الغيرة بين الأشقاء في ظل الاختلافات العصبية تحتاج إلى فهم وعلاج

الغيرة بين الأشقاء في ظل الاختلافات العصبية..أشقاء ولكن!

ريهام كامل

تُعد الغيرة بين الأشقاء ظاهرة شائعة في الأسرة، خصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة. ومع أنها قد تبدو أمرًا طبيعيًا في بعض الأحيان، إلا أن تجاهلها قد يؤدي إلى مشكلات عاطفية وسلوكية تؤثر على العلاقة بين الأبناء وعلى تماسك الأسرة واستقرارها. تأخذ الغيرة بين الأشقاء أشكال عدة مثل التنافس على حب واهتمام الأبوين، أو الشعور بالتفضيل، أو حتى بسبب اختلاف القدرات والاهتمامات، ذلك في الحالات العادية، ولكن ماذا عن الغيرة في ظل الاختلافات العصبية؟

الغيرة بين الأشقاء معقدة في حالات التوحد واضطراب فرط الحركة

الغيرة بين الأشقاء والاختلافات العصبية

الغيرة بين الأشقاء أمر شائع في العديد من العائلات، لكنها تصبح أكثر تعقيدًا عندما يكون أحد الأشقاء مصابًا باختلاف عصبي غير مُشخّص، مثل اضطراب طيف التوحد (ASD) أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).

تشير الإحصائيات إلى أن اضطراب التوحد يصيب طفلًا من بين كل 146 مولودًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين أظهرت دراسة أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يصيب نحو 4% من طلاب المدارس في دبي.

ويؤدي غياب التشخيص إلى تفاقم الصعوبات في العلاقات الشخصية، مما يجعل علاقة الإخوة أكثر تحدّيًا. ونظرًا لانتشار حالات الاختلافات العصبية، أطلقت دولة الإمارات، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، برنامج "سفراء التوحد"، بهدف دعم الأفراد المصابين وأسرهم، وتعزيز مجتمع شامل ومتقبل للاختلافات.

في هذا المقال، تستعرض الدكتورة مانويلا من مركز Thrive للصحة النفسية تأثير غياب تشخيص الاختلافات العصبية على الغيرة بين الأشقاء، وكيفية بناء بيئة شاملة تتفهم التنوّع العصبي وتحتضنه.

الغيرة بين الأشقاء: عندما يكون أحدهم مختلفًا

عادةً ما تنشأ الغيرة بين الأشقاء نتيجة التنافس على انتباه الوالدين، أو الرغبة في الاستقلال وإثبات الذات. لكن عندما يكون أحد الأشقاء يعاني من اختلاف عصبي غير مُشخّص، فقد يتحول هذا التنافس إلى سوء فهم وخلافات عميقة الأثر.

غالبًا ما يواجه الطفل المختلف عصبيًا تحديات اجتماعية وعاطفية وإدراكية تختلف عن أقرانه من الأطفال النمطيين؛ فقد يشعر بالعزلة نتيجة لاختلاف أسلوبه في التواصل، أو معالجته الحسية، أو صعوبة اندماجه في المواقف الاجتماعية المعتادة.

وفي مثل هذه العلاقات، قد تطغى مشاعر التنافس والضغينة، بدلًا من بناء روابط صحية بين الأشقاء. ومن جهة أخرى، يعاني الأخ النمطي من صعوبة فهم احتياجات شقيقه المختلف، وقد يشعر بالنقص، خاصة إذا بدا أن شقيقه يتفوّق في مجالات معينة، مما يضعف ثقته بنفسه.

قد يشعر الأخ النمطي بالإهمال أو الإحباط، بينما يُفسّر الأخ المختلف هذه المشاعر كسلوك عدائي أو مربك، ما يزيد الفجوة بينهما.

أثر غياب التشخيص .. حاجز أمام التعاطف

في غياب التشخيص والفهم الكافي لهذه الحالات، قد يُنظر إلى الطفل المصاب بفرط الحركة على أنه "كسول"، أو يُوصَف الطفل المصاب بالتوحد بأنه "منعزل" أو "غريب الأطوار". يؤدي هذا الغموض إلى تفاقم مشاعر الغيرة من كلا الجانبين. ورغم جهود الوالدين، قد يشعران بالإحباط، ويعجزان عن توفير الدعم العاطفي المناسب نتيجة قلة الوعي.

أهمية التشخيص والتثقيف النفسي في التغلب على الغيرة بين الأشقاء

إذا لم يتم التعامل مع الغيرة بين الأشقاء بشكل صحيح، فقد تترك أثرًا سلبيًا طويل الأمد على العلاقة بينهما. فقد ينشأ الطفل المختلف عصبيًا وهو يشعر بالتهميش، أو بأنه "غريب" أو "خاطئ"، بينما يشعر الأخ النمطي بأنه في منافسة دائمة أو محروم من الاهتمام الذي يحتاجه.

ومع ذلك، يمكن أن يُحدث التشخيص السليم والتوعية داخل الأسرة تغييرًا جذريًا في هذا الديناميك، مما يسمح لكلا الشقيقين بتطوير التعاطف وفهم الفروقات بينهما بشكل صحي.

علاج الغيرة بين الأشقاء في ظل الاختلافات العصبية يحتاج إلى فهم عميق
علاج الغيرة بين الأشقاء في ظل الاختلافات العصبية يحتاج إلى فهم عميق 

حالة "أليكس" و"إيدن": عندما يغير الفهم كل شيء

أليكس (26 عامًا) لديه شقيق أصغر يُدعى إيدن (24 عامًا). كان الاهتمام الوالدي ينصبّ غالبًا على أليكس، الذي يتفوق أكاديميًا، لكنه يواجه صعوبات في التفاعل مع الآخرين وفهم الإشارات العاطفية.

شعر إيدن بأنه غير مرئي، وكان يشعر بالغيرة كلما حظي أليكس بالاهتمام، حتى اقتنع بأنه "ليس كافيًا". ومن جهته، كان أليكس يعاني بدوره؛ إذ شعر بعدم الفهم، وكان يفسر إحباط إيدن على أنه هجوم شخصي، مما عمّق شعوره بالوحدة.

بناءً على نصيحة أحد المعالجين، قرر الوالدان إجراء تقييم نفسي لكليهما. وتم تشخيص أليكس بأنه يعاني من التوحد عالي الأداء، وكان هذا الاكتشاف نقطة تحوّل كبيرة في حياة العائلة.

لم يعد يُنظر إلى أليكس على أنه "غريب" أو "صعب"، بل أصبح واضحًا أن اختلافه العصبي ينعكس على طريقته في إدراك العالم والتفاعل مع الآخرين.

التشخيص: كشف الحقيقة وبداية التغيير

واجه إيدن في البداية صعوبة في تقبّل تشخيص شقيقه وفهم كيف يبرّر ذلك السلوكيات الذي طالما أزعجته. استخدم المعالج تشبيهًا بسيطًا لتقريب الفكرة، قائلاً: "عندما رأيت صغير البجعة، أو ما يُعرف بـ 'البطة القبيحة' لأول مرة، اكتشفت أنه في الحقيقة بجعة صغيرة رائعة ذات ريش رمادي لؤلؤي ناعم. عندها أدركت أنه ليس قبيحًا.. بل مختلف!"

الاختلاف العصبي يشبه هذا تمامًا؛ اكتشاف كنز خفي. أليكس، تمامًا كفرخ البجعة، ليس "خاطئًا" أو "أقل شأنًا" من إيدن، بل هو ببساطة مختلف. والاختلاف لا يعني قلة القيمة، بل جمالًا من نوع آخر ووظائف عقلية تستحق الفهم والقبول.

بدأ كل من أليكس وإيدن في رؤية بعضهما البعض بعين جديدة من التعاطف. فهم إيدن أن أليكس لا يتجاهله عمدًا، بينما أدرك أليكس أن ردود أفعال شقيقه ليست رفضًا شخصيًا، بل استجابة لتحديات اجتماعية يمر بها.

خلاصة القول

بحسب د. مانويلا، يجب فهم أهمية التشخيص كأداة للنمو، إذ يمثل تشخيص الاختلاف العصبي خطوة أساسية في طريق الفهم والقبول، ليس فقط للفرد، بل للعائلة كلها.بالنسبة لأليكس وإيدن، ساعدهم التشخيص على كسر حلقة سوء الفهم، والبدء في بناء علاقة أكثر تعاونًا واحترامًا.

تخلّص إيدن من المعتقدات السلبية التي كوّنها عن نفسه، مما حسن من تقديره لذاته بشكل ملحوظ. أما أليكس، فقد أدرك أن لديه "قدرات خارقة" مرتبطة باختلافه العصبي، وتعلم أن يقبل هذا التميز ويتعامل مع تحدياته تمامًا كما يتعامل الأبطال الخارقون مع نقاط ضعفهم.