحديث بشفافية عن الموضوع، ولذلك فالأصل في الأمر أن النية هي التي تجعل الأسرار الزوجية خيانة أو خصوصية.
خلاصة القول:
الصراحة والشفافية بين الزوجين أمر مهم للغاية، ففي الزواج، تبقى الأسرار مسألة تقدير بعضها يُقال ليُعزز الثقة، وبعضها يُصان حفاظًا على روح العلاقة الزوجية، وتحقيقًا لحمايتها واستقرارها. الحكمة والنضج يلعبان دورًا كبيرا في التمييز بين الأسرار بين الزوجين وبين الخصوصية الإيجابية التي تعد بمثابة متنفس ضروري لاستقرار العلاقة، والتعامل مع الأسرار الزوجية التي لا تضر بالزواج على أنها خصوصية وليست حواجز نفسية.
مع تمنياتي لكل زوجين بحياة زوجية هادئة وسعيدة ومستقرة،،،