التعافي من الإرهاق العاطفي بوصّلة تقودكِ نحو حياة أفضل ونجاحات لا تُقدّر بثمن.. بهذه الخطوات

التعافي من الإرهاق العاطفي بوصلة تقودكِ نحو حياة أفضل ونجاحات لا تُقدّر بثمن.. بهذه الخطوات

رحاب عباس المواردي

إذا كنتِ تشعُرين أن تفاعلكِ مع أحبائكِ تحول إلى عبء لا تُطيقين تحمله؛ فإن هذا هو الإرهاق العاطفي. ذلك الغبار الخفي الذي يتراكم في زوايا روحكِ، فيسحب الألوان من عالمكِ ويحوّل مشاعركِ إلى ضجيج صامت.

لكن لا داعي للقلق، فهذا الثقل الذي تشعُرين به ليس نهاية الطريق؛ بل هو إشارة صادقة من أعماقكِ تُناديك "حان وقت الإنقاذ"، فكما تحتاج السفينة إلى ميناء آمن لإنقاذها من أي عاصفة هائجة، كذلك استعادتكِ لسلامكِ الداخلي يبدأ بخطوة واحدة لإعادة تشغيل قلبكِ بمشاعر إيجابية نحو ذاتكِ.

من هذا المنطلق، دعينا نستكشف معًا عبر موقع "هي" كيف تُحوِّلين مشاعركِ المُنهَكة إلى بوصلة تقودكِ نحو عافية لا تُقدّر بثمن، حيث تصبحي أنتِ "القبطان.. لا السفينة الغارقة"؛ بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي الدكتورة خديجة عبد الرحمن من القاهرة.

ما هو الإرهاق العاطفي وأهم صفاته؟

الإرهاق العاطفي  هو حالة من الاستنزاف الشديد والفراغ العاطفي الناتج عن ضغوط  نفسية وعاطفية مستمرة ومتراكمة
الإرهاق العاطفي  هو حالة من الاستنزاف الشديد والفراغ العاطفي الناتج عن ضغوط  نفسية وعاطفية مستمرة ومتراكمة

ووفقًا للدكتورة خديجة، الإرهاق العاطفي (Emotional Exhaustion) هو حالة من الاستنزاف الشديد والفراغ العاطفي الناتج عن ضغوط نفسية وعاطفية مستمرة ومتراكمة. يُعد أحد المكونات الأساسية لمتلازمة الاحتراق النفسي (Burnout)، ولكنه قد يحدث في سياقات أوسع أيضًا. أما عن صفاته فهي:

  • الشعور بالاستنزاف: الإحساس بأن طاقتكِ العاطفية قد نضبت تمامًا.
  • الفراغ العاطفي: صعوبة الشعور بالاهتمام، أو التعاطف، أو الحماس تجاه الآخرين أو حتى تجاه نفسكِ.
  • الإرهاق الجسدي: غالبًا ما يرافقه شعور دائم بالتعب الجسدي والإرهاق، حتى بعد الراحة.
  • انخفاض الإنجاز: الشعور بعدم الكفاءة أو الفشل، وانخفاض الإنتاجية والرضا.

بالتأكيد وراء أزمة الإرهاق العاطفي أسباب جوهرية فما هي؟

وتابعت دكتورة خديجة، تُعتبر فترات التغيير الكبيرة التي تمرّ بها المرأة هي السبب الرئيسي وراء إصابتها بهذه الأزمة على سبيل المثال:"الانتقال، تغيير الوظيفة، الطلاق"؛ وذلك بخلاف الأسباب التالية:

  • ضغوط العمل المزمنة: أعباء عمل ثقيلة، ساعات طويلة، عدم تقدير، صراعات مع الزملاء أو الرؤساء، غموض الأدوار، نقص التحكم.
  • العناية بشخص آخر: رعاية مريض مزمن (جسديًا أو نفسيًا)، رعاية طفل لديه احتياجات خاصة، رعاية مسن.
  • الضغوط الحياتية: مشاكل مالية مستمرة، صراعات أسرية أو زوجية طويلة، فقدان شخص عزيز، أحداث صادمة.
  • الصراعات الشخصية الداخلية: الشعور بعدم تحقيق الذات، صراع القيم، عدم التوازن بين الحياة والعمل.

ماذا عن أعراض الإرهاق العاطفي التي تظهر على المرأة؟

وأضافت دكتورة خديجة، ربما قد تختلف الأعراض من امرأة لأخرى، ولكن جميعها تنحصر في التالي:

  • السمات الشخصية الشائعة: الميل للكمالية، صعوبة وضع الحدود، الحساسية العالية، التشاؤم.
  • عاطفيًا: تهيج، قلق، اكتئاب، يأس، فقدان الحماس والشغف، قلة الصبر، شعور بالعجز، خدر عاطفي.
  • جسديًا: إرهاق دائم، آلام متكررة (رأس، عضلات، ظهر)، تغيرات في الشهية أو النوم (أرق أو نوم مفرط)، ضعف المناعة (الإصابة بالمرض كثيرًا).
  • ذهنيًا: صعوبة التركيز، نسيان، تشتت، انخفاض الإنتاجية، صعوبة اتخاذ القرارات.
  • سلوكيًا: انسحاب اجتماعي، تأجيل المهام، زيادة استخدام المواد (كافيين، سجائر، كحول)، تغييرات في الأداء الوظيفي أو الأكاديمي.

ما هي مضاعفات الإرهاق العاطفي على صحة المرأة؟

أوضحت دكتورة خديخة، أن المخاطر والتداعيات إذا تُركت من دون علاج‘ فقد تؤدي إلى التالي:

  • تدهور العلاقات الشخصية والمهنية.
  • الشعور باليأس وفقدان المعنى.
  • تفاقم اضطرابات الصحة النفسية (الاكتئاب، القلق).
  • مشاكل صحية جسدية خطيرة (أمراض القلب، ضغط الدم، مشاكل هضمية).
  • انخفاض شديد في الأداء الوظيفي أو الأكاديمي قد يؤدي إلى الفصل أو الرسوب.

كيف تتعافى المرأة من الإرهاق العاطفي باتباع خطوات عملية فعالة؟

استفيدي من الخطوات المقدمة للخروج من أزمة الإرهاق العاطفي بسلام دائم
استفيدي من الخطوات المقدمة للخروج من أزمة الإرهاق العاطفي بسلام دائم

أكدت دكتورة خديجة، أن الإرهاق العاطفي ليس ضعفًا، بل هو رد فعل طبيعي للضغوط المزمنة؛ بالتالي طلب المساعدة المتخصصة هوالأفضل للخروج من هذه الأزمة. كذلك اتباع هذه الخطوات:

الخطوة الأولى.. التعرف والإعتراف

اعترفي بأنكِ تُعاني من إرهاق عاطفي وليس مجرد "تعب عادي".

الخطوة الثانية.. تحديد المصادر

حاولي تحديد مصادر الضغط الرئيسية في حياتكِ (العمل، العلاقات، المسؤوليات).

الخطوة الثالثة.. وضع الحدود

تعلّمي قول "لا"، قلّلي من الالتزامات غير الضرورية، وحدّدي أوقاتًا للراحة لا تتنازلين عنها.

الخطوة الرابعة..الرعاية الذاتية  (Self-Care)

  • احصّلي على قسط كافي ومنتظم من النوم.
  • تناولي طعامًا صحيًا ومتوازنًا.
  • مارسي التمارين الرياضية بانتظام (حتى المشي).
  • جربي تمارين التنفس العميق، التأمل، اليوجا، الاستماع للموسيقى، الحمام الدافئ، والقراءة.

الخطوة  الخامسة.. إدارة الوقت والمسؤوليات

رتّبي أولوياتكِ، فوّضي المهام عندما تستطيعي، وتجنبي المماطلة.

الخطوة السادسة.. إعادة الاتصال بالأنشطة الممتعة

خصّصي وقتًا للهوايات والأشياء التي تجلب لكِ السعادة والاسترخاء.

الخطوة السابعة.. طلب الدعم

  • اجتماعيًا: تحدثي مع أصدقاء أو عائلة داعمين وموثوق بهم.
  • مهنيًا: استشيري طبيبًا لاستبعاد أسباب جسدية، ثم اطلبي المساعدة من معالج نفسي (طبيب نفسي أو أخصائي نفسي). لأنالعلاج النفسي (خاصة العلاج المعرفي السلوكيCBT فعّال جدًا في إدارة الإرهاق العاطفي.

الجدير بالذكر، أنه يُمكنكِ تقييم الخيارات الكبيرة؛ على سبيل المثال: "إذا كان العمل هو المصدر الرئيسي، ففكّري في التحدث مع مشرفكِ حول تعديل المهام، أو التفكير في تغيير وظيفي إذا لزم الأمر. أما إذا كانت علاقة ما هي المصدر، ففكّري في استشارة متخصص فورًا".

ماذا عن أهم المهارات المطلوبة لخروج المرأة من أزمة الإرهاق العاطفي؟

مهارة إعادة التواصل مع الذات سواءً بالرسم أو العزف أو البستنة أحد المهارات الفعالة لتخفيز المشاعر الإيجابية والتغلب على الإرهاق العاطفي
مهارة إعادة التواصل مع الذات سواءً بالرسم أو العزف أو البستنة أحد المهارات الفعالة لتخفيز المشاعر الإيجابية والتغلب على الإرهاق العاطفي

من ناحية أخرى، أكدت دكتورة خديجة، أن تغلب المرأة على الإرهاق العاطفي، يحتاج إلى اكتسابها مجموعة من المهارات التي ستُعزز قدرتها على إدارة مشاعرها واستعادة توازنها النفسي؛ أبرزها:

مهارة الوعي الذاتي وتحديد المحفزات

  • تقييم المواقف المسببة للإرهاق مثل (العمل الزائد أو العلاقات المتوترة)، وتسجيلها في مفكرة يومية لتحليل الأنماط المتكررة.
  • ملاحظة الأعراض الجسدية المرتبطة بالإرهاق (الصداع، الأرق) كإنذارات مبكرة لاتخاذ إجراء وقائي.
  • تقبل المشاعر السلبية كجزء طبيعي من التجربة الإنسانية، بدلاً من كبتها أو إنكارها.

مهارات تنظيم المشاعر

  • ممارسة تمارين التنفس المركز لمدة 5-10 دقائق يوميًا، مثل "التنفس المربع" (الشهيق لمدة 4 ثواني، حبس النفس 4 ثواني، الزفير 4 ثواني) لتهدئة الجهاز العصبي.
  • تدوين المشاعر والأفكار لمدة 15 دقيقة يوميًا، مما يقلل أعراض القلق بنسبة 30% حسب الدراسات.
  • تحويل الأفكار السلبية مثل "أنا فاشلة"إلى أخرى واقعية "هذا الموقف صعب، لكن لدي موارد للتغلب عليه".

مهارة وضع الحدود الصحية

  • استخدام مصفوفة "أيزنهاور" لتصنيف المهام إلى: عاجلة/مهمة، وغير عاجلة/غير مهمة، مع تفويض ما لا يتناسب مع الطاقة المتاحة.
  • رفض الطلبات التي تستنزف الطاقة العاطفية، مع تقديم بدائل مثل: "لا أستطيع المساعدة الآن، لكنني أوصي بـ...".
  • تحديد أوقات ثابتة لعدم تفقد البريد الإلكتروني أو التواصل المهني بعد ساعات العمل.

مهارة تعزيز المرونة النفسية

  • تطوير القدرة على التكيف مع التغيرات عبر تبني وجهات نظر جديدة، مثل (اعتبار الأزمات فرصًا للنمو).
  • تحويل التركيز من "ماذا لو؟" إلى "ماذا الآن؟" بالتركيز على الحلول العملية القابلة للتطبيق.
  • تحويل التجارب الفاشلة إلى دروس مستفادة عبر تحليلها بأسئلة مثل: "ماذا تعلمت؟ كيف أستفيد من هذا مستقبلًا؟".

مهارة الرعاية الذاتية الشاملة

  • ممارسة أنشطة بدنية معتدلة (كاليوغا أو المشي) 150 دقيقة أسبوعيًا، لتحفيز إفراز الإندورفين الذي يحسن المزاج.
  • زيادة تناول الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (كالسبانخ والمكسرات) وأوميغا-3 (كالسلمون) لدعم وظائف الدماغ وتقليل الالتهاب المرتبط بالتوتر.
  • تطبيق "قاعدة 20-30 دقيقة"، إذا لم تنامي خلال 20 دقيقة، اتركّي السرير واقرأي في ضوء خافت حتى تشعرين بالنعاس.

مهارة بناء شبكة الدعم

  • قضاء وقت مع أشخاص إيجابيين يدعمون النمو النفسي، وتجنب "المصادر السامة" الذين يزيدون الشعور بالإرهاق.
  • الانخراط في أعمال تطوعية بسيطة (كمساعدة جيران كبار السن) لتعزيز الإحساس بالمعنى والانتماء.

مهارة إعادة التواصل مع الذات

  • تخصيص 30 دقيقة يوميًا لنشاط ممتع (كالرسم، العزف، أو البستنة) لتحفيز المشاعر الإيجابية.
  • ممارسة "التواجد الذهني" عبر التركيز على الحواس مثل (تذوق القهوة ببطء، أو الإحساس بدفء الشمس) لتقليل القلق المستقبلي.
  • استخدام الصلاة أو التأمل أو الممارسات الدينية كمرساة عاطفية لاستعادة السلام الداخلي.

وأخيرًا، تأكدي أن التعافي من الإرهاق العاطفي ليس حدثًا لمرة واحدة، بل عملية مستمرة تعتمد على تطوير مهارات متكاملة. عمومًا، المفتاح هو البدء بتطبيق مهارة واحدة بشكل ثابت (كاليقظة أو الحدود)، ثم دمج البقية تدريجيًا؛ وهنا تظهر الدراسات أن التزامن بين الرعاية الجسدية (كالنوم والحركة) والإدارة النفسية (كالتأمل وإعادة الصياغة) يُعزز التعافي بنسبة 70% مقارنة بالاعتماد على منهج واحد. كذلك تذكّري دومًا أن طلب الدعم ليس ضعفًا، بل خطوة ضرورية نحو التعافي المستدام.