على الشاشة العربية: قصص الحب الجميلة.. ما زالت تنقصها قصة

بقلم: أريج عراق لا يمكن لأحد في مرحلة الثلاثينات من العمر فما فوق، أن ينكر تأثير السينما المصرية في صياغة مشاعره، وتشكيل روحه في فترة المراهقة وبداية الشباب، وهذا ينطبق على المنطقة العربية بأسرها، وليس مصر فقط. فنحن جيل "التليفزيون الأرضي" بقناتيه اليتيمتين، ولا نملك اختيارا فيما يعرض علينا، فكان هو سلوتنا الوحيدة، وكانت أفلام الأبيض والأسود تمثل لكثيرين –أعد نفسي من بينهم- متعة لا تضاهيها متعة. إنه الفن الخالص، في أرقى صوره، عندما كانت مصر هي بوصلة الشرق في الفن والحضارة والرقي، كل من يتمتع بميول رومانسية، توقف يوماً أمام مشاهد تاريخية، صاغت وجدانه وأثرت على روحه، وتمنى أن يتكرر هذا المشهد معه. عن نفسي تمنيت يوماً أن أرقص رقصة الفالس الشهيرة في فيلم "نهر الحب" مع شاب في وسامة عمر الشريف، أو أن أتحول يوماً إلى "منى" لأنادي على "أحمد" وأسمع منه ذلك النداء الجميل على شاطئ مرسى مطروح، كما في فيلم "أغلى من حياتي"، أو أن أجد من يحبني هذا الحب الأسطوري الذي أحبه "إبراهيم" لـ"فريدة" في فيلم "حبيبي دائماً"، وغيرها الكثير من المشاهد الجميلة التي ضاعت بعد ذلك في زحام الحياة وزخم البحث عن لقمة العيش، أحلام قد تتكسر، ولكن يبقى عبقها عالقاً في ثنايا القلب والروح، نستعيدها في لحظة نبحث فيها عن ذواتنا المفقودة، ونستعيد معها براءة المشاعر، ورقة الأحلام. أما عن هذه المشاهد فقد اخترنا منها أكبرها تأثيراً وخلوداً، خاصة ما تحول منها من شاشة السينما إلى الواقع، عندما يصل التمثيل إلى أعلى مراتب الصدق، ويصبح حقيقة ملموسة، لنقدمها لكل من يبحث عن هذه اللحظات، في يوم "من المفترض" أن يكون يوماً للحب. شادية وصلاح ذو الفقار "أغلى من حياتي": عندما التقت الفنانة الجميلة شادية بالنجم الشاب وقتها صلاح ذو الفقار في فيلم "عيون سهرانة" عام 1956، كانت لا تزال متزوجة من النجم عماد حمدي، ولا أحد يعرف على وجه اليقين، إن كان هذا اللقاء بداية لشيء أكبر، أم أن البداية الحقيقية كانت بعد ذلك بتسع سنوات، عندما طلب صلاح من شادية أن تشاركه بطولة فيلم من إنتاجه، عن قصة الفيلم الأميركي "الشارع الخلفي" من بطولة "جون جافن" و"سوزان هيوارد"، والذي أكد صلاح في أكثر من حوار له أنه تأثر كثيرا بهذا الفيلم، وتمنى تقديمه على الشاشة المصرية. وأثناء تصوير أحد المشاهد الرومانسية، والتي يفترض أن يحضن فيها البطل حبيبته، قال المخرج محمود ذو الفقار "كت" لإنهاء المشهد، إلا أن شادية بدت وكأنها لم تستمع إليه، فكررها أكثر من مرة، فأجابت شادية بتلك القنبلة "صلاح، أنا بحبك يا صلاح، بجد"، لتبدأ بعدها قصة الحب الأكبر والتي استمرت سنوات، وأثمرت عن مجموعة من أجمل الأفلام العربية مثل "مراتي مدير عام"، "كرامة زوجتي"، و"عفريت مراتي" وكلها من إخراج الرائع فطين عبد الوهاب. فاتن حمامة وعمر الشريف "صراع في الوادي": أما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فكان لها معايير خاصة في الأفلام التي تقبل العمل فيها، وكانت صارمة جداً في تنفيذ هذه المعايير، منها رفض القُبل تماماً. وعندما طلب منها المخرج الشاب وقتها يوسف شاهين أن تقوم ببطولة فيلم "صراع في الوادي"، والذي كان مرشحا له النجم شكري سرحان عام 1955، طلبت تغيير شكري، فعرض عليها شاهين الوجه الجديد "عمر الشريف"، فوافقت عليه على الفور. وكان أحد المشاهد يستلزم قبلة بين البطل والبطلة، وكان شاهين يعرف أنه سيخوض معركة مع فاتن لقبول ذلك، ولكنه فوجئ أنها وافقت، لتبدأ من بعدها قصة حب كبيرة بين النجمين، توّجت بالزواج في فيلم "سيدة القصر" عام 1956. وتحول مشهد الزواج في الفيلم إلى زفاف حقيقي، ليقدما بعدها مجموعة من الأفلام الخالدة على رأسها "نهر الحب" 1959، وتستمر العلاقة الزوجية بينهما لأكثر من عشرين عاماً، رغم وجود كل طرف منهما في أحد جوانب الكرة الأرضية، وعن هذه العلاقة، يؤكد عمر الشريف –حتى الآن- أن فاتن حمامة هي حب حياته، وأنه لم يحب أو يتزوج غيرها رغم ابتعادهما وانفصالهما بعد ذلك. عبد الحليم حافظ وسعاد حسني: هو النجم الكبير في سماء الغناء العربي، وهي السندريلا الجميلة الساحرة، كان من الطبيعي أن يلتقيا يوماً، وكان من المنطقي أن يقع كل منهما في غرام الآخر، رغم كونها قصة حب ملتبسة، وتحمل الكثير من الأسرار حتى الآن، إلا أن الكثيرين يعتبرونها نموذجاً لقصص الحب الجميلة. فسعاد الشابة الجميلة تستمع لأغنيات عبد الحليم الرومانسية، وتعيش مع صوته الحنون مثل كل بنات جيلها، كان من الطبيعي أن تنهار فرحاً، عندما يبدي عبد الحليم إعجابه بها بعد فيلمها الأول "حسن ونعيمة" عام 1958، وتعبر عن مشاعرها بتلقائية طاما عُرفت بها. ولم يكن من الممكن أن يقاوم كل هذا السحر الذي يطل من عينيها، والغريب أنهما لم يقدما معاً إلا فيلماً واحداً هو "البنات والصيف" عام 1961، والأغرب أن سعاد لعبت دور شقيقة حليم في هذا الفيلم، وليس حبيبته. هل تزوجا كما يقول البعض؟ أم انها كانت قصة غرام فقط؟ لم يعد هذا مهماً، فما يبقى من السيرة العطرة، هو أجمل ما فيها، وأجمل ما فيها كان عبد الحليم وسعاد. رشدي أباظة وسامية جمال: كانت قصة حب غريبة ومثيرة، فلا أحد يمكنه أن يتحمل ما تحملته سامية جمال من زوجها شديد الوسامة رشدي أباظة، الذي كان فارس أحلام كل الشابات في ذلك الوقت، وكان هو نفسه "زير نساء" تزوج ما يقرب من اثنتي عشرة مرة، بعضها أثناء زواجه من سامية جمال، ولكنها كانت دائماً تقول "زوجي سيعود إليّ، أعرف هذا". وكان بالفعل يعود، وكانت تتحمله، وكان هو يؤكد أنها الحب الحقيقي الوحيد في حياته، ولا أحد يمكن أن يتحمله مثلها. وحتى بعد انفصالهما في منتصف السبعينات، ظلت بقربه، وخاصة أثناء مرضه، الذي توفي على أثره عام 1980. وقدما معاً أفلاماً جميلة، أشهرها " الرجل الثاني" من إخراج عز الدين ذو الفقار عام 1959، لتبقى صورة رشدي أباظة وسامية جمال، النموذج الأجمل والمثالي لصورة حبيبين، فلا أحد يضاهي وسامته، ولا خلاف على أنها الأنثى كما يجب أن تكون. نور الشريف وبوسي "حبيبي دائماً": كان خبر انفصالهما خبراً حزيناً على كل معجبيهما، فكيف لزواج استمر ما يقرب من ثلاثين عاماً، أن ينتهي في لحظة؟ القصة بدأت أثناء تصوير مسلسل "القاهرة والناس" الذي بدأ تصويره عام 1965، واستمر لسنوات عديدة، وشارك فيه أغلب نجوم الفن في ذلك الوقت. كان نور شاباً حديث التخرج من معهد الفنون المسرحية، ويشق طريقه بقوة في عالم النجومية، بينما لم تكن بوسي قد غادرت مرحلة المراهقة بوقت طويل. وعن رؤيته لها لأول مرة، قال أن جمالها قد سحره، وأن شعرها الناعم المتطاير، قد مس شغف قلبه. ولم ينتظر طويلاً أمام هذا السحر، فتزوجا عام 1972، وأثمر هذا الزواج ابنتين جميلتين هما سارة ومي، ومجموعة من الأفلام الشهيرة، على رأسها "حبيبي دائماً"، الذي حاولا فيه تقديم قصة حبهما ومشاعرهما الحقيقية، بعيداً عن التطورات الدرامية للفيلم، فيصل الفيلم بمشاعره الصادقة إلى كل المشاهدين، ويبقى علامة فارقة في تاريخ السينما الرومانسية. أحمد حلمي ومنى زكي: هما آخر الثنائيات الجميلة حتى الآن، وكانت قصة حبهما تجديد لتأثير السينما المصرية في العصر الحديث، بدأت باشتراكهما في فيلم "ليه خلتني أحبك" عام 2000، والذي لم يكن من بطولة حلمي، إلا أن الكواليس شهدت بداية قصة الحب التي توّجت بالزواج عام 2002، في فرح كبير كان حديث الوسط الفني والمعجبين على حد سواء في ذلك الوقت. كانت بداية علاقتهما تبدو غريبة، فمنى نجمة أثبتت وجودها قبل حلمي، وكانت الأكثر شهرة بلا جدال، إلا ان الأوضاع تبدلت بعد ذلك، وبدأ نجم حلمي يلمع بقوة، ليصبح من أهم النجوم على الساحة الفنية في الوقت الحالي. هل كان ذلك أحد أسباب المشكلات التي دبت بين الزوجين السعيدين؟ لا يهم، لقد كان حلمي ومنى نموذجاً جميلاً، أعاد الروح لزمن يفتقر إلى الكثير من اللحظات الجميلة، وأعطى الأمل بأن الحب مازال ممكناً. هذا ما كان، ماذا عمّا سيكون؟ قصص الحب لاتنتهي، حتى وإن تغيرت الظروف، وأدار لنا الزمن أحد وجوهه القبيحة، تبقى دائماً نسمة باردة، تمر على القلب، لتخفف عنه قيظ الحياة، وتمنحه الأمل في غدٍ أجمل، فدائماً هناك قصة ناقصة، قد تكون لك أو لها، ولكنها حتماً ستأتي.