مذكرات الملكات... قصص للتاريخ أم هروب من مكائد السياسة؟

تمر مذكرات الملوك غالبا بلا ضجيج فهى مكتوبة بعناية لكى لا يقرأها أحد، أما مذكرات الملكات الجميلات فهى مكتوبة بعناية أيضا لكي تثير صخب الجميع، فالقصص الإنسانية الجميلة المليئة بالمغالطات التاريخية، وسرد الكواليس المثيرة لدهاليز القصور الرئاسية، وكشف مواقف وحقائق كبار رجال الساسة، كلها لن تجدها الا في مذكرات الملكات اللواتي يجاهدن لتخليص سيرتهن الشخصية من كل مكائد السياسة.
 
الطير الذي استشهد... يتذكر رحلته. هكذا افتتحت  أرملة شاه إيران الشهبانو فرح ديبا أرق مذكرات ملكية، أصدرتها بثلاث لغات بعنوان "حب باق - حياتي مع الشاه"، ابتعدت عبر صفحاتها عن كل مكائد السياسة ودهاليز القصور الملكية، وركزت على إظهار العلاقة الإنسانية بينها وبين الشاه، والكتاب في مجمله قصص أسطورية عن المصادفات التي قادتها للوقوع في غرام الشاه، وكيف تعرف اليها للمرة الأولى أثناء دراستها للهندسة في العاصمة الفرنسية باريس، وكيف استدعاها لقصره وعرض عليها الزواج لتصبح زوجته الثالثة، بعد الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ملك مصر السابق، وزوجته الثانية ثريا أصفندياري التي طلقها في العام 1958 لعدم قدرتها على الإنجاب، وتسرد بنعومة كيف عاشت ليلة من الف ليلة وليلة، يوم زواجها  ليلة الحادي والعشرين من شهر ديسمبر العام 1959، وعلى هامش الغرام الامبراطورى تتوقف ديبا أمام اللحظات الحرجة في حياة الشاه وأبرزها اصدار قرار تأميم النفط، وانقلاب مصدق، وقصص محاولات اغتياله، ورحلة المنفى والمرض في مصر.
 
كل قصص التاريخ المثيرة والكواليس السرية لحياة القصور، تتجلى في مذكرات الملكة نور زوجة الملك حسين عميد ملوك العالم حتى وفاته، ولعلها أكثر مذكرات زوجات الزعماء والملوك إثارة للجدل والصخب، رغم أن عنوانها "Leap of Faith" أو وثبة الإيمان: مذكرات حياة غير متوقعة، فروايات الملكة عن عشيقات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ومعاناتها مع ثقل دم رئيس ليبيا المقتول معمر القذافى وزوجته، إضافة طبعا الى مقتطفات من سيرتها الذاتية وكيف تحولت من مهندسة أميركية اسمها ليزا بنة مهاجر سوري من حلب اسمه نجيب الحلبي ولد لام اميركية في دالاس، الى"بيبى سيتر" في القصر الملكي الهاشمى ثم الى ملكة لواحدة من أهم الممالك العربية، وكيف أن قارىء فنجان هو من غير مسار حياتها عندما تنبأ لها بالزواج من زعيم عربي.
 
وتكاد تكون نصف المذكرات دحض للشائعات التي طالت سيرة الملكة وسمعتها طوال فترة جلوسها على العرش التي عانت طويلا من سوء الفهم كما تعترف شخصيا، والقصص المثيرة التي تجعل من المذكرات رواية أسطورية لا يمكن التأكد من صحتها لانها الشاهدة الوحيدة عليها، وبعض القصص لا يصمد اما روايات المؤرخين مثل سردها لقصة أسر ياسر عرفات في أيام أيلول الأسود، ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها الملك حسين وكيف نجا منها بمعجزات، وغيرها من القصص المثيرة التي تكشف للمرة الأولى الدور الذى تلعبه النساء في القصور العربية.
 
مذكرات الملكة فريدة آخر ملكة عشقها الشعب المصري كانت هي الأخرى "غيمة من القصص" التي حجبت الضوء عن الكثير من المواقف الغامضة في سيرة آخر ملوك مصر، ورغم أن البعض طال انتظاره لهذه المذكرات متصورا انها ستشعد انتقام الملكة من زوجها الذي طلقها سعيا وراء وريث ذكر للعرش من زوجة أخرى، الا أن فريدة خيبت ظنون الجميع، ودافعت عن طليقها ووالد بناتها، ووجهت كل سهام النقد للحاشية الملكية، واعتبرتهم السبب الرئيس في انتهاء الحكم الملكى في مصر بسبب فسادهم، وتدخلهم الدائم للوقيعة بين الملك والأحزاب الشعبية المصرية.
 
المثير أن الغموض رافق هذه المذكرات حتى قبل صدورها، فطيلة حياة الملكة كانت تنفي دوما انها ستصدر مذكراتها، كما نفت امتلاكها لاي وثائق تخص العائلة المالكة المصرية مشيرة الى انها حرقت كل ما يخص الماضى وتفرغت لهوايتها الوحيدة الفن التشكيلي حتى وفاتها عام 1988، ثم صرحت ابنتها الأميرة فريال، أن الوثائق السرية مودعة بالكامل في خزينة سرية بأحد البنوك السويسرية، ثم تتكشف الحقيقة كاملة بعد رحيلها حيث تبين أن المذكرات كلها محفوظة عند صديقتها الكاتبة لوتس عبد الكريم، التي أصدرتها بالفعل بعنوان "الملكة فريدة وأنا: سيرة ذاتيه"، وحرصت على تنفيذ وصية الملكة، بالإشارة الى ان هذه المذكرات "غير رسمية"، ولكن الوثائق الموجودة بداخلها تقول عكس ذلك، فالكتاب يكشف النقاب للمرة الأولى عن الخطابات المتبادلة بين الملك الراحل وطليقته، وبين فريدة وبناتها اللواتي اودعن مدرسة داخلية في سويسرا، وعن حقيقة علاقتها بابن ضرتها الملك أحمد فؤاد، وكيف ساندت الأسر الملكية الخليجية العائلة المالكة المصرية في محنتها بعد مصادرة كل ممتلكاتها.
 
المذكرات ضمت مفاجآت مثيرة للغاية منها ان الملكة فريدة عادت لعصمة زوجها الملك فاروق قبل وفاته بعقد زواجٍ رسمي، والتأكيد على أن كبير الحاشية ورفيقه الشخصي أنتوني بوللي الايطالى الجنسية، هو في الحقيقة شقيق الملك فاروق من علاقة سرية لوالده الملك فؤاد، ولهذا كان يرفض كل محاولات ابعاده ووافق على التنازل عن العرش بشرط الافراج عن بوللي، كما تضم المذكرات 150صورةً ووثيقةً نادرةً للملكة فريدة والملك فاروق، وعائلتها وبناتها وأحفادها والمحيطين بها من المعارف وأصدقاء الفن والحياة والملكية والسياسة.
 
على النقيض تماما جاءت مذكرات آخر ملكة رسمية لمصر، ناريمان فقد رفضت إصدارها في مصر رغم انها عادت الى البلاد سريعا بعد تطليقها من الملك في المنفى، وأصرت على أن تمليها على الصحافي الأوروبي كلاوس بلومر، ونشرتها جريدة "سامدي سوار" الفرنسية، وهي بالكامل محاولة للتنصل من كل ما وجه اليها من اتهامات، مع محاولة لتبرئة فاروق من كل الشائعات المتعلقة بشغفه بالنساء، وتبرئته من تهمة حريق القاهرة، كما نفت عن نفسها تهمة خيانة الملك فاروق بطلب الطلاق بمجرد تأكدها من زوال العرش، واتفقت مع ضرتها الملكة فريدة على اتهام الحاشية بكل الفساد ووصفتها بـ"البزرميط" وهو مصطلح شعبى مصري يعنى غياب القانون.
 
الملكات يكتبن التاريخ بعد أن يشاركن في صنعه... وكلهن قادرات على رواية ما لا يقدر عليه الرجال... أسرار القصور.