منزل "سكاوغوم".. مأوى الهدوء الذي سيحتضن تعافي الأميرة ميت ماريت
في قلب الطبيعة النرويجية الساحرة، حيث تلتف الغابات الخضراء حول الجبال الصامتة، يقبع منزل "سكاوغوم" Skaugum، المسكن الخاص الذي سيكون الملاذ الهادئ لولية العهد الأميرة ميت ماريت خلال رحلتها القادمة نحو التعافي، فبعد الإعلان الرسمي عن احتمالية خضوعها لعملية زراعة رئة، تتجه الأنظار إلى هذا القصر الذي يجمع بين الفخامة الملكية ودفء المزارع الريفية، ليكون المحطة الأهم في مسيرة استشفائها.
قصة قصر ولد من الرماد

لا يمكن الحديث عن "سكاوغوم" دون التطرق لتاريخه المعماري المثير، فهو ليس مجرد مبنى، بل هو تجسيد للهوية النرويجية، كان القصر في الأصل مصمماً على طراز الشاليهات السويسرية الخشبية التي تميزت بها العمارة الريفية في القرن التاسع عشر، إلا أن حريقاً هائلاً شب في القصر عام 1930، بعد عام واحد من انتقال ولي العهد أولاف والأميرة مارثا إليه، ليتحول القصر إلى رماد.

هنا ظهرت عبقرية المهندس المعماري الشهير "أرنستينأرنبرغ"، الذي يعد أحد أعمدة العمارة في النرويج، لم يكتفِ أرنبرغ بإعادة البناء، بل خاض تحدياً للحفاظ على روح المكان، حيث استخدم الأساسات والأقبية الأصلية التي صمدت أمام الحريق، وأعاد تصميم الغرف بنفس أبعادها السابقة لضمان الحفاظ على الهوية الكلاسيكية للمنزل، مع إضفاء لمسات من الحداثة الوظيفية التي تناسب العائلات الملكية في ذلك الوقت.
العيش في حضن "سكاغومساسين"

يقع المنزل في منطقة "أسكر"، على بعد 19 كيلومتراً فقط من صخب العاصمة أوسلو، وتحديداً عند سفح جبل "سكاغومساسين"، ما يجعل هذا المقر فريداً في عالم الديكور والعمارة هو تماهيه التام مع الطبيعة المحيطة، تمتد الملكية على مساحة 48 هكتاراً من الأراضي الزراعية المنتجة و50 هكتاراً من الغابات الكثيفة.
تفاصيل الديكور والمساحات
اعتمد أرنبرغ في تصميمه على النوافذ الواسعة التي تسمح بدخول الضوء الطبيعي وتوفر إطلالات بانورامية على الغابات، وهو عنصر ديكور أساسي ثبت علمياً أنه يساعد في تحسين الحالة النفسية وسرعة التعافي للمرضى.
على عكس القصور الملكية الأخرى التي تفتح للعامة أو تستخدم للمراسم الرسمية الضخمة، فإن سكاوغوم هو ملكية خاصة للعائلة المالكة، هذا يمنحه طابعاً من الحميميةوالدفء العائلي، بعيداً عن البروتوكولات الجامدة، مما يجعله المكان المثالي للأميرة ميت ماريت لتقضي فترة نقاهتها بخصوصية تامة.
التصميم الداخلي يجمع بين الأناقة الملكية والراحة الريفية، حيث تسيطر الأخشاب الدافئة والأقمشة الطبيعية على المفروشات، مما يخلق بيئة صحية خالية من التكلف البصري.
هدية الزفاف التي لا تقدر بثمن

يحمل سكاوغوم قيمة عاطفية كبرى في سلسلة انتقال السلطة والحب داخل العائلة النرويجية، فقد ولد فيه الملك الحالي هارالد الخامس عام 1937، ثم أهداه الملك لأبنه الأمير هاكون وزوجته ميت ماريت كهدية زفاف في عام 2001. ومنذ ذلك الحين، قامت ميت ماريت بإضفاء لمساتها الخاصة على الديكور، محولةً المزرعة القديمة إلى منزل عصري يناسب تربية أطفالها، مع الحفاظ على الإنتاج الزراعي للمزرعة التي توفر منتجات عضوية طازجة للعائلة، وهو أمر حيوي لنمط الحياة الصحي الذي تتبعه الأميرة لمواجهة مرض التليف الرئوي.
لماذا يعد سكاوغوم الملاذ المثالي للاستشفاء؟

إن تشخيص إصابة الأميرة بالتليف الرئوي المزمن "Chronic Pulmonary Fibrosis" يتطلب بيئة معينة للعيش، الرئة المتضررة تحتاج إلى هواء نقي بعيداً عن ملوثات المدن الكبرى، وهو ما توفره غابات سكوغوم المحيطة التي تعمل كرئة طبيعيةللمكان.
بعد عملية زراعة الرئة المرتقبة، ستحتاج الأميرة للعيش في بيئة معقمة وهادئة جداً لتجنب العدوى، وتوفر مساحات القصر الواسعة وغرفه المعزولة هذه الإمكانية بامتياز، فالتصميم الذي وضعه أرنبرغ يتيح توزيعاً ذكياً للغرف يضمن تدفق الهواء وتجدده، وهي عناصر معمارية ستلعب دوراً صامتاً في رحلة استعادة الأميرة لأنفاسها.
جدران تحكي قصص الصمود

بينما يترقب الشعب النرويجي أخبار الجراحة من مستشفى "ريكشوسبيتاليت" الجامعي، يظل منزل سكاوغوم شامخاً بانتظار عودة سيدته، إنه ليس مجرد ديكور أو مبنى فخم، بل هو رفيق لرحلة العائلة المالكة من الحريق إلى البناء، ومن المرض إلى الأمل، في سكاوغوم تلتقي العمارة بالإنسانية، لتشكل حضناً دافئاً للأميرة التي قدمت للبشرية درسًا مفاده أن القوة الحقيقية تبدأ من الداخل، ومن قلب المنزل.