
الصبر والتسامح في الزواج ينقذ الحياة الزوجية من الانهيار.. كيف؟
ما إن نسمع عن زوجين مسنّين ينعمان بحياة زوجية مستقرة، وعِشرة طيبة طويلة، حتى تتملكنا الدهشة والحيرة. لا ننكر إعجابنا الشديد بهما، لكننا، في الوقت ذاته، نقف أمام تساؤلات كثيرة، مقارنةً بحال الأزواج اليوم، ومقارنةً بنسب الطلاق المتزايدة عامًا بعد عام. نتفاجأ: كيف استطاعا الاستمرار والبقاء على وفاق طيلة تلك السنوات؟ كيف انتصرا على الملل والخلافات الزوجية؟ كيف واجها التحديات والضغوط اليومية والمواقف الصعبة دون أن تتفكك علاقتهما؟
الصبر والتسامح في الزواج، نعم، هذه هي الإجابة المنطقية لكل تلك التساؤلات. فهما سر الاستقرار، وسبب كافٍ لتحقيق النجاح في العلاقة، بل هما الجواب الحقيقي لاستمرار الزواج لعقود، دون أن يفقد روحه، ودون أن تغيب المودة والرحمة التي هي أساس هذا الرباط المقدس.
كم من مرة شعرا بأن الحياة تُثقلهما بمسؤولياتها، وأنهما لا يفهمان بعضهما كما أمِلا؟ وكم من لحظة ضيق مرا بها، فأنقذتهما كلمة طيبة، أو نظرة احتواء دافئة، أو قلب حنون اختار أن يغفر بدلاً من أن يُعاتب؟
إن العلاقات الزوجية طويلة الأمد لا تُبنى بالحب وحده، بل بالصبر الذي يجعل الأمور تسير على ما يُرام، وبالتسامح، وبقوّته الكفيلة بالمضي قدمًا نحو المستقبل وتحقيق الأهداف، دون النظر إلى الوراء. تُرى كيف يمكن للأزواج اليوم أن يتحلّوا بالصبر والتسامح في الزواج، وكيف لهم أن يصنعوا علاقات زوجية ناجحة، مستقرة، وممتدة تعيش للأبد؟
ما أهمية الصبر والتسامح في الزواج؟
بحسب "داليا شيحة"، خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية، تعود أهمية الصبر والتسامح في الزواج إلى دورهما الكبير في تعزيز استقرار الحياة الزوجية، وترسيخ قيم نبيلة تساهم في تحقيق السعادة، وتعزيز الدفء، وزيادة الحب بين الطرفين.
لا تخلو الحياة الزوجية من الأوقات الصعبة التي تختبر مدى تماسك العلاقة بين الزوجين، وهنا يبرز دور الصبر كقوّة داخلية تُعين كلًّا من الطرفين على التحمّل دون شكوى، وباعتباره درع الحماية الأول في وجه الخلافات الزوجية. أما التسامح، فهو شفاء للقلوب، ووقاية من سلبيات التراكمات. فقد يُخطئ أحد الزوجين دون قصد، وهنا يبرز دور التسامح في إعادة بناء الثقة وتجاوز الأزمة، بدلاً من الاستسلام للمشاحنات.
حين يسود الصبر والتسامح، تتجاوز العلاقة الزوجية كل المواقف المرهقة، والتحديات الصعبة، لتصل إلى برّ الأمان. في السنوات الأولى من الزواج، قد يتصادم الشريكان بسبب اختلاف الطباع، وطريقة التفكير، أو أسلوب الحياة، وبسبب الأزمات المالية، مثل تحمّل أعباء تكاليف الزواج، وسداد ما تبقّى من التزامات. وبعد الإنجاب، تتضاعف الضغوط، ويظهر تحدٍّ جديد يتعلق بتربية الأطفال، وتلبية احتياجاتهم، والتوفيق بين الأدوار الجديدة داخل الأسرة. وسط كل ذلك، وما هو أكثر، تظهر أهمية الصبر والتسامح في الزواج كطوق نجاة للحياة الزوجية ولجميع أطرافها: الزوج، والزوجة، والأطفال.
ما هي الفوائد النفسية للصبر والتسامح في الزواج؟
تقول "أميرة داوود"، دكتوراه في الصحة النفسية من جامعة سيلينس – إنجلترا، إن الزواج ليس حربًا، بل حضنًا دافئًا وملاذًا آمنًا، معمورًا بالسلام، تسوده روح التفاهم والانسجام. وقد أثبتت الدراسات العلمية التي طرحت في هذا الصدد، فإن الأزواج الذين يتمتعون بقدرة عالية من التسامح والصبر، هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق المزمن، كما أنهم يتمتعون بعلاقة أكثر استقرارًا ورضى على المدى الطويل. والأجمل من ذلك، أنهم يصبحون قدوة حسنة لأبنائهم، فينشأ هؤلاء على هذه القيم النبيلة في الحب والتعامل.
كيف يمكن ترسيخ الصبر والتسامح في العلاقة الزوجية؟
يمكن ذلك من خلال الالتزام بتطبيق خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية داليا شيحة كما يلي:
- الإنصات للشريك، وفهم مشاعره جيدًا.
- التفكير قبل الرد، والصبر على ما يُقال، وتأجيل الحديث حتى تهدأ النفوس.
- اعتماد كلمة "نحن" بدلًا من "أنا"، وتفعيل مبدأ الشراكة الحقيقية في كل خطوة.
- عدم تضخيم الأخطاء، فمن شأن ذلك أن يقتل المحبة، ويُضعف روح العلاقة التي يقوم عليها الزواج.
- الصفح عن الأخطاء والعفو الحقيقي، وعدم التطرق إليها في الأحاديث الزوجية مرة أخرى.
هل يجب الصبر على أذى الشريك المتعمد؟
تقول "داليا شيحة"، خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية، إنه وعلى الرغم من أهمية الصبر والتسامح في الزواج، إلا أن الصبر المطلق على شريك يتعمّد الإيذاء والإهانة أمرٌ مرفوض. فلا يجوز استخدام الصبر والتسامح كذريعة للبقاء في علاقات مؤذية وسامة، قد تُسبب ضررًا بالغًا لجميع الأطراف. فالصبر لا يعني تحمّل الظلم، والتسامح لا يبرر الإهانة المتكررة والمتعمّدة، كما في حالات العنف الجسدي، أو الإيذاء النفسي المستمر. في مثل هذه الحالات، يجب طلب الدعم والمشورة من المختصين والخبراء.
خلاصة القول
يُعد الصبر والتسامح في الزواج من أعظم القوى الإنسانية، ومن أهم المهارات الحياتية التي يجب أن يتسلّح بها كل زوجين، وبخاصة المقبلين على الزواج، لتفادي مشكلات السنة الأولى، ومساعدتهم على النجاح والاستقرار وتحقيق السعادة.
تذكّروا.. الزواج الناجح لا يخلو من العثرات، لكنه يعرف كيف يتجاوزها. بالصبر والتسامح، تبقى البيوت عامرة، وتستمر المودة حتى آخر العمر.
مع تمنياتي لكل زوجين بالسعادة والرضا والاستقرار...