ارتفاع ضغط الدم والتغذية

نظام غذائي يُخفَض ضغط الدم.. ويحمي من تداعياته الصحية والعقلية

جمانة الصباغ
18 نوفمبر 2025

أمراض القلب، بالرغم من خطورتها، إلا أنه بالإمكان الوقاية منها أو السيطرة عليها.

كيف؟ من خلال ضبط ضغط الدم، الذي يلعب دورًا محوريًا في تحسين صحة القلب وتقوية عضلته. إذ يُعدَ ضغط الدم المرتفع العامل الرئيسي وراء زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ مثل النوبات القلبية، السكتات الدماغية وفشل القلب، وذلك جراء الضغط المستمر على جدران الشرايين.

يعمل ارتفاع ضغط الدم على تضيَق وتصلَب الشرايين، مما يُقلَل تدفق الدم والأكسجين إلى القلب، كما يجعل عضلة القلب تعمل بجهدٍ أكبر. وللتحكم في ذلك، يجب علاج ارتفاع ضغط الدم واتباع نمط حياةٍ صحي يشمل تقليل الملح، ممارسة الرياضة، وتناول أدوية الضغط حسب توجيهات الطبيب.

للتغذية دورٌ كبير وحيوي في التحكم بضغط الدم الطبيعي، وهناك نظامٌ غذائي خاص يُعرف بإسم "نظام داش" DASH يهدف إلى وقف ارتفاع ضغط الدم (DASH: Dietary Approaches to Stop Hypertension)؛ وهو نظامٌ يعتمد على تناول أغذية غنية بالعناصر الغذائية مثل الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون ومنتجات الألبان قليلة الدسم، مع تقليل استهلاك الصوديوم والدهون المُشبعة والسكر. يُعتبر DASH أسلوب حياةS صحي وليس مجرد حميةS غذائية قصيرة الأمد، ويساعد في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية وخفض ضغط الدم.

إلا أن هذا النظام، ليس الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لخفض ضغط الدم، وبالتالي خفض مخاطر أمراض القلب؛ وهو نظامٌ موجود منذ مئات السنين، يُسهم في تعزيز الصحة بشكلٍ كبير ويتَبعه ملايين الأفراد. إنه ببساطة، النظام الغذائي المتوسطي، حسبما وجدت دراسةٌ علمية حديثة نتعرف على تفاصيلها في السطور التالية..

نظام غذائي يُخفَض ضغط الدم

إذن؛ خلصت دراسة أجرتها جمعية الصحة الأمريكية مؤخرًا، وشملت 2700 بالغ مُعرَضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، أن هؤلاء المشاركين وبعد اتبَاعهم للنظام الغذائي المتوسطي Mediterranean Diet أظهروا انخفاضًا طفيفًا في ضغط الدم.

ونقل موقع "العربية.نت" عن صحيفة Times of India تفاصيل هذه الدراسة المثيرة للاهتمام؛ فقد أظهرت نتائج الدراسة أن الأفراد الذين اتبَعوا نمطًا غذائيًا متوسطيًا، شهدوا انخفاضًا بسيطًا في ضغط الدم المرتفع، حيث انخفضت مستوياته الانقباضية بنحو 1.2 ملم زئبقي والانبساطية بنحو 1.8 ملم زئبقي مقارنةً بالأنظمة الغذائية المُحكَّمة.

النظام الغذائي المتوسطي يُخفَض ضغط الدم ويقي من أمراض القلب
النظام الغذائي المتوسطي يُخفَض ضغط الدم ويقي من أمراض القلب

الملفت للانتباه إلى أن النظام الغذائي المتوسطي لا يُعدَ صيحةً رائجة أو ترند يُشجع عليه البعض بين الحين والآخر؛ لكنه في الواقع تقليدٌ طهوي يُنسب إليه ومنذ زمنٍ طويل، فائدته القصوى في تعزيز صحة القلب والوقاية من أمراضه.

النظام الغذائي المتوسطي: ارتكازٌ على المصادر النباتية

في دولٍ مثل لبنان، سوريا، فلسطين، اليونان وغيرها من دول المتوسط؛ لا يتعامل الناس مع نظامهم الغذائي اليومي على أنه "علاج" بل نمط غذائي اعتادوا عليه منذ الصغر وتوارثوه من أجيالٍ ماضية.

والحقيقة يمكن القول أن النظام الغذائي المتوسطي ليس نظامًا صارمًا، بل هو أسلوبٌ غذائي مستوحى من المطابخ التقليدية للدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا. يُركَز بشكلٍ أساسي على الأطعمة الكاملة قليلة المعالجة؛ مثل الفواكه، الخضراوات، الحبوب الكاملة، البقوليات، المكسرات، البذور، زيت الزيتون والمأكولات البحرية. وعليه نجد أن معظم الأطعمة الموجودة فيه هي نباتية، خاصةً البروتينات النباتية قليلة المعالجة والتي بحسب الدراسة المذكورة أعلاه، يمكنها المساعدة في تقليل خطر ارتفاع ضغط الدم.

وتقول الدكتورة مارسيا أوتو، إحدى الباحثات الرئيسيات في الدراسة حول هذا الأمر: "ركَزت دراستنا على الأطعمة، وليس على المكملات الغذائية النباتية المتوفرة في المتاجر."

من النتائج المهمة الأخرى التي نتجت عن هذه الدراسة، إمكانية تضمين البروتينات الحيوانية قليلة المعالجة في خطط الوجبات الأسبوعية وبكميات معتدلة، دون أن يكون لها تأثيرًا كبير على خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

للاستفادة من هذا النظام: عليكِ إجراء تغييراتٍ صغيرة ومستمرة

هذا ما يؤكد عليه المختصون، مشيرين إلى إمكانية إحداث فرقٍ كبير في صحة الأفراد في حال اتباع هذه التغييرات القليلة. فإضافة بعض مكونات البحر الأبيض المتوسط، مثل زيت الزيتون، الأرز البني، الشعير، العدس، الفاصوليا، الحمص، اللوز والجوز، مثلًا إلى نظامنا الغذائي اليوم يمكنه المساعدة في تعزيز الصحة ككل. بالمقابل، من الضروري الحد أو تجنَب  الأطعمة واللحوم المُصنعة، واستبدالها بالأسماك الدهنية مثل السلمون أو السردين، لتحقيق هذه الغاية.

النظام الغذائي المتوسطي: فوائد صحية عدة

ليس ضبط ضغط الدم هو النتيجة الإيجابية الوحيدة التي نجنيها من اتباع النظام الغذائي المتوسطي المعتدل؛ فقد وجدت أبحاثُ ودراساتٌ أخرى سابقة، أن هذا النظام كفيلٌ بتوفير فوائد صحية متعددة منها:

1.     تعزيز صحة القلب

فقد كشفت مراجعةٌ علمية، أجرتها المعاهد الوطنية الأميركية للصحة، أن التزام الأفراد المتزايد بالنظام الغذائي المتوسطي، مرتبطٌ بشكلٍ كبير بانخفاض معدلات الإصابة بأمراض القلب التاجية، السكتة الدماغية الإقفارية، وأمراض القلب والأوعية الدموية.

2.     تقوية الصحة الإدراكية

تُظهر الدراسات أن الالتزام المتزايد بالنظام الغذائي المتوسطي، يرتبط بتباطؤ التدهور المعرفي، تحسين الذاكرة والوظائف التنفيذية لدى كبار السن.

من بينها دراسةٌ علمية حديثة، أُجريت في جامعة تكساس الأمريكية، خلصت إلى أن المساعدة في خفض ضغط الدم والسيطرة عليه، من شأنه تقليل مخاطر الإصابة بأمراض الخَرف، وعلى رأسها الزهايمر، ما يزيد من أهمية مراقبة الضغط والتعامل معه.

عزَزي صحة قلبكِ بتناول الطعام المتوسطي الغني بالنباتات
عزَزي صحة قلبكِ بتناول الطعام المتوسطي الغني بالنباتات

3.     تحسين الصحة الأيضية

في دراسةٍ أخرى أجرتها كلية هارفرد للصحة العامة، تبيَن أنه وعند دمج النظام الغذائي المتوسطي مع تقليل السعرات الحرارية بصورةٍ معتدلة وممارسة النشاط البدني بانتظام، يمكن لهذا النظام خفض خطر الإصابة بمرض السكري بنحو الثلث لدى الأشخاص الذين يعانون من عوامل خطرٍ أيضية.

النظام الغذائي المتوسطي: نمطٌ مثالي

نستخلص مما تقدم، أن النظام الغذائي المتوسطي الذي غالبًا ما يوصف لخسارة الوزن، هو في الحقيقة مثاليٌ لتعزيز صحة القلب وتقليل مخاطر أمراضه. وتحديدًا من خلال المساعدة على ضبط ضغط الدم وإبقائه تحت السيطرة؛ إذ يُعدَ الحفاظ على ضغط دمٍ صحي من أبرز وأهم خطوات حماية القلب والصحة العامة. وتشير الدراسات إلى أنه حتى الارتفاع الطفيف في ضغط الدم، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، السكتات الدماغية، أمراض الكلى والتدهور المعرفي مع مرور الوقت.

النطاق الأمثل لضغط الدم الطبيعي هو أقل من 120/80 ملم زئبقي، والحفاظ على هذه النسبة يقي بالتأكيد من تلف الأوعية الدموية والأعضاء الحيوية على المدى الطويل؛ ما يعني تقليل عبء الأمراض المزمنة وإطالة العمر. ووفقاً للمعاهد الوطنية الأميركية للصحة، فإن كل ارتفاعٍ بمقدار 20 ملم زئبقي في ضغط الدم الانقباضي أو 10 ملم زئبقي في ضغط الدم الانبساطي، يُضاعف من خطر الإصابة بمضاعفات القلب والأوعية الدموية.

في الخلاصة؛ ثمة علاقة وثيقة وترابط مباشر بين ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والوسيلة الأنجع (بجانب الأدوية الموصوفة بالطبع) هو اتباع نظامٍ غذائي صحي يحول دون ارتفاع ضغط الدم عن المستويات الطبيعية والمقبولة. يتمثل هذا النظام تحديدًا في النظام الغذائي المتوسطي، الذي يتضمن الأطعمة النباتية بشكلٍ أكبر، مع وجود العديد من المصادر الحيوانية الجيدة كالأسماك والدهون الصحية كزيت الزيتون.

فإذا كنتِ عزيزتي تبحثين عن وسيلةٍ غذائية تقيكِ من ارتفاع ضغط الدم الخطير، أو تسعين لخفضه؛ ما عليكِ سوى استشارة طبيبكِ الخاص حول النظام الغذائي المتوسطي وإمكانية إدراجه ضمن البروتوكول العلاجي الخاص بكِ.