
يوم القلب العالمي: صحة شريان الحياة.. بين الوعي والوقاية
لماذا القلب مهم؟ سؤالٌ سخيف، أعلمُ ذلك؛ لكنني سأطرحهُ وأجيبُ عليه في الوقت ذاته.
لأن القلب هو مركز الحياة، هو النبض الذي لا يتوقف حتى عند نومنا، رمز العاطفة ومفتاح الصحة الجسدية والنفسية. باختصار هو كل شيء، ومن دونه نحنُ لا شيء.
ربما من الضروري تذكير أنفسنا دومًا بهذه الحقيقة البسيطة، إنما العميقة جدًا: فلولا نبضات قلوبنا المنتظمة بإبداعٍ من الخالق جلَ جلاله، لكنا نسيًا منسيا. لكننا وبالرغم من هذه الأهمية الكبرى، لا نهتم بصحة قلوبنا كما يجب، وكما ينبغي، وكما يتطلبه هذا العضو الهام.
ننتظر كل عام يوم القلب العالمي، لإعادة تذكير أنفسنا وجميع قارئات "هي"، بأحقية القلب في العناية الصحية المُثلى. ونعود كل سنة، في مثل هذا اليوم، لتوجيه قارئاتنا وجميع المهتمات بالصحة والحياة، بأن القلب بحاجةٍ إلى أقصى درجات العناية والاهتمام. وننضم صوتنا إلى صوت الدكتور الدكتور خلدون طه، استشاري أمراض القلب في مستشفى فقيه الجامعي بدبي https://www.fuh.care/ الذي افتتح حديثه معنا حول سُبل التوعية والوقاية من أمراض القلب بالعبارة التالية:
"القلب ليس مجرد مضخةٍ للدم، بل هو مركز الحياة؛ وحمايتهُ تبدأ من خياراتنا اليومية البسيطة مثل النظام الغذائي المتوازن، النشاط البدني المنتظم، والابتعاد عن التدخين."
يوم القلب العالمي

إذن؛ يحتفل العالم سنوياً باليوم العالمي للقلب في التاسع والعشرين من سبتمبر، وهو مناسبةٌ تهدف إلى تذكير البشرية بأهمية هذا العضو الحيوي الذي يعمل بلا توقف ليحافظ على تدفق الدم والحياة في أجسامنا. وبحسب الدكتور طه، فإن القلب يضخ يومياً آلاف اللترات من الدم عبر شبكة الأوعية الدموية، ما يضمن وصول الأكسجين والمواد الغذائية إلى كل خليةٍ في الجسم.
يعمل القلب بمعدلٍ مستمر لا يتوقف، منذ لحظة ولادتنا وحتى آخر لحظة في حياتنا؛ وإذا ما قورن بأي جهازٍ ميكانيكي آخر، فإن أداءه يفوق كل التوقعات. ينبض القلب في المتوسط أكثر من مئة ألف مرة يومياً، أي ما يعادل أكثر من 36 مليون مرة سنوياً؛ ورغم هذا الجهد الهائل فإننا لا نشعرُ به إلا عندما يعتلَ القلب. ومع ذلك، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية تظلُ السبب الأول للوفاة عالمياً، حيث تتجاوز نسبتها مجموع وفيات السرطان والأمراض المعدية. هذا الواقع يجعل اليوم العالمي للقلب مناسبةً للتأمل والتغيير في أسلوب حياتنا. لكن قبل الخوض في هذه النصائح، دعينا عزيزتي نُلقي نظرة على عوامل الخطر التي تُحيق بالقلب.
عوامل الخطر القلبية
تتعدد عوامل الخطر التي تزيد احتمالية الإصابة بأمراض القلب، يجيب الدكتور خلدون طه؛ بعضها يمكن التحكم به، فيما البعض الآخر يرتبط بالوراثة أو العمر.
ومن أبرز العوامل القابلة للتعديل:
1. التدخين وما يُسبَبه من تلفٍ مباشر لجدران الأوعية الدموية وتضييقها.
2. ارتفاع ضغط الدم المُزمن، الذي يُجهد عضلة القلب ويُضعف الشرايين بمرور الوقت.
3. ارتفاع الكوليسترول الضار وتراكم الترسبات الدهنية داخل الشرايين، ما يزيد خطر الانسداد.
4. السُمنة، خاصة تراكم الدهون حول البطن، والتي ترتبط مباشرةً بزيادة مقاومة الأنسولين.
5. قلة النشاط البدني وقضاء ساعاتٍ طويلة في الجلوس أمام الشاشات.
6. التوتر النفسي المزمن الذي يرفع هرمونات الإجهاد.
7. داء السكري ومضاعفاته الخطيرة على الأوعية الصغيرة والكبيرة.
ويشير الدكتور طه إلى أن "التقليل من هذه العوامل أو التحكم بها، يمكن أن يُخفَض بشكلٍ كبير من نسب الإصابة، ما يعني أن الوقاية ليست خياراً ثانوياً بل ضرورةٌ حقيقية."
الغذاء ودوره الوقائي في حماية القلب
يُعتبر الغذاء الصحي حجر الزاوية في حماية القلب، والنظام الغذائي المتوسطي مثالٌ يُحتذى به في هذه النقطة؛ كونه يعتمد على زيت الزيتون كمصدرٍ رئيسي للدهون الصحية، والأسماك الغنية بأحماض أوميغا 3، إضافةً إلى الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات الطازجة. وقد أكدَت الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يتَبعون هذا النمط الغذائي أقل عرضةً للإصابة بالجلطات وأمراض الشرايين التاجية. في المقابل، فإن الأطعمة المُصنَعة، والمشبعة بالدهون المتحولة، تزيد من معدلات الالتهاب داخل الأوعية الدموية. كما أن تناول كمياتٍ كافية من الألياف يساعد في خفض مستويات الكوليسترول الضار.
الرياضة دواءٌ يومي للقلب
النشاط البدني هو الدواء الوقائي الأقوى ضد أمراض القلب، يؤكد الدكتور طه. حتى الأنشطة البسيطة مثل المشي السريع لمدة نصف ساعة يومياً، يمكن أن تُقلَل بصورةٍ كبيرة من خطر الإصابة بهذه الأمراض. فالتمارين الرياضية ترفع من كفاءة الدورة الدموية، تساعد في حرق السعرات الحرارية، تُخفَض ضغط الدم، وتزيد من مرونة الشرايين. ويُشدَد الأطباء على أن الاستمرارية أهم من الشدة؛ أي أن النشاط المعتدل المنتظم يفيد أكثر من مجهودٍ عنيف متقطع. كما تُعدَ ممارسة السباحة وركوب الدراجات واليوغا من الأنشطة المفيدة أيضاً لصحة القلب.
الصحة النفسية والقلب
العلاقة بين الصحة النفسية وصحة القلب وثيقةٌ للغاية، يقول استشاري أمراض القلب في مستشفى فقيه الجامعي الدكتور خلدون طه؛ مضيفًا أن التوتر النفسي المستمر قد يرفع من مستويات بعض الهرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب.
كما أن الاكتئاب والقلق مرتبطان بزيادة خطر الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، وتساعد تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا، التأمل، وتمارين التنفس العميق في تقليل هذا العبء. ويؤكد الدكتور خلدون طه أن "القلب بحاجةٍ إلى راحة نفسية بقدر حاجته إلى غذاءٍ صحي ورياضة."
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خدمة القلب

لعب التقدم التكنولوجي دوراً محورياً في تشخيص وعلاج أمراض القلب؛ فالساعات الذكية مثلًا باتت قادرةً على قياس معدل ضربات القلب، ورصد اضطرابات النُظم الخطيرة مثل الرجفان الأذيني. أما الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح أداةً تشخيصية قادرة على تحليل صور الأشعة بسرعة ودقة، والتنبؤ بخطر الإصابة بالجلطات بناءً على بيانات المرضى.
هذه التطورات تُمثَل ثورةً في الطب الوقائي وتفتح آفاقاً جديدة لحماية قلوب الناس.
الشباب وأمراض القلب
من المُقلق أن نرى أمراض القلب تظهر بشكلٍ متزايد عند الشباب، يقول الدكتور طه. والسبب يعود في ذلك إلى أنماط الحياة الحديثة الغنية بالوجبات السريعة، قلة النشاط البدني، والجلوس الطويل أمام الأجهزة الإلكترونية.
كما أن الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة والمشروبات السكرية، يضاعف من المشكلة؛ هذه المؤشرات تدق ناقوس الخطر بضرورة تكثيف حملات التوعية بين الشباب.
المنطقة العربية ودور المبادرات لصحة القلب
تشهد المنطقة العربية نسباً مرتفعة من أمراض القلب، خاصةً في دول الخليج؛ حيث تنتشر السُمنة وداء السكري. لكن في المقابل، هناك جهودٌ وطنية كبيرة مثل الحملات الصحية في الإمارات والسعودية والبحرين؛ وتُساهم مستشفياتٌ رائدة مثل مستشفى فقيه الجامعي بدبي في جهود التوعية من خلال تنظيم أيامٍ للفحص المجاني، ورش توعوية، وتثقيف مجتمعي يُركَز على الوقاية المبكرة. وتسعى هذه الجهود المتضافرة لخفض معدلات الإصابة على المدى الطويل.
دور الأسرة والمدرسة في تعزيز صحة القلب
تُمثَل الأسرة البيئة الأولى لغرس العادات الصحية عند الأطفال؛ إذ عندما يرى الطفل والديه يمارسان الرياضة ويتَبعان نظاماً غذائياً متوازناً، يصبح من الطبيعي أن يُقلَدهما. كذلك، يمكن أن تلعب المدارس دوراً محورياً من خلال تقديم وجباتٍ صحية، تشجيع النشاط البدني، وتثقيف الطلاب حول أهمية صحة القلب. كما أن المجتمع المدني والجمعيات الصحية قادرون أيضًا على دعم هذه الجهود عبر حملاتٍ توعوية واسعة.
قصص واقعية لمرضى القلب
في أحد الأمثلة التي أفادنا بها الدكتور خلدون طه، أنقذ التشخيص المبكر لحالة رجفانٍ أذيني عبر ساعةٍ ذكية، حياة شابٍ في الثلاثينيات من عمره؛ حيث أظهرت الساعة مؤشراتٍ غير طبيعية دفعته لمراجعة الطبيب.
مثل هذه القصص تبيَن كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكاً في إنقاذ الأرواح، يشرح الدكتور خلدون. وفي مثالٍ آخر، ساعد تغيير نمط حياة أسرةٍ بأكملها (الغذاء والرياضة) على خفض وزن الأب والأم والأبناء، ما أدى إلى تحسن ضغط الدم والكوليسترول لديهم جميعاً.
خلاصة القول؛ فإن الطريق إلى قلبٍ سليم يبدأ بخطواتٍ صغيرة لكن مستمرة: اعتماد غذاءٍ متوازن، ممارسة الرياضة بانتظام، إجراء الفحوص الدورية لمستويات ضغط الدم والكوليسترول والسكر، تجنَب التدخين والكحول، والحفاظ على صحة نفسية متوازنة. كما يُذكَر الدكتور خلدون طه: "القلب أمانة، وكل قرارٍ صحي نتخذه اليوم يُحدد مستقبل حياتنا غداً."