
استشاري الطب النفسي الدكتور طارق فتحي لـ"هي": إدارة طاقتكِ فلسفة عملية تقودكِ إلى النجاح والتميز
"نظّمي وقتكِ تنجحي في حياتك". لطالما سمعنا هذه النصحية، وخصوصًا من أمهاتنا؛ ربما كانت أقصى الجمل التي تبعث بداخلنا الحيوية والنشاط لتحسين قدراتنا من أجل إنجاز ما يحلو لنا.
لكن مع مرور الوقت، اكتشفت أن الوقت مجرد مورد ثابت، لأننا لا يمكننا الحصول على ساعات أكثر في يومنا. لكن الطاقة مورد سحري يمكننا تجديدها، وزيادتها؛ فهي بمثابة البطارية الداخلية التي قد تدفعنا إلى الأمام.
وبالتالي لم يعد سؤالي لنفسي: "هل لدي وقت كافي؟"، بل بات يراودي سؤال أهم: "هل لدي طاقة كافية لما أريد إنجازه في هذا الوقت؟. وبالفعل بدأت أبحث عن الفرق بين المرأة التي تدير وقتها والأخرى التي تدير طاقتها. لاكتشف أن الأولىقد تنجز الكثير، لكنها قد تصل لمرحلة الاحتراق الداخلي والإرهاق المزمن، أما الثانية فقد تنجز ما هو مهم، بحيوية، إبداع، وشغف، وتحافظ على توازنها.
وهنا أدركت أهمية إدارة الطاقة وليس إدارة الوقت فحسب؛ وخصوصًا للمرأة التي تريد أن تكون أمًا حاضنة بقلبها قبل جسدها، زوجة مُحبة بعاطفة متجددة، امرأة عاملة مبدعة وليست آلة، وصديقة وابنة موجودة بقلب كامل.
عمومًا تطلعاتي لكِ اليوم هي الانتقال من "البقاء" إلى "الازدهار"، من أن تكوني مشغولة إلى أن تكوني مُنتجة، ومن أن تكوني متعبة إلى أن تكوني مفعمة بالحيوة.
لذا، ابدئي رحلتكِ معي عبر موقع "هي" ليس لإدارة وقتكِ، بل لإعادة شحن نفسكِ؛ واسألي نفسكِ: "ما هي أول منطقة في حياتكِ تشعرين أنها تستنزف طاقتكِ أكثر من غيرها؟، هل هي طاقتكِ الجسدية؟ العاطفية؟ العقلية؟ أم الروحية؟. عمومًا اكتشافكِ لهذه المنطقة هو أول وأهم خطوة في رحلة إدارة طاقتكِ، بعد أن تتعرفي على الإجابة من خلال استشاري الطب النفسي الدكتور طارق فتحي من القاهرة.
ما هو مفهوم إدارة الطاقة لتطوير الذات في علم النفس؟

ووفقًا للدكتور طارق، هذا المفهوم هو تحول جوهري في طريقة نظرتنا للإنجاز والنمو الشخصي. فبدلًا من التركيز على إدارة الوقت "كيف نملأ ساعات يومنا"، يركز على إدارة الطاقة "كيف نملأ أنفسنا بالحيوية والقدرة على العطاء". عمومًا يمكن فهمه على أنه فن وعلم لتوليد "الطاقة الجسدية والعاطفية والعقلية والروحية" من دون استثناء وتوجيههم بشكل استراتيجي نحو أهداف النمو الشخصي.
الجدير بالذكر، أن الفرضية الأساسية لهذا المفهوم في علم النفس تعتمد على أن الوقت مورد محدود (24 ساعة في اليوم)، لكن الطاقة مورد قابل للتجديد؛ إذ يمكننا زيادة طاقتنا ونوعيتها من خلال ممارسات معينة. على سبيل المثال: "امرأة منهكة لديها 5 ساعات قد ينجز أقل من امرأة مفعمة بالطاقة لديها ساعتين فقط".
ماذا عن مكونات الطاقة الأربعة الرئيسية؟
وتابع دكتور طارق، يقسم علم النفس الطاقة إلى أربعة أنواع مترابطة، والتي يجب العناية بها جميعًا لتحقيق التطور الذاتي الأمثل، وهي كالتالي:

الطاقة الجسدية
هي الأساس الذي تُبنى عليه جميع أنواع الطاقة الأخرى"مستوى الحيوية والصحة في أجسادنا"، والتي نديرها من أجل التطوير الذاتي بالنوم الكافي والجيد، التغذية السليمة والصحية، ممارسة التمارين الرياضية، وأخذ فترات من الراحة من دون استثناء.
الطاقة العاطفية
هي جودة مشاعرنا المرتبطة بالطاقة الإيجابية (كالفرح، الثقة، الصبر) والتي تزيد من قوتنا، وفي المقابل التخلي عنمشاعرنا السلبية (كالقلق، الغضب، الإحباط) التي تستنزف طاقتنا بسرعة. والتي نديرها من أجل تعزيز ثقتنا بأنفسنا بالتعاطف مع الذات "تجنب النقد الذاتي القاسي عند الفشل"، ممارسة الامتنان"التركيز على الأمور الإيجابية في حياتنا، وخصوصًا التي ترفع من طاقتنا العاطفية"، إدارة التوترمن خلال تقنيات مثل "التنفس العميق، التأمل، أو ممارسة الهوايات"، ووضع الحدود "حماية طاقتنا من الأشخاص أو المواقف السامة".
الطاقة العقلية
هي طاقة التفكير الواضح، وقدرتنا على التركيز، والإبداع، والتعلم. والتي نديرها من خلال التركيز الأحادي"تجنب تعدد المهام، والتركيز على مهمة واحدة بشكل كامل"، ممارسة التدفق "الانغماس في نشاط نحبه ويشكل تحديًا لقدراتنا"، التعلم المستمر "تحفيز العقل بمعرفة جديدة"، وتقليل المشتتات "إيقاف الإشعارات على الهاتف، وتخصيص أوقات للتركيز العميق".
الطاقة الروحية
هي الشعور بالمعنى، والهدف، والقيم العليا في الحياة "هي الطاقة التي تمنحنا الدافع للاستيقاظ كل يوم"، والتي نديرها من خلال توضيح القيم والأهداف (معرفة "لماذا")، ممارسة الأنشطة ذات المعنى "تخصيص وقت للأشياء التي تهمنا حقًا، سواءً كانت متعلقة بالعمل، العائلة، أو التطوعية"، التأمل أو الصلاة "ممارسات تربطنا بشيء أكبر من ذاتنا"، والمواءمة بين الأفعال والقيم "العيش بطريقة تتماشى مع مبادئنا لتمنحنا شعورًا بالسلام والطاقة".
هل إدارة الطاقة أمرًا ضروريًا لتطوير شخصية المرأة؟

نعم، وهنا أكد دكتور طارق، أن إدارة الطاقة ليست مجرد أداة لتحقيق النجاح، بل هي أداة تمكين شخصي واجتماعي للمرأة، خاصة في ظل الأدوار المتعددة والمتطلبات المتنافسة التي تتحملها في كثير من الأحيان. وتظهر أهميتها بناءً على التالي:
التمكين في مواجهة "العبء الثلاثي"
تواجه العديد من النساء ما يُعرف بالعبء الثلاثي"الضغوط المهنية،المسؤوليات المنزلية والعائلية، والضغوط المجتمعية والمظهرية"؛ وبالتالي إدارة الطاقة هنا ستمنحها الإطار العلمي لتوزيع مواردها الداخلية المحدودة على هذه الأدوار من دون أن تستهلك نفسها بالكامل، مما يمكّنها من أن تكون أمًا وزوجةوموظفة ناجحة من دون أن تفقد ذاتها في هذه الأدوار.
بناء الشخصية الواثقة
تمتلك المرأة التي تدرك مصادر طاقتها ومصادر استنزافهاوعيًا ذاتيًا عاليًا، وهو أساس الشخصية القوية. كذلك تمكنها إدارتها من التوقف عن إرضاء الآخرين على حساب طاقتها، ووضع حدود صحية في العلاقات والعمل؛ من أجل خلق شخصية أكثر حزمًا وثقة، تعرف ما تريده وتستطيع قول "لا" من دون الشعور بالذنب، لأنها تحمي مصدر قوتها الداخلي.
تعزيز الطاقة الإبداعية والقيادية
عندما تُدير المرأة طاقتها العقلية، تتحرر قدرتها على الابتكار، والتخطيط الاستراتيجي، واتخاذ القرارات الحكيمة، من أجل تطوير شخصيتها القيادية، وحل المشكلات المعقدة سواءً في العمل أو في محيطها الاجتماعي.
تحقيق التوازن بين القوة والليونة
غالبًا ما يُطلب من المرأة أن تكون قوية مثل "الرجل"، وفي نفس الوقت رقيقة المشاعر. وبالتالي إدارة طاقتها ستساعدها على التوفيق بين هذا التناقض الظاهري؛ من خلال الطاقة الجسدية التي تمنحها القوة والصلابة للتحمل، والطاقة العاطفية والروحية التي تمنحها الليونة والتعاطف والمرونة. علمًا أن تطوير هذه الجوانب معًا ينشئ شخصية متوازنة ومتكاملة، قادرة على مواجهة التحديات بقوة من دون أن تفقد إنسانيتها.
تعزيز الصحة النفسية المدى الطويل
بما أن الضغوط المزمنة التي تتعرض لها المرأة تزيد مناحتمالات إصابتها بالاكتئاب، القلق، والأمراض الجسدية المرتبطة بالتوتر. فإن قدرته على إدارة طاقتها بمثابة شكل من أشكال الوقاية.
إعادة الاتصال بالذات وتجديد الطاقة الروحية
في ظل الانشغال برعاية الآخرين، قد تهمل المرأة حاجاتها العميقة ومعنى حياتها الشخصي. وبالتالي قدرتها على إدارة طاقتها الروحية ستدفعها للتوقف والسؤال: "من أنا؟" و"ما الذي يمنح حياتي معنى حقيقيًا؟". هذا الاتصال بالذات هو أعلى شكل من أشكال التطوير الشخصي، حيث تتحول من رد الفعل على متطلبات الخارج إلى الفعل انطلاقًا من قيمها ودوافعها الداخلية.
على الهامش.. مهارات تساعد المرأة على إدارة طاقتها بنجاح

- حدّدي موعد ثابت للنوم والاستيقاظ حتى في أيام العطل.
- تناولي وجبات صغيرة متكررة بدلًا من الوجبات الكبيرة، كذلك احرصي على دمج البروتين والكربوهيدرات المعقدةفي كل وجبة.
- خصّصي 5- 10 دقائق كل ساعتين للقيام بنشاط معاكس لوضعية الجلوس (المشي، التمطى، تمارين التنفس).
- دمجي الحركة في الروتين اليومي، على سبيل المثال: "استخدمي السلالم بدلًا من المصعد، قومي ببعض الأعمال المنزلية بطريقة حركية (كالرقص أثناء الترتيب)".
- تعلّمي قول"لا" بلباقة من دون مبررات طويلة، كذلك حدّدي أوقات للرد على الرسائل والمكالمات، ولا تنسي أن تستخدمي الكتابة في مفكرة كوسيلة لتفريغ المشاعر السلبية.
- استخدمي كلمات التشجيع مع نفسكِ كما تستخدميها مع أفضل صديقاتكِ.
- جدّولي المهام الأكثر صعوبة في أوقات ذروة الطاقة، كذلك خصصي فترات "الطاقة المنخفضة" للمهام الروتينية.
- حدّدي المهام التي يمكن تفويضها للزوج، الأطفال، أو الزملاء.
- اربطي المهام الروتينية مثل (تحضير الطعام) بقيم أعلى مثل (رعاية الأسرة، الصحة).
- مارسي التأمل الواعي المصغر "دقيقة واحدة من التركيز على التنفس عدة مرات يوميًا".
- اجعلي غرفة النوم منطقة خالية من الهواتف والمناقشات المقلقة.
- خصّصي وقت عائلي من دون انشغالكِ بالعمل، كذلك حدّدي وقت أسبوعي ثابت لنشاط تستمتعين به لذاته (الرسم، العزف، القراءة، الزراعة، الرياضة).
- راقبي مؤشرات استنزاف الطاقة، عن طريق الانتباه لعلامات الإنذار المبكر (الصداع، التوتر، النسيان، الضيق) والعمل على تجديد الطاقة فورًا.
- تقبّلي أن بعض الأيام ستكون أفضل من أخرى، ولا تتخلي عن تعزيز طاقتكِ مهما كانت التحديات التي تواجهكِ.
- اطلبي المساعدة قبل الوصول لمرحلة الانهيار سواءً (من الزوج، العائلة، الأصدقاء، أو المختصين).
وأخيرًا، تذكّري دومًا أن إدارة الطاقة لتطوير ذاتكِ هي فلسفة عملية تدرك أن "الذات هي الأداة الأساسية للإنجاز"؛ وبالتالي لا يمكنكِ تطوير مهاراتكِ، علاقاتكِ، أو حياتكِ المهنية إذا كانت "ذاتكِ" مستنزفة أو معطلة. لذا ابدئي من الآن فصاعدًا تحقيق العناية المتوازنة "بالطاقة الجسدية والعاطفية والعقلية والروحية"، لتبني الأساس المتين الذي يسمح لكِ بالنمو المستمر والعطاء الأفضل على المدى الطويل، من دون الوقوع في فخ الاحتراق النفسي.