
الترابط الأسري مهارة تحقق الوقاية من الأزمات النفسية.. تابعي كيف؟
تعد الصحة النفسية جزءًا لا يتجزأ من صحة الإنسان العامة، لكنها غالبًا ما تُهمَل في خضم الضغوط اليومية. ورغم أن الأفراد قد يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب بشكل شخصي، فإن تأثير هذه المعاناة يتجاوزهم ليطال عائلاتهم أيضًا. هنا، يظهر دور الأسرة كخط دفاع أول في تعزيز المرونة النفسية والتعافي.
بمناسبة شهر التوعية بالصحة النفسية، تؤكد الدكتورة لارا فوريزي، الأخصائية في الطب النفسي العام والمقيمة في مركز Thrive Wellbeing Centre، أن: الأمر لا يتعلق فقط بكيفية تعامل الأفراد مع صعوباتهم النفسية، بل بكيفية تلاحم العائلات، وبناء مرونة جماعية، ودعم بعضهم البعض في مواجهة الشدائد."
الترابط الأسري: أساس الحماية النفسية للمراهقين
المراهقون من أكثر الفئات عُرضة للتقلبات النفسية، نتيجة لتغيرات النمو، والضغوط الاجتماعية والتعليمية، والبحث عن الهوية. لكن البيئة الأسرية الآمنة والداعمة تشكل عامل حماية أساسي. فحين يشعر المراهق بأنه مسموع ومقبول ومحاط بالدعم غير المشروط، تقل احتمالية إصابته بالقلق أو الاكتئاب.
وتشير منظمة الصحة العالمية (2022) إلى أن حالة واحدة من كل ثماني حالات على مستوى العالم ترتبط باضطراب نفسي، وغالبًا ما تبدأ الأعراض في مرحلة المراهقة. لذا، فإن وجود علاقة إيجابية بين المراهق ووالديه يُعتبر وقاية حقيقية.
المرونة النفسية الأسرية: مهارة جماعية تحمي الجميع
توضح الدكتورة فوريزي أن المرونة لا تعني تجنب الألم، بل: القدرة على التكيّف، والتعافي، بل والنمو في مواجهة الألم، وغالبًا ما تبدأ هذه الرحلة من داخل الأسرة."
وقد أظهرت دراسة تحليلية حديثة (Cheng وآخرون، 2024)، شملت 48 دراسة دولية، وجود ارتباط قوي بين المرونة العائلية وانخفاض مستويات الضيق النفسي وزيادة القدرة على التكيّف العاطفي. الأسر التي تملك مهارات مرونة أعلى، أظهرت مؤشرات أقل على الاكتئاب والقلق.
خطوات لتعزيز المرونة الأسرية
تتحقق المرونة الأسرية من خلال ما يلي
- الحوار اليومي المفتوح بين الأهل والأبناء.
- عدم إصدار أحكام على المشاعر، وتشجيع التعبير الحر عنها.
- تبني عادات صحية مشتركة: نوم منتظم، رياضة، تغذية، لحظات استرخاء.
- الاستعانة المبكرة بأخصائيين نفسيين عند الحاجة.
- حماية المراهق من القلق والاكتئاب: دور العائلة في الوقاية
وفي هذا الصدد كشفت دراسة وطنية أمريكية، أجريت عام 2022، أن 20: 15% من المراهقين، وكذلك من الآباء والأمهات، أبلغوا عن أعراض القلق أو الاكتئاب. إلا أن وجود بيئة أسرية مرنة يجعل التعامل مع هذه الأعراض أكثر فاعلية، ويمنع تطورها.
هذه الممارسة اليومية، قد تبدو الوقاية بسيطة لكنها مؤثرة، مثل:
- ملاحظة تغيرات المزاج عند المراهق والتدخل المبكر.
- إشراكه في قرارات الأسرة الصغيرة لبناء شعور بالمسؤولية والانتماء.
- التواصل مع مستشار نفسي مدرسي أو طلب جلسات دعم عند الحاجة.
تقول الدكتورة فوريزي "خلق مساحة آمنة للمشاعر دون حكم أو نقد، يمكن أن يقلل من وصمة العار، ويبني الثقة، ويشجع على طلب الدعم مبكرًا."

تخفيف العبء النفسي عن الأسرة
غالبًا ما يتحمّل أحد الوالدين عبء الرعاية والمتابعة، ما قد يؤدي إلى الإرهاق النفسي أو العاطفي، خاصة في ظل الضغوط المهنية والأسرية المتزايدة. وهنا تؤكد الدكتورة فوريزي على أهمية المرونة داخل الأسرة لتوزيع الحمل والاعتراف بحق كل فرد في الراحة والدعم.
كيف تُخفف الأسرة الأعباء عن أفرادها؟
يتم ذلك من خلال الإلتزام بتطبيق ما يلي:
- تقاسم المهام اليومية بين الوالدين والأبناء.
- إعطاء مساحة شخصية لمقدّم الرعاية دون شعور بالذنب.
- استخدام الموارد المجتمعية، مثل مجموعات الدعم، والمبادرات المحلية.
- تشجيع أفراد الأسرة على الحديث عن ضغوطهم دون خجل.
الإمارات نموذجً للبيئة الداعمة للصحة النفسية
في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتقدّم جهود الصحة النفسية بوتيرة ملحوظة، سواء على مستوى السياسات الوطنية أو البرامج المدرسية أو الخدمات العلاجية المتاحة. وتؤكد الدكتورة فوريزي أن البيئة الإماراتية، بتنوعها الثقافي وغنى مواردها، تمثل فرصة نادرة لتعزيز مفهوم "الأسرة المرنة".
وتضيف: ليس المطلوب أن نملك كل الإجابات، بل أن نظل على تواصل عاطفي، خاصة في أوقات الغموض وعدم الاستقرار."
خلاصة القول:
الأسرة هي نقطة الانطلاق نحو التعافي. الصحة النفسية لا تُبنى في العيادات فقط، بل تبدأ من الداخل أي من المنزل، كل لحظة حوار، أو تعاطف، أو دعم تُقدّمه الأسرة، تُعد استثمارًا في صحة أبنائها ومستقبلهم. لذا، دعونا في شهر التوعية بالصحة النفسية، نحتفي بشجاعة الأسر التي تقف مع أفرادها، يومًا بعد يوم، وتبني مجتمعًا أكثر مرونة واتزان.