كيف تؤثر القهوة على مقاومة الأنسولين في الجسم

مفيدة في حال تناولها باعتدال: إليكِ تأثير القهوة على مقاومة الأنسولين في الجسم

جمانة الصباغ

للقهوة سحرٌ وسرٌ كبيرين، لا يمكن سبره واكتشافه؛ لكن بالتأكيد يمكن الاستمتاع به كل يوم، صباحًا ومساءً وفي كافة الأوقات.

يُطلق عليها "الساحرة السوداء" و"معشوقة الناس"؛ القهوة مشروبٌ شائع مصنوع من بذور البن المحمصة، يتم تحضيرها من خلال سكب الماء الساخن على حبوب البن المطحونة وتصفيتها. وتُعتبر القهوة من أكثر المشروبات شعبيةً في العالم، بجانب الشاي بالطبع.

لشرب القهوة (باعتدال بالتأكيد) منافع وفوائد صحية ونفسية ومزاجية عدة؛ بما في ذلك تحسين النشاط العقلي، وتقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض، وزيادة معدل الأيض. كما أنها غنيةٌ بمضادات الأكسدة وتساهم في تحسين المزاج. وتشير بعض الدراسات إلى أن القهوة يمكن أن تُقلَل من خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، مثل داء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان.

فيما يخص علاقة القهوة بداء السكري، فإنه على ما يبدو، لها تأثيرٌ إيجابي على مقاومة الأنسولين في الجسم (وهي حالةٌ يؤدي فيها تركيزٌ معين من مادة الأنسولين، إلى استجابةٍ بيولوجية أقل من الحد الطبيعي؛ ويمكن أن تتسبب بالإصابة بالسكري من النوع الثاني).

الدكتور وائل برو استشاري طب الأسرة في مجموعة مستشفيات الإمارات
الدكتور وائل برو استشاري طب الأسرة في مجموعة مستشفيات الإمارات

في مقالة اليوم، نستعرض العلاقة بين القهوة ومقاومة الإنسولين من وجهة نظرٍ طبية وعلمية، ونستفيد من المعلومات والإيضاحات التي وافانا بها الدكتور وائل برو، استشاري طب الأسرة في مجموعة مستشفيات الإمارات.

كيف تؤثر القهوة على مقاومة الأنسولين في الجسم؟

القهوة هي المشروب الأوسع انتشارًا في العالم بعد الماء، وتُعتبر من أساسيات الحياة اليومية لكثيرٍ من الناس. وبينما يشربها البعض للتركيز أو لبدء يومهم بنشاط، يتساءل آخرون عن تأثيرها الصحي، خصوصًا فيما يخص علاقتها بمقاومة الإنسولين، وهي حالةٌ تمهّد الطريق للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما ذكرنا آنفًا.

ما هي مقاومة الأنسولين؟

مقاومة الأنسولين تعني أن خلايا الجسم لا تستجيب بشكلٍ طبيعي لهرمون الإنسولين، الذي يُفرزه البنكرياس، ليسمح للخلايا بامتصاص الجلوكوز من الدم واستخدامه كمصدرٍ للطاقة. وعند وجود هذه المقاومة، يبدأ البنكرياس بإنتاج المزيد من الأنسولين للتعويض؛ ومع مرور الوقت قد يُصاب البنكرياس بالإنهاك، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم ويزيد من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

مما تتكون القهوة؟

ليست القهوة مجرد كافيين كما يظن البعض؛ بل إنها تحتوي على أكثر من ألف مُركب كيميائي نشط، من أبرزها:

•       الكافيين: وهو المُنشط العصبي الأساسي في القهوة.

•       حمض الكلوروجينيك: أحد مضادات الأكسدة المهمة التي تُقلَل الالتهاب وتُحسَن التمثيل الغذائي.

•       البوليفينولات: مُركبات نباتية تلعب دورًا بارزًا في تحسين استجابة الخلايا للأنسولين.

•       المعادن مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم: والتي تعمل على تعزيز استقرار مستويات السكر في الدم وتُحسّن من وظائف الأيض.

مما يتضح لنا من محتوى القهوة، فإن مُركباتها تساهم بشكلٍ أو بآخر، في ضبط مستويات السكر بالدم وتحسين استجابة خلايا الجسم للأنسولين؛ ما يعني أن لها تأثيراتٌ قصيرة وطويلة المدى فيما يتعلق بمسألة مقاومة الأنسولين.

ما هو التأثير قصير المدى للقهوة على مقاومة الأنسولين؟

تشير عدة دراسات إلى أن الكافيين قد يؤدي إلى انخفاضٍ مؤقت في حساسية الجسم للأنسولين. ما يعني أن الخلايا تصبح أقل قدرةً على استخدام الجلوكوز، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم مباشرةً بعد شرب القهوة، خاصةً إذا كانت:

- على معدة فارغة.

- أو غنية بالكافيين.

- أو مصحوبة بوجبة عالية الكربوهيدرات.

هذا التأثير قصير المدى، قد يختلف من شخصٍ إلى آخر، وقد يكون أكثر وضوحًا لدى الأشخاص الذين يعانون من مُقدمات السكري أو مشاكل في التمثيل الغذائي.

للقهوة تأثيرٌ قصير وطويل المدى على مقاومة الأنسولين
للقهوة تأثيرٌ قصير وطويل المدى على مقاومة الأنسولين

ما هو التأثير طويل المدى للقهوة على مقاومة الأنسولين؟

هنا المفاجأة، يقول الدكتور برو، استنادًا إلى دراساتٍ وبائية حديثة: "الأشخاص الذين يشربون القهوة بانتظام، بمعدل 2 إلى 3 أكواب يوميًا، هم أقل عرضةً للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبةٍ قد تصل إلى 30%. وهذا يشمل حتى القهوة منزوعة الكافيين."

لماذا؟ لأن القهوة تحتوي على مُركبات مُضادة للأكسدة مثل البوليفينولات التي:

1.     تُقلَل الالتهاب المزمن.

2.     تُحسَن من استجابة الخلايا للأنسولين.

3.     تحمي خلايا البنكرياس من التلف.

تجنبي القهوة المحلاة لمنع ارتفاع مستويات السكر بالدم
تجنبي القهوة المحلاة لمنع ارتفاع مستويات السكر بالدم

هل نوع القهوة مهم في التأثير على مقاومة الأنسولين؟

بالتأكيد، يجيب الدكتور برو؛ إذ تُوضح الدراسات أن طريقة تحضير القهوة تلعب دورًا في تأثيرها:

•       القهوة المفلترة: تُعدَ الأفضل لأنها تزيل الزيوت الضارة مثل الكافيستول، من القهوة.

•       القهوة التركية أو الفرنسية: قد ترفع الكوليسترول إذا شُربت بكثرة.

•       القهوة السريعة 3×1: غنية بالسكر والدهون، وتُضعف تأثير الأنسولين.

•       منزوعة الكافيين: مفيدة وتحتفظ بالبوليفينولات دون تأثير الكافيين.

من هم الأشخاص الأكثر تأثرًا؟

1. الذين لديهم استقلابٌ بطيء للكافيين (وراثيًا).

2. مرضى مقدمات السكري أو مقاومة الأنسولين.

3. من يعانون من التوتر أو قلة النوم.

ما هي التوصيات الطبية لتأثير القهوة على مقاومة الأنسولين؟

يقول الدكتور وائل برو، استشاري طب الأسرة في مجموعة مستشفيات الإمارات: "القهوة ليست خطيرة، ولكن يجب التعامل معها بذكاء. فالقهوة السوداء بعد الوجبات، دون سكر أو كريمة، أفضل بكثير من القهوة المُحلّاة أو الغنية بالدهون. كما أن المراقبة الذاتية لمستوى السكر بعد تناول القهوة، تُعطي المريض مؤشرًا دقيقًا عن مدى تأثيرها عليه."

كيف تؤثر القهوة على مقاومة الأنسولين في الجسم-رئيسية واولى
كيف تؤثر القهوة على مقاومة الأنسولين في الجسم

ما هي النصائح العملية لتناول القهوة دون الإضرار بالأنسولين؟

بحسب الدكتور برو، فإنها نصائح بسيطة إنما فعالة على المدى الطويل؛ فإذا كنتِ تسعين لتجنب مقاومة الأنسولين فيما تستمتعين بالقهوة، عليكِ أن:

•       لا تشربس القهوة على معدة فارغة.

•       تجنّبي إضافة السكر، الكريمة، أو النكهات الصناعية.

•       اختاري القهوة المفلترة أو منزوعة الكافيين، إذا كنتِ حساسةً للكافيين.

•       لا تتجاوزي معدل 2–3 أكواب من القهوة يوميًا.

•       جرّب شرب القهوة بعد الوجبة، وليس قبلها.

•       راقبي نسبة السكر في الدم إذا كنتِ مصابةً بالسكري أو مقدماته.

في الخلاصة؛ فالقهوة قد ترفع مقاومة الأنسولين مؤقتًا عند بعض الأشخاص، لكنها على المدى الطويل مرتبطةٌ بانخفاض خطر الإصابة بالسكري. ونوع القهوة، طريقة تحضيرها، توقيت الشرب، وكميتها هي مفاتيح التعامل الصحي معها. كما أن الاعتدال والوعي مهمان، ومن الأفضل استشارة الطبيب في حال وجود أمراضٍ أيضية أو تاريخٍ عائلي للسكري.

القهوة ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، بل طريقة استخدامها هي ما يجعلها مفيدةً أو ضارة. إذا تمَ تناولها باعتدال، وبطريقةٍ صحية، فإن القهوة قد تكون أداة دعمٍ في نمط الحياة الصحي، حتى للأشخاص المُعرّضين للسكري.