هل يؤثر نقص الفيتامينات على النوم؟ خبير في الطب الصيني يمنحنا الإجابة
                                  
                          
                      النوم هو حالة طبيعية من الاسترخاء الجسدي والعقلي، ضرورية لصحة الإنسان وتجديد طاقته. وبتعبيرٍ أدق، فالنوم هو عملية بيولوجية تحدث لدى جميع الكائنات الحية، يتم خلالها تقليل الحركة الإرادية والاستجابة للمؤثرات الخارجية. لا يُعتبر النوم فقدانًا للوعي، بل هو تحولٌ في حالة الوعي، حيث يبقى الدماغ نشطًا في بعض مراحله، خصوصًا أثناء الأحلام.
تتغير احتياجات النوم بشكلٍ كبير مع مراحل الحياة؛ حيث يحتاج الأطفال حديثو الولادة إلى 14-17 ساعة من النوم يوميًا، فيما يحتاج البالغون من 7-9 ساعات، وكبار السن قد يحتاجون إلى عدد ساعاتٍ أقل ونومٍ أخف. كما تختلف مراحل النوم أيضًا حسب العمر، لكنها تمر بشكلٍ عام بمراحل النوم غير الريمي (الخفيف والعميق)، ومرحلة النوم الريمي (REM) التي تتميز بحركة العين السريعة والأحلام.
تواجه النساء تحديات نومٍ مختلفة بسبب عوامل هرمونية واجتماعية، مما قد يجعلهنَ أكثر عرضةً لاضطرابات النوم من الرجال. وتشمل العوامل المؤثرة ما يلي:

1. عوامل هرمونية:
• الدورة الشهرية: إذ قد تُسبَب التشنجات والصداع والانتفاخ خلال هذه الفترة، صعوبةً في النوم وشعورًا بالنعاس والتعب أثناء النهار.
• الحمل: يزيد من خطر الإصابة بأمراضٍ مثل متلازمة تململ الساقين والاكتئاب، بالإضافة إلى ضغط الحمل على الجسم، مما يجعل النوم أكثر صعوبة.
• ما بعد الولادة: قد يؤدي استيقاظ الأم عدة مرات خلال الليل، لرعاية الطفل حديث الولادة، إلى قلة النوم.
• انقطاع الطمث: الهبات الساخنة الليلية شائعة في هذه المرحلة وتؤدي إلى اضطراب النوم.
2. عوامل اجتماعية:
تتحمل النساء غالبًا مسؤولياتٍ أكبر في المنزل ورعاية الأطفال، مما يزيد من التعب والتوتر ويؤثر على جودة النوم.
3. عوامل مرضية:
• الأمراض النفسية: فالقلق والاكتئاب يزيدان من خطر اضطرابات النوم.
• فقر الدم: نقص الحديد قد يُسبَب الشعور بالخمول وكثرة النوم، خاصةً بسبب الدورة الشهرية أو الحمل.
• مشكلات في الغدة الدرقية: فعدم انتظامها يؤدي إلى الشعور بالإرهاق.
• نقص فيتامين د: نقص هذا الفيتامين قد يؤدي إلى كثرة النوم والخمول.
• متلازمة تكيَس المبايض (PCOS): يمكن أن تُسبَب اضطراباتٍ في الهرمونات وتُقلَل من جودة النوم.
مما ورد آنفًا؛ يتبين لنا أن مشكلة نقص الفيتامينات في الجسم، والتي قليلًا ما نعيرها اهتمامًا جيدًا، يمكن أن يكون لها تأثيرٌ قوي على جودة النوم لدينا. وهو ما يؤكده الدكتور أمير فيروزجايي، أخصائي الطب الصيني في عيادة ويلث دبي، مشيرًا إلى أن نقص بعض الفيتامينات في الجسم يمكن أن يكون له بالغ الأثر في زيادة تعرَضنا لاضطرابات النوم والأرق، والتداعيات السلبية الناجمة عن هذه المشكلة.
فما هي تلك الفيتامينات، وكيف نتخلص من مشكلة اضطراب النوم؟ هذه الأسئلة وسواها نجيب عليها في مقالة اليوم؛ فإذا كنتِ عزيزتي ممن يعانينَ من قلة النوم، ما عليكِ سوى متابعة القراءة لأننا سنستعرض سويًا للأسباب والحلول.
هل يؤثر نقص الفيتامينات على النوم؟

نعم، يمكن أن يلعب نقص الفيتامينات والمعادن دورًا هامًا في القدرة على النوم وجودته بشكلٍ عام، يؤكد الدكتور فيروزجايي. مضيفًا أنه عندما يفتقر الجسم إلى بعض العناصر الغذائية، فقد يؤدي ذلك إلى اضطراباتٍ معينة مثل صعوبة النوم، قلة النوم، أو أشكال مختلفة من الأرق.
إذا ما أردنا حصر الفيتامينات والمعادن التي تلعب دورًا بارزًا في تحسين جودة النوم ومدته كل ليلة، فإن الملخص يكمن في الآتي كما أفادنا به الدكتور فيروزجايي:
يُعدَ المغنيسيوم أحد أهم المعادن المرتبطة بالنوم؛ إذ يساعد المغنيسيوم على تنظيم النواقل العصبية واسترخاء الجهاز العصبي، مما يجعله ضروريًا لنومٍ عميق ومنعش. وغالبًا ما يرتبط انخفاض مستويات المغنيسيوم بسوء جودة النوم والاستيقاظ المتكرر ليلًا.
كيفيؤثر المغنيسيوم على جودة النوم؟
1. تعزيز الاسترخاء: يساعد المغنيسيوم على استرخاء العضلات والجهاز العصبي، مما يجعله أكثر قدرةً على النوم.
2. تنظيم الهرمونات: للمغنيسيوم دورٌ مهم في تنظيم هرمونات، مثل الكورتيزول (هرمون التوتر) والميلاتونين (هرمون النوم)، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على أنماط النوم.
3. التأثير على الناقلات العصبية: يزيد المغنيسيوم من مستويات حمض جاما-أمينوبيوتيريك (\(GABA\)) في الدماغ، وهو ناقلٌ عصبي ذو تأثيرٍ مهدئ، ويساعد على الاسترخاء.
4. تقليل القلق والتوتر: يساعد المغنيسيوم أيضًا في خفض مشاعر القلق والتوتر، والتي يمكن أن تعيق جودة النوم.
ليس المغنيسيوم فحسب، بل ثمة عناصر غذائية أخرى تلعب دورًا حيويًا أيضًا في تعزيز صحة النوم. إذ يُعدَ الحديد وفيتامين ب12 وفيتامينات ب الأخرى، ضروريةً لإنتاج الدم والدورة الدموية بشكلٍ صحي. ويمكن أن يؤدي نقص هذه الفيتامينات في الجسم إلى فقر الدم، مما يُقلَل من قدرة الدم على حمل الأكسجين وتغذية الجسم بشكلٍ صحيح، خصوصًا خلايا الدماغ. ونتيجةً لذلك، قد تتدهور جودة النوم، مما يؤدي إلى التعب واضطرابات النوم، وفقًا للدكتور فيروزجايي.
لهذا السبب، وعندما يعاني الأفراد من الأرق أو مشاكل النوم المستمرة، من الحكمة أولًا التحقق من وجود نقصٍ محتمل في الفيتامينات أو المعادن. وفي حال اكتشافه، يمكن غالبًا تصحيحه من خلال تغييراتٍ غذائية مُناسبة أو تناول مكملات غذائية. إن معالجة أوجه القصور، يؤكد الدكتور فيروزجايي، قد تؤدي إلى تحسين النوم بشكلٍ طبيعي وآمن، دون اللجوء فورًا إلى الأدوية التي غالبًا ما تكون مصحوبةً بآثار جانبية.
كيف أحاربُ الأرق وأنامُ بسرعة؟

قد يبدو غريبًا القول أن بالإمكان النوم خلال 5 دقائق فقط، لكن الواقع يقول عكس ذلك. فوفقًا للدكتور جاي ميدوز، المدير السريري والمؤسس المشارك في مدرسة النوم: "بينما قد يُشير النوم في أقل من خمس دقائق من حينٍ لآخر إلى صحة نومٍ جيدة وكفاءة، فإن النوم لمدة خمس دقائق أو أقل باستمرار قد يكون أيضًا علامة على النعاس المفرط أو الحرمان من النوم."
بمعنى آخر، إذا ما استطعتِ النوم خلال خمسة دقائق فقط، فهذا لا يعني أنكِ تتمتعين بجودة نومٍ عالية، بل قد يكون الأرق والحرمان من النوم هو السبب وراء الخلود السريع للنوم. وهي مشكلةٌ تحتاج للمعالجة، يؤكد ميدوز مضيفًا أن متوسط ما يحتاج إليه الشخص الذي ينام نومًا صحيًا هو 15 إلى 20 دقيقة للخلود للنوم. وفي تصريحٍ لصحيفة "تلغراف" البريطانية نقل موقع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية بعضًا منه، يقول: "بعض الناس هم أكثر استعدادًا للنوم بسرعة بسبب عوامل مثل الوراثة، مستوى جودة نومهم، انخفاض مستويات التوتر، النشاط البدني المنتظم، والصحة النفسية الجيدة."
لكن ماذا عن الآخرين، ممن يواجهون مشكلاتٍ حقيقية في النوم أو العودة للنوم جراء الأرق؟ يقدم لهم الدكتور جاي ميدوز النصائح الست التالية:
1. عرَضي عينيكِ للضوء: وفق راسل فوستر، أستاذ علم الأعصاب اليومي في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "وقت الحياة: العلم الجديد للساعة البيولوجية، وكيف يُمكن أن يُحدث ثورة في نومك وصحتك"، فإنه وعندما يتعلق الأمر بالقدرة على النوم بسرعة، فإن ما نفعله خلال النهار لا يقل أهميةً عما نفعله عند النوم. ويضيف: "ينبغي على معظمنا الحصول على أكبر قدرٍ ممكن من ضوء الصباح الطبيعي لتحسين فرصنا في النوم لاحقًا ذلك اليوم. فقد ثبتَ أن هذا يُحرّك الساعة البيولوجية إلى وقتٍ أبكر، مما يساعدكِ على الشعور بالنعاس أكثر عند النوم."
يوافقه جاي ميدوز الرأي، مشيرًا إلى أن استعداد الجسم للنوم بشكلٍ طبيعي يبدأ منذ لحظة استيقاظكِ، ويمكن القيام بأشياء عدة خلال وقتٍ مبكر من اليوم للمساعدة على النوم بصورةٍ أسرع. منها دخول الضوء إلى عينيكِ أولاً، والذي يشير بحسب ميدوز إلى أن الجسم يدرك بداية اليوم ويبدأ بالعد التنازلي لوقت النوم. ويضيف: "الآن، ومع عمل المزيد منا من المنزل، لم نعد مُضطرين للخروج يوميًا. للتغلب على ذلك، أتمشى حول المنزل كل صباح دون نظاراتٍ شمسية لأدخل الضوء إلى عينيَ وأضبط إيقاعي اليومي. هذا يُنشئ نمطًا رائعًا من التزامن اليومي ويُساعد على تحسين جودة نومي في تلك الليلة."
2. لا تأخذي قيلولة بعد الساعة الرابعة مساءً: جميعنا جرَبنا قيلولة بعد الظهر، واستفدنا منها في منحنا بعض الوقت للراحة والاسترخاء؛ ويؤكد العلم أهمية تلك الدقائق القليلة في تحسين جودة الحياة. لكن النوم بعد الرابعة مساءً ضمن تلك القيلولة، هو ما يُعارضه الخبراء كالبروفسور فوستر، الذي ينصح: "إذا كنتِ ترغبين بأخذ قيلولة نهارًا بانتظام، فمن المحتمل أنكِ لا تنامين جيدًا خلال الليل. ومع ذلك، فإن القيلولة العرضية ستُحسّن اليقظة والأداء بعد الظهر، بشرط ألا تتجاوز 20 دقيقة وألا تكون قبل موعد النوم بست ساعات، وإلا فستؤخرين وقت نومكِ."
3. تجنَبي ممارسة الرياضة قبل موعد النوم: لا شك في أهمية الرياضة على الصحة ككل، ومنها المساعدة على تعزيز جودة النوم؛ لكن وكما هو الحال مع القيلولة، فإن ممارسة الرياضة قبل موعد النوم مباشرةً قد يكون له تأثيرٌ عكسي. ويقول فورستر في هذا الصدد: "بالنسبة لمعظمنا، تُساعد ممارسة الرياضة على تنظيم دورة النوم والاستيقاظ والتقليل من الأرق. ومع ذلك، قد تُسبَب ممارسة الرياضة قبل ساعة أو ساعتين من موعد النوم مشكلةً، إذ تُؤثر على الساعة البيولوجية للجسم وتُؤخر بدء النوم". ناصحًا بعدم ممارسة الرياضة القوية على وجه الخصوص، كونها قد تُسبَب "نشوة العداء"، والتي بدورها تُؤخر النوم.
4. فكّري في الفراش الجيد: باعتقاد فوستر، فإن معايير "السرير المريح" مهمةٌ للغاية عند الحديث عن النوم الهانئ، مع أن الدراسات العلمية التي تُثبت ذلك ما زالت قليلة. ويتابع: "مع ذلك، تُشير الأبحاث إلى أن المرتبة الجيدة والفراش المُناسب يُمكنهما نقل الحرارة بعيدًا عن الجسم، مما يُخفَض درجة حرارة الجسم الأساسية، وهذا يُمكن أن يُقلَل من الوقت اللازم للنوم ويُعزَز النوم العميق ذا الموجة البطيئة."
درجة حرارة الغرفة عاملٌ آخر أساسي في تحسين جودة النوم، يؤكد ميدوز؛ مشيرًا إلى أننا ننام بشكلٍ أفضل في غرفةٍ باردة، وأن درجة الحرارة المثالية لغرفة النوم تتراوح بين 16 و17 درجة مئوية.
5. التزمي بروتين النوم: أخذ حمامٍ دافئ، الاستيقاظ والذهاب للفراش في نفس الوقت كل ليلة، واستخدام بعض الزيوت المهدئة كاللافندر، كلها أمور تُحسَن من جودة النوم، لذا اعتمديها عزيزتي في حال عانيتِ من صعوبة النوم.
6. تجنَبي الأجهزة الإلكترونية في السرير: سببٌ إضافي لوضع ذلك الهاتف أو اللابتوب جانبًا وعدم استخدامه بإفراط، لتجنب اليقظة الذهنية. ويتحدث فورستر عن تجربته الخاصة مع هذه المشكلة بالقول: "كنتُ أتعاملُ بفظاظة مع اليقظة الذهنية في الماضي عندما كانت البيانات عنها شحيحة. أما الآن، فأعلمُ أن تقنيات اليقظة الذهنية يمكن أن تساعد في تخفيف ضغوط النهار، التي تُعدّ مُسبَبًا قويًا لاضطرابات النوم."
من هذه التقنيات كما يُشاركها فورستر؛ التركيز على ملمس اللحاف على القدمين، التركيز على حركة الأنفاس لعدة دقائق، وعدم استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم مهما كان الأمر طارئًا.
في الخلاصة؛ فإن النوم حاجةٌ أساسية لضمان جودة الصحة الجسدية والنفسية والفكرية. وفي حال عانينا من اضطرابات النوم، لليلةٍ واحدة أو أكثر، ينبغي علينا البحث عن الأسباب وعلاجها.
في مقدم هذه الأسباب، نقص الفيتامينات الذي يمكن علاجه بتناول المكملات الموصوفة من قبل الطبيب، أو الأطعمة الغنية بتلك الفيتامينات. بالإضافة بالطبع إلى تجنب الأجهزة الالكترونية، الالتزام بروتين نومٍ معين والتأكد من حرارة الغرفة وجودة المراتب والسرير، لنحصل في نهاية المطاف على نومٍ هانئ ومريح.