المصممة ريم صالح

المصممة ريم صالح تروي لـ "هي"  قصة العروس بين القمر والنجوم.... حين تولد قصة الزفاف على القماش

لطيفة الحسنية 
10 أغسطس 2025

بين القمر والنجوم روت عروس العام أسرار السماء. هناك في مكان سرّي، ولدت القصة وتم نسجها على قماش الزفاف، فكتبت نجمة النجمات رسائلها الخفية على صفحة الليل. هناك، حيث وُلد حلم المصممة ريم صالح. في هذا المكان بين السماء والأرض، المحاط بين عناصر الكون والنعمة، خُلق الإلهام الفريد لينسج خيوطاً من حلم.

هي فساتين ليست مجرد أزياء، بل لوحات شعرية تحتضن العروس وتروي عنها قصة لا تُقال بالكلمات. في حوارها مع "هي"، تكشف ريم عن علاقتها العميقة بعناصر الكون، وعن المرأة التي تصمّم لها… تلك التي ترتدي الحلم قبل الفستان.

"أسرار السماء" عنوان شاعري لافت… كيف وُلدت فكرة هذه المجموعة، وكيف تؤثر عناصر الكون بتصاميمك؟

فكرة هذه المجموعة لم تأتِ من لحظة عابرة، بل من لحظة صمت نادرة، كنتُ فيها وحدي تحت سماء قريتي. كان الليل هادئًا، والنجوم تتناثر بصمت، وكأنها تهمس لي بشيء ما. في تلك اللحظة، شعرت أن السماء ليست مجرّد مشهد فوقنا، بل كتاب مفتوح لمن يعرف كيف يقرأه، لمن يرى في الظلال حكايات، وفي النور رسائل، وفي الفراغ طاقة تنتظر أن تتحوّل إلى شكل، إلى نغمة، إلى ثوب.

السماء، بهذا العمق اللانهائي، بدت لي كأمّ كونية، تحتويني وتلهمني وتدفعني إلى التأمل، إلى الغوص في طبقات الضوء واللون والرمز. بدأت أرى كل عنصر فيها كأداة تعبير:القمر صار رمزًا للأنوثة في هدوئها وغموضها،النجوم صارت مشاعر مبعثرة تنتظر أن تُجمَع في قصة، الضوء الصامت بات لُغة خفية بيني وبين القماش.

لم تكن هذه المجموعة مجرد تصاميم، بل كانت حالة شعورية كاملة، ولدت من داخلي وانعكستعلى كل قطعة. كلفستان فيها يشبه سماء مختلفة، وكل تفصيل صغير فيه هو ترجمة لحالة شعورية مرّت بي وأنا أتأمل هذا الكون.

ذكرتِ أن السماء كانت ملجأكِ ومصدر إلهامك… ما الذي يجذبكِ في هذا الاتساع الغامض؟ ومتى بدأت علاقتكِ الخاصة بعناصر الكون؟

السماء كانت، وما زالت، مكاني الآمن. منذ صغري، حين كنت أشعر بالضياع أو الحيرة، كنت أرفع رأسي نحوها، وكأنني أبحث عن إجابة، عن إشارة، عن حضن لا يُرى. هناك في الأعلى، كنت أجد التوازن بين النور والظلمة، بين الثبات والحركة، بين ما يُقال وما يُخفى. فالسماء تهمس أكثر مما تتكلم، وتُظهر جزءًا وتخفي أجزاء، وهذا الغموض هو ما شدّني إليها. هي مساحة مفتوحة للخيال، للإلهام، للحلم، وللتعبير عن الذات. ليست فقط مشهدًا بصريًا، بل تجربة وجودية كاملة. تشبه المرأة في قوتها ونعومتها، في صمتها وقدرتها على التحوّل. كل مرة أنظر فيها إلى السماء، أشعر أنها مرآة داخلية، تعكس ما لا أستطيع أن أشرحه بالكلام.هي لا تتكرّر، لا تشبه يومًا ما كانت عليه في اليوم السابق، وهذا تحديدًا ما يجعلني أراها كأعظم مصدر إبداع على الإطلاق… لأنها تُشبهني.

إذا كانت السماء هي مصدر الإلهام الأول… هل هناك عناصر أخرى من الطبيعة أو الكون ترغبين في استكشافها مستقبلاً؟ النار؟ الماء؟ الرياح؟

عروس ريم صالح
عروس ريم صالح

بكل تأكيد، فأنا أؤمن أن الطبيعة لا تنضب، وأنها تحمل داخلها كمًّا هائلًا من القصص والمشاعر التي يمكن ترجمتها بصريًا عبر التصميم. بعد السماء، أشعر بانجذاب قوي نحو الريح. الريح ليست فقط حركة في الفراغ، بل هي طاقة حرّة، لا تُحتوى ولا تُروَّض. فيها حياة غير مرئية، وحرية غير مشروطة. قد تكون الرياح بطلة مجموعتي القادمة، ترمز إلى القوة الصامتة، إلى التغيير، إلى الخفة التي تحمل معها ثِقل التجربة.

كما أفكر كثيرًا في "النار"… ليس كعنصر مدمر، بل كشعلة داخلية، كامرأة تحمل شغفًا مشتعلاً في داخلها، لا ينطفئ حتى في أكثر لحظاتها هدوءًا. أمّا "الماء"، فهو الأنوثة في أنقى حالاتها: انسيابية، عمق، سكون فيه الكثير من التأمل.

لكل عنصر طبيعة، ولكل طبيعة قصة… وأنا لا أبحث عن الجمال السطحي، بل عن حالة شعورية حقيقية أعيشها وأحاول أن ألبسها.

ما قصة التطريزات التي شبهتها بـ"نجوم سقطت بهدوء"؟ هل لكل تصميم دلالة خاصة؟

كل تطريز في هذه المجموعة لم يُوضع عبثًا، بل بوعي كامل ومشاعر حقيقية. لم أتعامل مع النجوم كزينة بصرية، بل ككلمات غير منطوقة، كرسائل صغيرة تحملها العروس على جسدها دون أن تقولها بصوت. كل نجمة مطرّزة هي ذكرى، أمنية، لحظة حلم عابرة.اخترت أن تكون هذه التفاصيل ناعمة، لا تسرق الأضواء بل تهمس بها، تمامًا كما تفعل النجمة عند سقوطها… لحظة من الجمال الخاطف الذي يحمل داخله أمنية صادقة. الفساتين لم تكن مجرد أزياء، بل لوحات شعورية: فستان يعني حلمًا، آخر يعني اشتياقًا، وثالث يحمل في طياته سلامًا داخليًا ناعمًا كالضوء.أردت أن أقول من خلال هذه التفاصيل إنّ الأنوثة ليست شيئًا صاخبًا دائمًا، بل تكمن قوتها الحقيقية في هذا التوازن العذب بين الرقة والرسالة. من تثق بنفسها، لا تحتاج إلى المبالغة… فجرأتها تنعكس في نعومتها

ما الذي يميّز هوية ريم صالح في التصميم؟ وهل ترين نفسك جزءًا من مدرسة أو تيار معيّن؟

المصممة ريم صالح
المصممة ريم صالح

هويتي في التصميم تنبع من الداخل… من إحساس عميق تجاه المرأة، ومن رغبة صادقة في أن أُعبّر عنها كما هي: حرة، حالمة، واثقة، وأحيانًا هشة بطريقة جميلة. لا أصمم فقط لأُظهر جمالها الخارجي، بل لأُعانق تلك الأبعاد الخفية فيها، لأعطي لصوتها الداخلي شكلاً مرئيًا يمكن لمسه.

أنا لا أنتمي لمدرسة تصميم كلاسيكية بحتة، ولا إلى تيار حداثي متطرّف. بل أستوحي من كلا العالمين، وأمزجهما بطريقة تخلق توازنًا بين الانسيابية والبنية، بين الخيال والواقعية، بين الرومانسية والجرأة. أستوحي من التاريخ، من السينما، من الطبيعة، من السماء، لكنني أُعيد صياغة كل هذه العناصر بروح معاصرة تحمل بصمتي الخاصة.

إن كنتُ أنتمي إلى مدرسة، فهي مدرسة الأنوثة الصادقة. تلك التي لا تُصنّف، ولا تُقاس بالمعايير المتداولة. فالأنوثة بنظري لا تحتاج إلى المبالغة، بل إلى العمق. وأنا أؤمن أن المرأة عندما تكون مرتاحة في فستانها، تشعر بقوتها… لا العكس.

في كل قطعة أصممها، أبحث عن ذلك "الخط الرفيع" بين الرقة والقوة، بين النعومة والثقة… وأحاول أن أُبقي هذه الثنائية متناغمة بلا تناقض. لأنني أؤمن أن المرأة لا تُختصر في صفة واحدة، بل هي مجموعة مشاعر متناقضة تُكمل بعضها. وهنا بالضبط، تكمن جمالية التصميم الحقيقي بنظري

وصفتِ المرأة التي تصمّمين لها بأنها "حرّة، حالمة، وجريئة"... هل تستوحين تصاميمك من نساء في حياتك؟ أم من خيالك؟

أنا أستلهم من كل امرأة حقيقية عرفتها أو رأيتها عن بُعد:أمي مثلًا، تحمل في صمتها حكاية كاملة عن التضحية والقوة، وصديقاتي، كل واحدة منهن تمثّل وجهًا مختلفًا من الأنوثة. المرأة الحقيقية تُلهمني… تلك التي عاشت، تعثّرت، قامت، ثم قررت أن تحب نفسها من جديد.

لكن أيضًا، هناك امرأة في خيالي، لا تشبه أحدًا… تظهر لي أحيانًا في أحلامي، أراها تمشي بثقة، تبتسم بصمت، ترتدي فستانًا يشبه حالتها. قد تكون هذه المرأة "أنا" في لحظة نضج، أو "كل امرأة" في لحظة وعي. هي ليست كاملة، لكنها حقيقية، ليست مثالية لكنها صادقة. لهذا أسعى أن أُلبسها في كل مجموعة، دون أن أعرّفها، لأنني أريد لكل امرأة أن تراها وتقول: “هذه أنا”

ما الحلم الذي يراود ريم صالح الآن، بعد أن لامست النجوم؟

أحلم أن أرى تصاميمي تروي قصص النساء، لا أن تُلبسهن فقط.أحلم أن تُصبح كل مجموعة صدى لحالة إنسانية، لحلم مشترك بيني وبين كل من ترتدي قطعة منّي. أرغب أن أُنشئ دار أزياء لا تبيع فساتين فحسب، بل تبني ذاكرة، إحساس، توقيع خاص يرافق اللحظة.

أطمح أن يُذكر اسمي كمن صاغ الأنوثة بأسلوب مختلف… ليس فقط أنيقًا، بل صادقًا. أن يُقال عن علامتي إنها تلمس القلب قبل العين، وإنها تعبّر عن المرأة التي تفكّر وتشعر وتحلم، لا فقط تلك التي تُعجب بالمظهر الخارجي.

لا أبحث عن الانتشار السريع، بل عن الأثر العميق… ذلك الأثر الذي يبقى في الصور، في الذكريات، وفي القلب.

من هي عروس ريم صالح؟

هي ليست عروسًا تقليدية تبحث عن الكمال المثالي الذي تُحدّده الصور النمطية… بل امرأة تشبه السماء في غموضها، في ضوئها الخاص، في تفاصيلها التي لا يمكن تفسيرها بكلمات. هي عروس تُدرك أن يوم زفافها ليس مجرد مناسبة، بل لحظة داخلية تتويجية، حيث تلتقي مع ذاتها، مع حلمها، مع الحب الذي انتظرته طويلاً.

هي رومانسية، لكنها ليست ضعيفة. حالمة، لكن خطواتها ثابتة. عاطفية، لكن تُدير قلبها بذكاء. عروس "أسرار السماء" ترتدي القصة، لا الفستان فقط. تعيش اللحظة بكل جوارحها، وتُريد لفستانها أن يروي عنها أكثر مما تقول.

إنّها العروس التي تصنع اللحظة، لا تلك التي تندمج فيها فقط… امرأة تعي أن الأنوثة لا تُقلَّد، بل تُعاش.ثابتة،.عاطفية، لكن تُدير قلبها بذكاء. عروس "أسرار السماء" ترتدي القصة، لا الفستان فقط. تعيش اللحظة بكل جوارحها، وتُريد لفستانها أن يروي عنها أكثر مما تقول.إنها العروس التي تصنع اللحظة، لا تلك التي تندمج فيها فقط… امرأة تعي أن الأنوثة لا تُقلَّد، بل تُعاش.

صفي لنا هذه الفساتين:

عروس ريم صالح تحت ضوء القمر
عروس ريم صالح تحت ضوء القمر

عروس تحت ضوء القمر: يبدأ الحلم من هناك، تحت ضوء القمر، حيث تسكن الأحلام الصامتة وتنبت القصص اللامرئية. هذا الفستان لا يروي قصة زفاف فقط، بل يكتب قصيدة ضوء وهمس أنوثة. صُمّم الكورسيه من قماش الميكادو الراقي، بتصميم curved وانحناءة خصر واطية تبرز قوام العروس بانسيابية أنثوية، وكأن القمر نفسه يعانقها من خاصرتها.

الشكّ المصنوع يدويًا من الخرز الشفاف اللامع لا يأتي صدفة، بل يرسم مجرة كاملة من التفاصيل فوق جسد العروس، وكأنها تسير وسط سماءها الخاصة. النجوم هنا لا تتناثر عبثًا، بل تحمل أمنيات العروس، تفاصيل طفولتها، لحظة انتظارها، ونبض قلبها في تلك الليلة.

التنورة من التول الفاخر تُشبه السحاب النقي حين يمرّ على ضوء، تتمايل بخفّة، فتمنح للعروس حضورًا ساحرًا كأنها لا تمشي، بل تطفو. أما الطرحة، فكانت امتدادًا للحلم، مرسومة بخيوط رفيعة كالضوء، تحمل رسائل خفية عن امرأة لا تُقيَّد، تعرف حريتها وتؤمن بنورها.

اخترت اللون الأبيض الناصع لأنه ليس فقط رمزًا للنقاء، بل إعلان ولادة. وكأن الفستان يقول: "ها أنا أبدأ… لا كعروس فقط، بل كامرأة جديدة تُضيء عالمها على طريقتها".

عروس ريم صالح نجمة في عالم خاص
عروس ريم صالح نجمة في عالم خاص

نجمة في عالمها الخاص: هذا الفستان لا يُلبس… بل يُعاش. هو أشبه بلوحة من سماء حالمة، أرادت أن تنزل إلى الأرض لحظة واحدة لتُتوّج امرأة تُشبهها. التفاصيل هنا لا تُروى بكلمات، بل تُشعر. اخترت اللون العاجي (Ivory) ليكون ترجمة أنثوية خالصة لما بين الحلم والواقع، لون يحمل الهدوء والدفء، ويُعلن جرأة أنثوية لا تصرخ، بل تُضيء بصمت.

يتكوّن الفستان من طبقتين: فستان داخلي ناعم بتصميم دقيق يُبرز خصر العروس ويُلامسها كأنما يُنصت لأنفاسها، تعلوه طبقة overskirt شفافة تُضفي طابعاً ملكياً ناعماً، تُشبه الهالة التي تحيط بالنجوم.

الطرحة مزينة بالنجوم المتناثرة، كأنها سماء تُرافق العروس أينما مشت، تهمس لها بأنها البطلة، بأنها كل الحكاية.

أما القطعة الأيقونية، فكانت الـheadpiece  المصنوعة يدويًا بخيوط ذهبية. قطعة لا تُشبه سواها، وكأنها نجمة من مجرة أخرى اختارت أن تستقر فوق رأس العروس في هذا اليوم تحديدًا. هنا، العروس لا تبحث عن إعجاب الآخرين… بل عن أن ترى نفسها وتشعر أنها "هي" تمامًا.

أنوثة بهدوء السماء تجسّد رقي إطلالة الزفاف
أنوثة بهدوء السماء تجسّد رقي إطلالة الزفاف

أنوثة بهدوء السماء:

هذا الفستان هو همسة. ليس صاخبًا ولا مُلفتًا بطريقة تقليدية، لكنه حين يظهر… يسرق كل الأنظار. هو أنوثة خالصة، نقية، لا تحتاج إلى شرح. مصنوع من الكريب الفاخر، بتفاصيل دقيقة من كريب جورجيت حول الرقبة والخصر، ينسدل بانسيابية تامة كأنه نُسج من نسمة.

التصميم لا يتكلم كثيرًا… لكنه يقول كل شيء. من الياقة التي تلامس الرقبة بلطف، إلى الخصر الذي يحتضن الجسد بثقة، كل تفصيلة هنا تحترم العروس وتُعبّر عنها. التنورة تنساب كقصيدة، أما الطرحة، فاخترت أن تكون بسيطة تمامًا، دون تطريز أو زينة، لأنها لا تحتاج إلى ذلك. الفستان بحد ذاته كافٍ ليعبّر عنها.

الـheadpiece هنا كانت قطعة من السماء: نجوم صغيرة وقمر ناعم صُنعت بحسّ فني متقن، لتعكس شخصية امرأة هادئة في الخارج، لكن عميقة، شجاعة، وحُرّة في الداخل.هذا الفستان يُخاطب العروس التي تؤمن أن القوّة لا تُعلَن، بل تُحسّ.